أهلاً بكم في جهنم!
هذا هو لسان حال اللبنانيين مع إعلان مصطفى أديب اعتذاره عن تأليف الحكومة. فعلها الرجل وقرّر إنقاذ نفسه. الأرجح أنّ هذه الخطوة قد تكون الإنجاز الوحيد الذي سيذكره التاريخ حين سيأتي على سيرة رئيس حكومة مكلّف لم يسمع صوته إلا ما ندر، وهو يتلو صلوات الدعاء!
سيعود أديب إلى برلين فيما ستغرق القوى السياسية في نقاشاتها عن السيناريو المستقبلي، القاتم في كلّ الأحوال والاحتمالات. سارع رئيس الجمهورية ميشال عون فور قبوله الاعتذار، إلى التأكيد أنّ المبادرة الفرنسية لا تزال مستمرة، ولو أنّ الوقائع تثبت أنّ ضفتي الخلاف، وتحديداً الثنائي الشيعي ونادي رؤساء الحكومات السابقين، أفشلا تلك المبادرة وأبرحاها ضرباً، كلٌّ لاعتباراته. هذا فضلاً عن التوتر الاقليمي الأميركي – الإيراني الذي لم يوفّرها من نيرانه، كما قال على نحو واضح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
إقرأ أيضاً: الكلمة الأخيرة في هذا الشرق للسعودية
عملياً، بيّنت التطوّرات والمواقف الأميركية والايرانية أنّ فرصة المبادرة ضعيفة جدًا، فيما حاول نادي رؤساء الحكومات السابقين استخدام هذا المسعى للانقضاض على مكتسبات قوى الثامن من آذار الحكومية من خلال فرض تشكيلة تخرج هذا الفريق من السلطة التنفيذية تحت عنوان تسمية فريق عمل من الاختصاصيين، ما استدعى ردة فعل متشدّدة من الثنائي الشيعي وتحديداً “حزب الله” الذي اعتبر أنّ أديب يتجه إلى تنفيذ انقلاب حكومي، دفعه إلى رفع سقوف شروطه، ما أدّى بالنتيجة إلى تصلّب الفريقين وتطيير الفرصة واعتذار أديب.
رئيس تيار المستقبل أبلغ كلّ من يعينهم الأمر خلال الأيام الأخيرة أنه غير مستعد للعودة راهناً الى السراي الحكومي. كما أنّ طرح تسميته يعني فتح شهية القوى السياسية على تأليف حكومة فيها بصمة سياسية، وهذا طرح مرفوض دولياً
ومع ذلك، يقول المعنيّون إنّ المسعى الفرنسي كان من الممكن أن يتوّج بحكومة تعبر الأشهر المقبلة بانتظار انتهاء الانتخابات الأميركية، وسبر أغوار المفاوضات الأميركية الإيرانية، لو تعاطت القوى اللبنانية بشيء من الليونة والتسهيل مع المبادرة.
حتى الآن، تبدو الصورة ضبايبة. لا نية لدى حسان دياب في تعويم حكومته المستقيلة ولا يريد تحمّل تبعات الانفجار الاجتماعي والأمني المرتقب حصوله فيما لو تدهور الوضع بشكل دراماتيكي. ولكنه قد يدفع الى هذا المطرح دفعاً. وها هو الدولار يقفز بدقائق قليلة إلى حافة الثمانية آلاف ليرة، فكيف بعد أسبوع أو شهر من الشغور الحكومي؟
وعليه يصير السؤال: هل يكون سعد الحريري هو الرئيس المكلّف؟ هل المقصود من رزمة المناورات التي شهدتها الأيام الماضية، هو إعادة رئيس تيار المستقبل على حصان الإنقاذ؟
يتبيّن أنّ الحريري أصلاً مأزوم. مأزوم بعلاقته مع المملكة السعودية ولو أنّه حاول في مناورته الأخيرة عبر التشدّد في مواقفه، استمالة المملكة من جديد. مأزوم في علاقته مع باريس التي أبدت رئاستها وفق المعلومات انزعاجاً من سلوكه
منطقياً، لا شيء يوحي أنّ الحريري هو رجل المرحلة، وهي ذات سمة انتقالية، ولا تحمل معها رياح التسويات الكبرى. جلّ ما كان مطلوباً من مصطفى أديب هو تقطيع الوقت بأقلّ الأضرار الممكنة. وهذا كان ما يقوله الحريري للمقرّبين منه خلال الفترة الماضية، مؤكداً بأنّ حكومة أديب مؤقتة تنتهي ساعتها بانتهاء المهمة الموكلة اليها. ومن بعدها قد تكون العودة الآمنة للحريري الى السراي.
وبالتفصيل، يتبيّن أنّ الحريري أصلاً مأزوم. مأزوم بعلاقته مع المملكة السعودية ولو أنّه حاول في مناورته الأخيرة عبر التشدّد في مواقفه، استمالة المملكة من جديد. مأزوم في علاقته مع باريس التي أبدت رئاستها وفق المعلومات انزعاجاً من سلوكه حيث اضطر الرئيس الفرنسي إلى التدخل معه مباشرة لتليين موقفه إزاء حقيبة المال، فسطّر بيانه الذي لاقى استهجاناً وانتقادات أكثر من الإشادات، مأزوم بعلاقته مع مصر لتفرّده ببيان الموافقة على تسمية شيعي لوزارة المالية. مأزوم في علاقته مع الفريق المسيحي، سواء مع رئيس حزب القوات سمير جعجع أو رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل أو حتى رئيس الجمهورية ميشال عون ولو أنّ الأخير سبق له أن أبلغ الفرنسيين بأنه لا يمانع عودة الحريري إلى السراي إذا كان ثمّة توافق دولي على هذه العودة. وها هو يصير مأزوماً مع الثنائي الشيعي الذي سبق له أن وضع أمامه لبن العصفور وإذ به ينقلب عليه في ليلة لا ضوء قمر فيها.
بنتيجة هذه الجولة، خسر الحريري الثنائي الشيعي ولم يربح السعودية!
رئيس تيار المستقبل أبلغ كلّ من يعينهم الأمر خلال الأيام الأخيرة أنه غير مستعد للعودة راهناً الى السراي الحكومي. كما أنّ طرح تسميته يعني فتح شهية القوى السياسية على تأليف حكومة فيها بصمة سياسية، وهذا طرح مرفوض دولياً. فكيف سيُملأ الفراغ الحكومي؟
الجواب ببساطة.. تصريف أعمال طويل..