بعيدًا عن كلام الغزل المتبادل و”المحاور ذات العضلات المفتولة”، إلا أنّ العلاقة بين الكرملين وطهران لا تمرّ بأفضل أيّامها، وإن جمعتهما مصيبة “العقوبات الأميركية” و”أفغانستان”، إلّا أنّ شمال وشرق سوريا وزيارة لافروف إلى دمشق يلعبون دور “الضّرة” في زواج المتعة القائم بين روسيا وإيران.
إقرأ أيضاً: ترامب لطهران: ممنوع لعب دور الناخب الأكبر…
يوم الخميس الماضي، حطّ وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف رحاله في روسيا ليلتقي نظيره سيرغي لافروف لـ”بحث ملفّات ذات اهتمام مُشترك”، حيث علّق كثير من اللبنانيين الآمال على خرق يمكن أن تُحدثه زيارة الوزير دائم الابتسامة لوزير التركة الشيوعية في روسيا، إلّا أنّ مصادر خاصّة بـ “أساس” أكّدت أنّ الطرفين عرجا على الملف اللبناني وكأنّه آخر تفصيل يمكن أن يتحدّثا به. فالبحث بحسب المصادر تركّز بالدّرجة الأولى على العقوبات الأميركية المتعلّقة بالملف النووي الإيراني والتي أنهكت الطرفين و”سُبل مواجهتها” خاصّة أنّ الولايات المتحدة ستبدأ بفرض عقوبات على أيّ دولة أو شركة تنتهك قرارها بحظر السّلاح لإيران، والملف السّوري الذي يجمع الرأسين ويُفرّقهما، كما تطرّقا للملف الأفغاني الذي يشهد تطوّرًا كبيرًا في عملية السّلام بين واشنطن وحركة طالبان، وهذا ما لا يروق للإيرانيين ولا “حلفائهم الأعداء” الرّوس.
وقالت مصادر دبلوماسية دولية لـ”أساس” إنّ الطرفين ركّزا البحث على ما يعتبرانه المصالح المهمّة، ما يعني أنّ لبنان ليس سوى تفصيل صغير يُمكن بحثه في وقت لاحق. وأضافت المصادر أنّ جواد ظريف أعرب أمام لافروف عن مخاوف إيران من تحرّكات سياسية روسية أحادية الجانب في الملف السّوري، خصوصًا في ملف الشمال (إدلب ونواحيها) مع الأتراك وشرق الفرات مع الأميركيين من جهة، ومسار جنيف من جهة أخرى، وتأتي هذه المخاوف الإيرانية بعد معلومات سُرّبت من لقاء سيرغي لافروف برئيس النظام السّوري بشّار الأسد، أفادت أنّ وزير الخارجية الرّوسي شدّد أمام الأسد على ضرورة إنهاء الوجود الإيراني في سوريا لدفع العملية السياسية قُدمًا.
قالت مصادر دبلوماسية دولية لـ”أساس” إنّ الطرفين ركّزا البحث على ما يعتبرانه المصالح المهمّة، ما يعني أنّ لبنان ليس سوى تفصيل صغير يُمكن بحثه في وقت لاحق
وعن الموقف الإيراني، أكّدت المصادر نفسها أنّ طهران مستمرّة بالتشدّد في سوريا والعراق واليمن وحتّى في أفغانستان، إذ إنّها لا تريد توقيع اتفاق نووي جديد بعد الانتخابات الأميركية دون أوراق ضغط يَعرف الإيرانيون كيف يستعملونها في ربع الساعة الأخير من رحلة التجاذب و”النكوزة” مع الولايات المتحدة.
المصادر أكّدت أنّه وإن فرّقت سوريا الروس والإيرانيين، إلا أن ظريف ولافروف اتفقا على “التوجّس” من مفاوضات السّلام في أفغانستان، حيث إنّ البلدين يخسران ورقة ضغط مهمّة أمام الأميركيين ألا وهي حركة طالبان. إذ إنّ إرساء السّلام في كابول يُفقد الرّوس والإيرانيين هامشًا مهمّا للضغط على واشنطن عبر تحريك مجموعات من طالبان لشنّ عمليات ضد القوات الأميركية أو زعزعة استقرار الحكومة التي تدعمها واشنطن هناك.
بحث الملف اللبناني مع الرّوس لا يندرج ضمن أولويات إيران الآن، ما يعني أنّ إيران مستمرّة بالتمسّك بالورقة اللبنانية، وتقديم ملفات “أكثر أهمية بالنسبة إلى مصالحها
وزير الخارجية الإيراني، ولدى سؤاله إن كانت فرنسا طلبت منه التحدّث مع المعنيين في موسكو بشأن لبنان “نفى ذلك بشدّة، وقال إنّ هذا لم يحدث في المرحلة الحالية”، ما يعني أنّ ظريف ترك هذا الباب مُشرعًا للمراحل المقبلة، مضيفًا: “بحث الملف اللبناني مع الرّوس لا يندرج ضمن أولويات إيران الآن”، ما يعني أنّ إيران مستمرّة بالتمسّك بالورقة اللبنانية، وتقديم ملفات “أكثر أهمية بالنسبة إلى مصالحها”، وذلك كونها باتت تعتبر لبنان “تحصيل حاصل” كحصّة لها، وأنّه تبحث عن تثبيت “حصص” في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان.
أمّا بالنسبة للرّوس، فبحسب معلومات خاصّة لـ”أساس”، ّهم تحرّكوا في الملف اللبناني بعد تكليف مصطفى أديب تشكيل الحكومة، إلا أنّ تعنّت “الثنائي الشيعي” دفع بعض القوى السياسية من حلفائهما وغير حلفائهما إلى التواصل مع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لحثّ بلاده على التوسّط لدى إيران للضغط على حزب الله لتسهيل ولادة الحكومة، إلا أنّ إيران لم تستجب لهذه المساعي وفضّلت البحث بالملف السّوري مع الرّوس عوضًا عن اللبناني، في محاولة منها للالتفاف على ما تعتبره طهران تحرّكات روسية أحادية الجانب تجاه الأميركيين في سوريا، عدا عن اعتبارها الملف اللبناني مجرّد تفصيل صغير يُمكن بحثه باتصال هاتفي وليس بلقاء رسمي بين وزيري خارجية!
[VIDEO]