أردوغان ضحّى بصهره لحماية عهده

مدة القراءة 5 د


استقالة صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بيرات البيرق، من وزارة المالية، تركت المواطنين الأتراك في حيرة من أمرهم على مدى 24 ساعة كاملة. البيرق الذي تقدّم باستقالته من خلال نشر رسالة مكتوبة بـ”لغة تركية ركيكة”، بحسب تقارير إخبارية تركية، على صفحته في “إنستاغرام”، اختفى بعد ذلك مثل البرق.

كتب البيرق على “إنستاغرام” الأحد الفائت، أنّ استقالته كانت “لأسباب صحية”، وإنّه سيتفرّغ من بعدها لعائلته وسيبتعد عن السياسة. لكن يبدو أنّ ما قصده بـ”الأسباب الصحية” لم يكن يخصّ صحته هو، وإنما صحة الاقتصاد التركي، وتحديداً صحة الليرة التركية التي واصلت الارتفاع منذ تولّيه حقيبة المالية قبل سنتين. وسائل الإعلام التركية تحدّثت عن السبب الحقيقي خلف استقالته التي قطعت الطريق على تهديد 40 عضواً من حزب “الحركة القومية” المنضوين تحت “تحالف الشعب” التابع لـ”حزب العدالة والتنمية”، بالاستقالة في حال استمرّ البيرق بمنصبه، وذلك بسبب “سياساته الاقتصادية الفاشلة التي أدّت إلى انهيار الاقتصاد التركي”. صحيفة “سوزجو” التركية ذكرت أنّ البيرق علم بنيّة أردوغان، الإطاحة به، فقرّر الاستقالة طوعاً قبل الإطاحة به.

وكان يظنّ كثيرون في تركيا، ومن بينهم مسؤولون كبار في “حزب العدالة والتنمية”، أنّ أردوغان لطالما كان يحضّر البيرق لزعامة الحزب وربما لخلافته.

وسائل الإعلام التركية تحدّثت عن السبب الحقيقي خلف استقالته التي قطعت الطريق على تهديد 40 عضواً من حزب “الحركة القومية” المنضوين تحت “تحالف الشعب” التابع لـ”حزب العدالة والتنمية”، بالاستقالة في حال استمرّ البيرق بمنصبه

كما أنّ صحافيين أتراك ربطوا بين استقالة البيرق وبين قضية “خلق بنك” التركي المملوك من الحكومة التركية والمتهم بعمليات تبييض أموال لصالح إيران وتهريبها من العقوبات الأميركية. وقال آخرون إنّ أموراً غريبة حدثت في تركيا بعد استقالة البيرق، مثل حذف منشورات عن حساب “تويتر” الرسمي لوزارة الخزانة والمالية التركية.

لكنّ أكثر الأمور إثارة للجدل والتساؤلات، كان كلام أردوغان المبطّن الذي نقلته وسائل إعلام تركية قبل استقالة الصهر: “من ينفصل عن الأمة ويبني جدراناً بينه وبين الشعب، ولا يستطيع أحد الوصول إليه، خصوصاً إذا أصيب بالغطرسة، فهذا يعني أنّه لم يبق له مكان في هذا الحزب”. ويُظهر هذا الكلام حجم الخلاف الحاصل ضمن بيت أردوغان الداخلي، كما يبرّر الطريقة التي تقدّم فيها البيرق باستقالته بواسطة منشور على مواقع التواصل الاجتماعي.

زعيم المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو، كشف أنّ أردوغان ضحّى بصهره ليهرب من تحمّل مسؤولية انهيار الاقتصاد التركي. وقال كليتشدار أوغلو موجّهاً كلامه لأردوغان: “قلتُ لك من قبل لا يمكنك إنقاذ الملك من خلال التضحية بالحصان”، معتبراً أنّ أردوغان نفسه هو الشخص المسؤول عن تدهور الاقتصاد التركي لأنه “هو من يقرّر كلّ شيء”.

ولم تُذِع خبر استقالة البيرق سوى خمس قنوات من بين 1780 قناة في مجمل الإعلام التركي الذي تسيطر جماعة أردوغان على نحو 80% منه. كما انتظرت وسائل الإعلام الرسمية، خصوصاً “وكالة الأناضول”، نحو 24 ساعة حتى نشرت الخبر بعد قبول أردوغان استقالة صهره في وقت متأخر من يوم الاثنين الفائت.

وطريقة رحيل البيرق، والأسلوب الذي تعاملت تركيا الرسمية معها، مؤشّران إلى التحوّل التركي في حكم أردوغان، من الديمقراطية البرلمانية والإعلام المستقلّ، إلى دولة “الرجل الواحد”.

لم تُذِع خبر استقالة البيرق سوى خمس قنوات من بين 1780 قناة في مجمل الإعلام التركي الذي تسيطر جماعة أردوغان على نحو 80% منه

جاءت أنباء استقالة البيراق، بعد يوم من صدور مرسوم رئاسي قضى بإقالة حاكم المصرف المركزي التركي. وخلال فترة تولّي البيرق وزارة المالية، شهدت تركيا سنتين مضطربتين اقتصادياً، وركوداً عميقاً، أُضيف إليهما أزمة كورونا، وتراجع الليرة التركية بنسبة 45?، وكذلك نسبة تضخّم بلغت نحو 33% وارتفاع في معدّلات البطالة.

إقرأ أيضاً: زمن سقوط الأصهرة…

ويرجّح محلّلون أتراك أن يواجه الاقتصاد التركي مستقبلاً المزيد من الضغوط، خصوصاً مع فوز الديموقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة على دونالد ترامب الذي تربطه بأردوغان علاقة مثيرة للجدل، أدّت إلى غضّ الطرف على ممارسات كثيرة قام بها أردوغان وكانت كفيلة، في العادة، باستفزاز واشنطن، منها قضية “خلق بنك” التي أقفلها ترامب من الجهة الأميركية في جلسة مع أردوغان، والتفلّت التركي شمال سوريا واندفاعه العسكري في البحر المتوسط وفي ليبيا، وأخيراً تدخّله في النزاع المسلح بين أرمينيا وأذربيجان في إقليم ناغورني كاراباخ.

لا يُستبعد أن تعود واشنطن إلى سياسة فرض العقوبات على أنقرة بسبب شرائها منظومة صواريخ دفاعية روسية “إس-400″، التي تثير قلق حلف شمال الأطلسي. كما يُرجّح أن تكون إدارة بايدن الجديدة أكثر انخراطاً وميلاً للضغط داخل “الناتو”، بالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي (على عكس ترامب)، وذلك من أجل إنهاء ملفات تخصّ أعضاء الحلف، على غرار الأزمة التركية مع اليونان. ولعلّ هذه الأسباب كلها تفسّر تردّد أردوغان في الاعتراف بفوز بايدن، فانتظر إلى يوم الثلاثاء الفائت حتّى يخرج من نادي الرؤساء الخمسة الممتنعين عن الاعتراف بالنتيجة حتى اللحظة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…