مجموعة بحثية إسرائيلية تتوقع مستقبل لبنان عن طريق المحاكاة

مدة القراءة 7 د


الانفجار الأخير في مرفأ بيروت واستقالة الحكومة اللبنانية، قد يعنيان وفقًا لبوعز غانور Boaz Ganor، مدير معهد IDC هرتسليا الدولي لمكافحة الإرهاب (ICT)، أنّ إسرائيل ستواجه خيارات سياسية ودفاعية جديدة وحاسمة.

إقرأ أيضاً: خراب بيروت…ازدهار حيفا!

لقد وصل الواقع في لبنان إلى نقطة حيث من الممكن أن تقع عدة سيناريوهات جرت محاكاتها عبر مجموعة مكافحة الإرهاب. وهذه السيناريوهات قد تظهر في العالم الحقيقي في الشهور أو حتى في الأسابيع الآتية، على حدّ قوله.

في المعلومات الأساسية عن تلك المحاكاة، التي جرت في نيسان الماضي، بدأ فريق مؤلّف من اثنين من كبار المسؤولين السابقين في الموساد، وسفيرين سابقين، ومجموعة متنوّعة من مسؤولي المؤسسة الفكرية، ذوي العلاقة بمؤسسة مكافحة الإرهاب (ICT)، بمحاكاة “البوكر المفتوح”، غير المسبوقة، للتطوّرات في لبنان، واستمرّت التجربة لثلاثة أشهر.

ومنذ اليوم الأول، مُنحت صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية حقاً حصرياً بمتابعة مجريات تلك المحاكاة، والتي شُورِك بها في الوقت الفعلي على مستند غوغل جماعي، وكذلك استنتاج المقابلات والملخّصات.

وصل الواقع في لبنان إلى نقطة حيث من الممكن أن تقع عدة سيناريوهات جرت محاكاتها عبر مجموعة مكافحة الإرهاب

هذا التمرين المحاكاتي جرى تحت رقابة ضباط الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، على الرغم من أنهم لم يتمكّنوا من المشاركة فيه بشكل مباشر لأسباب واضحة. أما المجموعة المكوّنة من ضباط الاستخبارات السابقين ومن المسؤولين الدبلوماسين السابقين فقد “لعبت” أدوار 12 طرفاً مختلفاً ناشطاً في المجال اللبناني.

وعلى عكس عمليات المحاكاة النموذجية المماثلة، حيث يتحدّث أحد أعضاء المجموعة وحده (بما يحاكي الجهة المفترضة)، وبعد ذلك، يمكن لكلّ عضو آخر أن يتفاعل بشكل فردي، سمحت لعبة البوكر المفتوحة هذه، لأعضاء هذه المجموعة بردّ بعضهم على بعض، ومناقضة أفكار بعضهم البعض، في الوقت الفعلي للمحاكاة.

كان الغَرَض من التمرين، هو وضع خيارات سياسية للمؤسسة الإسرائيلية السياسية والدفاعية، فيما يتعلّق بثلاثة سيناريوهات رئيسية تفاعل فيها اللاعبون – الخبراء، كلّ منها لمدة أسابيع، من أجل إتاحة المجال بتحرّكات وتحرّكات مضادة، كما قال غانور للصحيفة.

في السيناريو الأول (وفق المحاكاة الافتراضية)، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون عن حكومة طوارئ للتعامل مع الأزمة الصحية والاقتصادية المزدوجة التي يطرحها فيروس كورونا. تتجسّد هذه الأزمة ليس فقط في انتشار العدوى وفقدان الدخل، ولكن أيضاً من خلال انهيار كفاية المعدات الطبية والإمدادات الأخرى اللازمة للخروج من الأزمة، فضلاًً عن انطلاق موجة الاحتجاجات الشعبية. كجزء من حكومة الطوارئ هذه، يضطرّ حزب الله وهو الوكيل الشيعي لإيران، إلى اتخاذ قرار فيما إذا كان سيهاجم من أجل السيطرة على الموقف، باستخدام قوته النارية المادية المتفوّقة أو سينفّذ انسحاباً استراتيجياً.

يكمل حزب الله سيطرته عسكرياً على الحكومة الحالية ويقول زعيم الجماعة، حسن نصر الله، للبلاد إنه وحده، بمساعدة إيران، يمكنه إنقاذ الأمة

في السيناريو الثاني، يكمل حزب الله سيطرته عسكرياً على الحكومة الحالية، وهي حكومة يسيطر عليها بشكل كبير بحكم الأمر الواقع. ويقول زعيم الجماعة، حسن نصر الله، للبلاد إنه وحده، بمساعدة إيران، يمكنه إنقاذ الأمة.

في ظلّ السيناريو الثالث، لا توجد جماعة أو زعيم قادر على قيادة البلاد خلال الأزمة، وينحدر المجتمع اللبناني إلى فوضى كاملة، تذكّر بالحرب الأهلية عام 1976.

ويقول غانور: “كلّ [السيناريوهات] الثلاثة يمكن أن تصبح حقيقة. ويجب أن تكون إسرائيل مستعدة لجميع الاحتمالات الثلاثة – وأن تعدّ نفسها بأفضل ما في وسعها لكلّ واحد من هذه الاحتمالات”.

وأضاف: إنّ السيناريوهات الثلاثة سيكون لها تأثير كبير ليس فقط على مستقبل لبنان، ولكن على المصالح الإسرائيلية أيضاً، وعلى مصالح المنطقة بأسرها.

فمع تفشّي فيروس الكورونا في المجتمع اللبناني الهشّ حتى قبل مدّة طويلة من الانفجار الأخير الذي دمّر بيروت، فإنه من الأهمية بمكان – كما يقول غانور – منح صانعي القرار في إسرائيل مهلة زمنية كافية، حتى يكون بإمكانهم التفاعل مع المستجدّات بخيارات جاهزة.

أما الأدوار التي لعبها أفراد مجموعة المحاكاة الإسرائيلية فهي على الشكل التالي: 

قام نائب رئيس الموساد السابق نفتالي غرانوت Naftali Granot بمحاكاة دور الولايات المتحدة، فيما حاكى المسؤول الكبير السابق في الموساد، أمنون صفرين Amnon Sofrin، دور سوريا.

حاكى السفير السابق لدى الأمم المتحدة رون بروسور Ron Prosor دور ألمانيا، والسفير الإسرائيلي السابق في مصر إسحاق ليفانون Itzhak Levanon، حاكى دور المجتمع المسيحي اللبناني، وحاكى غانور دور إسرائيل. وغطّت مجموعة من المسؤولين الآخرين أدوار الأطراف السبعة الباقية، بما في ذلك حزب الله، وإيران، وروسيا.

السيناريوهات الثلاثة سيكون لها تأثير كبير ليس فقط على مستقبل لبنان، ولكن على المصالح الإسرائيلية أيضاً، وعلى مصالح المنطقة بأسرها

أحد الموضوعات الجارية في جميع السيناريوهات الثلاثة، هو أنّ حزب الله يجد نفسه في واحدة من أكثر المعضلات المتعاقبة حساسية، والتي كان عليه المناورة داخلها، منذ أن سيطر بحكم الأمر الواقع على لبنان منذ حوالى عقد من الزمان.

كثير من المواطنين اللبنانيين، بما في ذلك داخل المعسكر الشيعي الطبيعي لهذه الجماعة الإرهابية [الحزب]، أقلّ اهتماماً بأيّ صراع مع إسرائيل، أو إرضاء إيران، من اهتمامهم بالبقاء على قيد الحياة في الأزمات الصحية والاقتصادية المتزامنة التي نتجت عن فيروس كورونا.

أقوى اللاعبين المحليين في هذه السيناريوهات، هم حزب الله وإسرائيل وإيران. وكان من المتوقّع أن تنصح الجمهورية الإسلامية حزب الله بإخفاء حجم الضرر الناجم عن فيروس كورونا، تماماً كما فعل آيات الله في بلادهم.

كان هناك أيضاً احتمال أن تحاول إيران تقديم المشورة لحزب الله بتنظيم احتجاجات مضادة لأيّ متظاهرين يتحدّون قبضتها على السلطة، واتهام أطراف سياسية أخرى بالفشل الحالي في إدارة الدولة.

وإلى هذه الأطراف، إذا وقع أيضاً اقتتال لبناني داخلي، أو قتال خارجي بين حزب الله وإسرائيل، فمن المحتمل أن تلعب روسيا دور الوسيط، كما قال غانور.

ومن المحتمل في كلّ سيناريو من هذه السيناريوهات أن تحاول الولايات المتحدة الاستفادة من الوضع لعزل حزب الله وإضعافه ومعه النفوذ الإيراني في لبنان. كان من المتوقّع أيضاً أن يعمل السعوديون في هذا الاتجاه، على الرغم من اختلاف الوسائل عن تلك التي تستعملها الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أنّ فرنسا لا تتمتع بالقدرة نفسها على بسط النفوذ مثل روسيا أو الولايات المتحدة، لكن من المتوقع أن تحاول القيام بدور دبلوماسي لتحقيق الاستقرار في لبنان بسبب علاقاتها التاريخية معه.

في سيناريوهات الحرب، حاكى الخبراء صراعات محدودة وشاملة بين إسرائيل وحزب الله، بما في ذلك الاجتياح المحدود الذي يمكن أن تقوم به المجموعة الإرهابية [الحزب] للحدود الشمالية لإسرائيل، وكذلك الهجمات الصاروخية بصواريخ دقيقة على مواضع البنية التحتية الإسرائيلية المهمة.

وفي هذا المجال، قال غانور: إنّ حزب الله ما زال بإمكانه شنّ هجوم محدود، على الرغم من أنّ إسرائيل حيّدت إلى حدّ كبير قدرته على تنفيذ هجوم مفاجئ باستخدام حرب الأنفاق.

وقال إنه كان من “الرائع” أن نرى كيف أنّ الاستجابات المبكرة للأزمات الجديدة المختلفة غالباً ما تحدّد الخيارات المستقبلية لكثير من اللاعبين، وتقفل الطريق أمامهم.

وفي حين أنّ تغيير المسار من استراتيجية فاشلة أمر ممكن دائماً، فإن هذا يعني أنّ اختيار الاستراتيجية الأوّلية الصحيحة أمر مهم. وقال غانور إنه يأمل أن تساعد ممارسة البوكر المفتوحة صانعي القرار على اتخاذ خيارات استراتيجية أفضل.

وختم غانور قائلاً: “كان من المدهش أنه في حين أنّ عدداً من تنبؤات هذه المحاكاة كانت صحيحة، إلا أنّ نتائج السيناريوهات تجري في الحياة الواقعية “أسرع حتى من المحاكاة”.

 

لقراءة النص الأصلي: اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

الرواية الإسرائيلية لتوقيت تفجير “البيجرز”

هل كان يمكن لتفجير “البيجرز” لو حدث عام 2023 انهاء الحرب في وقت أبكر؟ سؤال طرحته صحيفة “جيروزاليم بوست” التي كشفت أنّه كان يمكن لتفجير البيجرو…

فريدمان لفريق ترامب: ما حدث في سوريا لن يبقى في سوريا

تشكّل سوريا، في رأي الكاتب والمحلّل السياسي الأميركي توماس فريدمان، نموذجاً مصغّراً لمنطقة الشرق الأوسط بأكمله، وحجر الزاوية فيها. وبالتالي ستكون لانهيارها تأثيرات في كلّ…

ألكسندر دوغين: إسقاط الأسد فخّ نصبه بايدن لترامب

يزعم ألكسندر دوغين الباحث السياسي وعالم الفلسفة الروسي، الموصوف بأنّه “عقل بوتين”، أنّ سوريا كانت الحلقة الأضعف في خطّة أوسع نطاقاً لتقويض روسيا، وأنّ “سقوط…

إغناتيوس: قطر تقود جهود تشكيل حكومة انتقاليّة في سوريا

كشف ديفيد إغناتيوس المحلّل السياسي في صحيفة واشنطن بوست أنّ “قطر، التي كانت لفترة طويلة داعمة سرّية لهيئة تحرير الشام، تقود الجهود العربية لإنشاء حكومة…