أيرجع سعد الحريري على حصان أبيض أم على حصان أسود؟ هل يأتي نواف سلام أم شخص آخر بالمواصفات نفسها أو ما يقاربها؟ أيكون لجبران باسيل نصيب من كعكة الحكومة أم لا؟ هل تكون صفقة شاملة كاملة أم نكتفي بسياسة قطعة قطعة؟ أننتظر سقوط دونالد ترامب في الخريف قبل أن نرسم المشهد السياسي ومقتضياته أم نتجمّد كلبنانيين في الثلّاجة خوف الهلاك في انتظار الفرج؟ هل نؤيد طرح الحياد أم ننكره؟ هل نثور وننسف كلّ شيء كي نبدأ على بلاطة نظيفة أم نتابع مسرحية القط والفأر، أضربك وتضربني؟ هل نبني دولة أم نبقى مزرعة سائبة؟ كلّ هذا، والدولة العدوة إسرائيل، تنسج خيوطها في المنطقة لتطبيع كيانها، وتوفير ازدهارها واستقرارها، لخمسين سنة قادمة. تبحث عن الصين كي تطوّر مرفأ حيفا وتوسّعه، مع أنه الأكبر والأحدث في شرق المتوسط، فيما أهدرنا بأيدينا لؤلؤة لبنان، مرفأ بيروت، ولا أفق سياسياً أو اقتصادياً أو إدارياً أو تمويلياً!
إقرأ أيضاً: الآثار الاستراتيجية لانفجار بيروت: تغيير جذري في قواعد الاشتباك
ليست المشكلة في السياسة وفي الفساد فقط، فإسرائيل وخاصة في السنوات الأخيرة غارقة في أزمتها السياسية، إلى درجة إجراء 3 انتخابات نيابية بين عامي 2019 و2020، بسبب التوازن الدقيق بين بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود وخصمه بني غاتس زعيم حزب الأزرق والأبيض، ورفض غاتس الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية مع نتينياهو بسبب الادّعاء على الأخير بانتهاك الثقة، ودفع رشاوى لقضاة، وتلقّي رشاوى في صفقات عامة، وصرف نفوذ كمثل العمل على سنّ قانون يؤذي جريدة منافسة ليديعوت أحرونوت هي إسرائيل هايوم. في دولة العدو، ينظّمون انتخابات نيابية مثل شرب الشاي عندنا، عند بروز أيّ عائق أمام تشكيل حكومة. ومحاسبة الفاسدين لا تقف عند أحد، حتى بوجه رئيس حكومة واقف لا قاعد، مثل نتنياهو!
ما علاقة كلّ هذا بمرفأ بيروت ومستقبله؟ انفجار المرفأ لم يكن في توقيت أسوأ من هذا التوقيت. فمنذ عامين، دخل الصينيون بقوة في الاستثمار في مرفأ حيفا، وهو المرفأ الطبيعي لرسو القطع البحرية للأسطول السادس الأميركي العامل في البحر المتوسط. وهم بصدد بناء مرفأ جديد في حيفا، ومن المتوقع أن يُفتتح العمل فيه العام المقبل. وبالمقابل، أقرّت الحكومة الإسرائيلية مشروع خصخصة المرفأ القديم لحيفا، بعد تردّد داخلي وضغوط أميركية، والسبب الدافع هو أنّ المرفأ الجديد سينافس المرفأ القديم، أي حيفا تنافس حيفا!
لماذا تسارع إسرائيل إلى تطوير مرفأ حيفا بل بناء مرفأ جديد بقدرات تكنولوجية متقدّمة، بحيث يكون مؤتمتاً كمرفأ شنغهاي، بأقل عدد من الموظفين، وأكثر لجوءاً إلى الآلات في التسيير؟
والمصادفة أنّ خبر موقع بلومبرغ المضيّ في خصخصة المرفأ القديم لحيفا، نُشر في 4 آب الحالي، اليوم الأسود لمرفأ بيروت.
لماذا تسارع إسرائيل إلى تطوير مرفأ حيفا بل بناء مرفأ جديد بقدرات تكنولوجية متقدّمة، بحيث يكون مؤتمتاً كمرفأ شنغهاي، بأقل عدد من الموظفين، وأكثر لجوءاً إلى الآلات في التسيير؟ إنه مشروع التطبيع الكبير في المنطقة، وما يسمّى بـ”صفقة القرن”، والتي يسعى إليها ترامب وصهره ومستشاره جارد كوشنير.
وفي هذا السياق، حاول وزير النقل والاستخبارات الصهيوني عام 2018 يسرائيل كاتس، الترويج لسكة حديد تربط بين دول الخليج والساحل الفلسطيني المحتل حيث مرفأ حيفا، عن طريق الأردن، وذلك خلال مشاركته التاريخية في مؤتمر دولي للنقل انعقد في مسقط. وتمتد سكة الحديد بحسب مشروع كاتس 1590 كيلومتراً من حيفا إلى الرياض، ثم إلى الإمارات العربية المتحدة، بطول 970 كيلومتراً.
ليس هذا ما يهمّ حقاً، فمشاريع التطبيع بدأت منذ كمب ديفيد عام 1978، واستؤنفت عقب مؤتمر مدريد عام 1992، والمسارات التفاوضية المتوازية، ثم اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، واتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994. والتطبيع سارٍ بطريقة أو بأخرى، لكن جزئياً. والطموح الصهيوني هو نحو شيء أكبر بكثير.
السؤال الأكثر إزعاجاً وإعجازاً في لبنان، هو كيف نواجه دولة بـ لا دولة؟ وهل نستطيع الصمود؟