الرئيس سعد الحريري حسم موقفه حين أعلن أنّه غير مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة متمنياً على الجميع سحب اسمه من التداول. وبتأكيد مصادر مطلعة فإنّ “الرئيس الفرنسي قام بمسعى لدى الأميركيين والإماراتيين. والجواب الأميركي أتى أقرب إلى الموقف السعودي بخصوص استبعاد عودة الحريري، ما أدّى إلى فرملة الاندفاعة الفرنسية، خصوصاً بعد اتصال ماكرون بالرئيس دونالد ترامب بعد زيارته لبنان”.
إقرأ أيضاً: من يدفع ثمن دخول حزب الله إلى الحكومة؟
والحريري، وفق المصادر، استعان أيضاً بالروس على خطّ الوساطة مع الرياض، فكان الجواب السعودي واضحاً أن “لا عودة لسعد إلى حكومة يشارك فيها حزب الله، لأنّ خلاف ذلك، سيؤدّي إلى فكّ الحصار عن الحزب وإعادة تعويمه. لذلك، الاستمرار بالضغط هو خيار المرحلة”.
اعترض الحريري على بدء التأليف قبل التكليف، بالقول إنّ “المدخل الوحيد هو احترام رئيس الجمهورية للدستور ودعوته فوراً لاستشارات نيابية ملزمة عملا بالمادة 53 والإقلاع نهائيا عن بدعة التأليف قبل التكليف”
أما الجواب الإماراتي، على ما تقول المصادر، فكان حثّ الحريري على التقدّم خطوة إلى الأمام وبدء التفاوض، على أن تعمل الامارات على تليين الموقف السعودي، لكنّ الحريري رفض المجازفة مشترطاً موقفاً سعودياً علنياً داعماً له .”
الوجه الآخر لأزمة سعد الحريري هي رفضه الكامل لارتهان حكومته مجدّداً لتدخّلات وطلبات جبران باسيل.
وقال بيان سحب الحريري اسمه من التداول إنّ “الاهتمام الدولي المتجدد ببلدنا، وعلى رأسه مبادرة الرئيس ماكرون والزيارات التي قام بها عدد من المسؤولين الدوليين والعرب، يمثل فرصة قد تكون أخيرة ولا يمكن تفويتها لإعادة بناء عاصمتنا الحبيبة بيروت، وتحقيق سلسلة إصلاحات يطالب بها اللبنانيون ونحاول تنفيذها منذ سنوات عديدة، ولفك العزلة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، بموارد خارجية تسمح بوقف الانهيار المخيف في مرحلة أولى ثم الانتقال تدريجيا إلى إعادة النمو في مرحلة ثانية”.
وهاجم الحريري قيادة “التيار الوطني الحرّ” من دون أن يسمّيه، قائلاً إنّ “القوى السياسية التي ما تزال في حال من الإنكار الشديد لواقع لبنان واللبنانيين”، ورأى في ذلك “مجرد فرصة جديدة للابتزاز على قاعدة أنّ هدفه الوحيد هو التمسك بمكاسب سلطوية واهية أو حتى تحقيق أحلام شخصية مفترضة في سلطة لاحقة. وهو مع الأسف ابتزاز يتخطى شركاءه السياسيين..”.
كما اعترض الحريري على بدء التأليف قبل التكليف، بالقول إنّ “المدخل الوحيد هو احترام رئيس الجمهورية للدستور ودعوته فوراً لاستشارات نيابية ملزمة عملا بالمادة 53 والإقلاع نهائيا عن بدعة التأليف قبل التكليف”.
في هذه الأثناء، لم يتبلّغ القصر الجمهوري حتى اللحظة من دوائر الاليزيه قراراً بتأجيل أو إلغاء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت المقرّرة في 1 أيلول.
في الساعات المقبلة سيحسم قرار الزيارة وجدول أعمالها، مع العلم أنّه في نهاية الأسبوع الماضي تواصلت السفارة الفرنسية، وفق المعلومات، مع قصر بعبدا كي تبدأ التحضيرات للزيارة ووضع برنامجها الذي سيتضمّن رسمياً محطتين أساسيتين مرتبطتين بمئوية لبنان الكبير: احتفال في قصر الصنوبر، وآخر في قصر بعبدا بحضور الرئيسين اللبناني والفرنسي. واليوم يفترض أن يحصل تواصل مجدّداً ما قد يمهّد لوصول فريق البروتوكول الفرنسي والمفرزة السبّاقة الفرنسية خلال ساعات إلى بيروت.
أما في حال حصول أيّ طارىء، واكتفى ماكرون بإرسال موفد رئاسي، فيستبعد مطلعون مشاركة عون في احتفال قصر الصنوبر.
وحتّى الآن، هناك غموض على مستوى جدول الأعمال “السياسي”، لاسيما وأنّ قريبين من قصر بعبدا يعتبرون أنّ مجئ ماكرون ومغادرته بعد ساعات قليلة فقط لحضور المناسبة سيشكّل رسالة سلبية إلى الداخل اللبناني.
وماكرون، كما يؤكّد المطلعون، كان وَعَد رئيس الجمهورية ميشال عون خلال الاجتماع بينهما على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة في أيلول الفائت، بحضور احتفال مئوية لبنان الكبير شخصياً في الأوّل من أيلول 2020. ثم عاد وأكّد هذا الأمر خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان في معرض مسعاه الإنقاذي بعد تفجير مرفأ بيروت في 4 آب.
ويجزم أحد المتابعين للموقف الفرنسي أنّه “لولا القرار الرئاسي الفرنسي بحضور ماكرون شخصياً مناسبة الاحتفال بمئوية لبنان الكبير، لكان التأجيل أو الإلغاء سيّد الموقف على خلفية أمرين أساسيين: فشل داخلي في التقدّم خطوة إلى الأمام بعد استقالة حكومة دياب، وجمود في الاتصالات الدولية، أحد أبرز نتائجه التشدّد في الموقف السعودي حيال رفض تأمين الغطاء لعودة سعد الحريري رغم المسعى الفرنسي، وعدم وجود مؤشرات لتسوية جدّية في الأفق”.
هذه الحكومة مع فريق عملها ستأخذ ثقة قوى سياسية في مجلس النواب وهذا أمر مسلّم به. لذلك فالتوافق المسبق ضروري. وهذا الأمر لم يحصل حتّى الآن لا مع سعد الحريري ولا مع غيره
ويؤكّد هؤلاء أنّ “مجيء ماكرون، إذا حصل، مع تكليف رئيس حكومة جديد، لن يكون ذات معنى. فالفرنسيون واضحون في موقفهم بضرورة ولادة حكومة بمهام محدّدة. والتكليف من دون التوافق سريعاً على فريق عمل متجانس، يباشر فوراً بالإصلاحات، هو نقطة سوداء في سجلّ أولياء العملية الإصلاحية”.
ووفق المطلعين على المسعى الفرنسي: “لم يكن هناك بنود مكتوبة في ما سميّ المبادرة الفرنسية، بل مجموعة أفكار باتت تقال في العلن والسرّ مع تغيير ملحوظ في التكتيك الفرنسي الذي عاد وسلّم بالانتخابات النيابية المبكرة كخطوة نحو إعادة تكوين السلطة بعد انطلاقة الحكومة الجديدة في ورشة الإصلاحات. وهو أمرٌ لا يزال يلقى رفضاً من القوى السياسية الأساسية”.
وبدأ يظهر إلى العلن تمايز ملحوظ بين موقفي عون وباسيل. فرئيس الجمهورية يكرّر عبارة “أريد رئيس حكومة مع فريق عمل متجانس يلتزم معي بتطبيق الإصلاحات و”تسليمها”، أي بمعنى دخولها حيّز التنفيذ فوراً”. ويعطي عون مثلاً على ذلك من خلال الـ Forensic audit، “فالتوقيع وحده لا ينفع إذا كانت هناك ألغام ضمن العقد تمنع كشف الحقائق. والأمر نفسه ينطبق على كافة العناوين الإصلاحية”.
يقول قريبون من بعبدا أنّ “هذه الحكومة مع فريق عملها ستأخذ ثقة قوى سياسية في مجلس النواب وهذا أمر مسلّم به. لذلك فالتوافق المسبق ضروري. وهذا الأمر لم يحصل حتّى الآن لا مع سعد الحريري ولا مع غيره”. مع تأكيد معنيين أن لا تحديد موعد للاستشارات النيابية حتى اللحظة، وإن فعلها عون “فسيضع الجميع أمام مسؤولياتهم.”!