بعد أن أعلنت نائبة رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع الوطني وعضو مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي غوليه، عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك، نيتها تقديم رسالة برلمانية تطالب فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتصنيف حزب الله، بشقيه العسكري والسياسي، منظمة إرهابية، كان لـ”أساس” حوار حصري معها. هي القيادية في حزب “الاتحاد الديمقراطي المستقل” (وسط) التي كانت أشرفت على إنجاز تقريرين لمجلس الشيوخ، الأول عن “تنظيم ووسائل مكافحة الشبكات الإرهابية في فرنسا وفي أوروبا”، والثاني عن “تنظيم ومكانة وتمويل الإسلام في فرنسا”.
غوليه قالت لـ “أساس” إنّ الرسالة التي تعمل عليها لحظر حزب الله وتصنيفه بجناحيه كمنظمة إرهابية تندرج ضمن إطار عمل متكامل لمكافحة “الإرهاب”، مؤكّدة أنّها تعتقد أن لا وجود لما يُسمّى الجناح السياسي أو الجناح العسكري للحزب، بل هناك تنظيم واحد يُسمّى حزب الله. وقالت غوليه إنّ المبادرة الفرنسية التي ناقشها الرئيس ماكرون في لبنان، ونالت موافقة جميع الأطراف بمن فيهم الحزب، ينبغي أن تأخذ حزب الله إلى مكانٍ آخر غير الذي يوجد فيه اليوم، إلا أنّه حتى السّاعة لا يتصرّف انطلاقاً من أنّه منظمة إرهابية. وتؤكد في الوقت عينه أنّه ينبغي معاملة الحزب على مبدأ المثل العربي الذي يقول “إلحق الكذاب لورا الباب”، حيث إنّ “الباب” هذا موجود في طهران وليس في بيروت.
إقرأ أيضاً: باكورة الشّروط الأميركية لمساعدة لبنان: منع تجريم المثلية الجنسية
وقالت السيناتور غوليه لـ”أساس” إنّ تحرّكها تجاه نشاط حزب الله لا يستهدف الشّيعة ولا حتى أيّ طائفة لبنانية، كما أنّها لا تتدخّل بالشؤون اللبنانية. لكن في الوقت عينه ينبغي أن لا نُغفِل الخطر الذي يُشكّله تلقّي الحزب تعليماته من خارج لبنان وتحديدًا من إيران، كما أنّه ينبغي على اللبنانيين أن يعمدوا إلى مراجعة النظام السياسي القائم والتوجّه نحو الدّولة المدنية بعيدًا عن التقسيمات الطائفية والمذهبية وفصلها عن السياسة إذا أرادوا الذهاب بالبلاد نحو أوضاع أفضل، باعتبار أنّ الديموغرافيا في لبنان تغيّرت كثيرًا في الأعوام الأخيرة التي شهدت انخفاضًا بعدد المسيحيين وارتفاعًا بعدد المسلمين وتحديدًا الشيعة، وينبغي إعادة “برمجة النظام” اعتمادًا على العددية حيث تنال كلّ طائفة بقدر حجمها مع الأخذ بعين الاعتبار لمدنية الدولة.
تأمل غوليه أن تدعم الحكومة الفرنسية الخطوة الألمانية الرامية لتصنيف الحزب منظمة إرهابية على لوائح الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنّه إذا نجحت ألمانيا في مسعاها، تُصبح فرنسا مُلزَمة بتطبيق القانون الأوروبي
وعن تحالف بعض القوى المسيحية اللبنانية مع حزب الله ومنحه “غطاءً” لسلاحه، قالت غوليه إنّ التحالف حقّهم السياسي، ولا أحد يمكنه أن يلومهم على ذلك، لكن عليهم أن يسألوا في نهاية المطاف: “هل حزب الله هو حزب لبناني؟ وهل سلاحه هو حقًا للدفاع عن لبنان أم أنّه سلاح ياتمر من خارج الحدود؟”. وبحسب ما نرى من دور حزب الله في الشّرق الأوسط، فهو وكيل لإيران وأداة لها، تنفّذ سياسة النظام الإيراني بالاشتراك مع “حركة حماس” وبعض الميليشيات الشيعية الأخرى الموجودة في العراق وسوريا. وهم بالحقيقة، لم يقوموا بأيّ دور إيجابي إطلاقًا لمساعدة شعوب المنطقة كما يدّعون. ويدخل في إطار ذلك ما شاهدناه من تخزين لكميّات كبيرة من “نيترات الأمونيوم” في مناطق ودول عدّة. وهنا نسأل عن انتشار تخزين هذه الكميات من “النيترات” في الشّرق الأوسط والهدف من ورائها. وفي هذا الإطار، نسنتنج كم هو “مُصطَنع” استعمال مُصطلح “الجناحين السياسي والعسكري لحزب الله”، حيث إنّ “الجناح السياسي” يستثمر ما يفعله نظيره العسكري، والعكس صحيح. وفي النهاية، هما وجهان لعملة واحدة.
وقالت عضو مجلس الشّيوخ الفرنسي إنّه ينبغي اتخاذ موقف واضح من المعلومات الاستخباراتية التي تحدّثت عن تخزين حزب الله “نيترات الأمونيوم” في أكثر من دولة أوروبية ومن ضمنها فرنسا التي ورد في التقارير أنّ الحزب استعمل أراضيها لتمرير هذه المواد الخطرة. وأضافت أنّ الحزب ليس مشكلة بالنسبة للسياسة الداخلية لفرنسا، بل هو مشكلة للبنان والشّرق الأوسط والمجتمع الدولي، حيث إنّ فرنسا تضمّ جالية شيعية صغيرة نسبيًا، وذلك لم يمنع ألمانيا وبريطانيا وليتوانيا ودولاً أوروبية أخرى من حظره وتصنيفه كمنظمة إرهابية. وهذا يعود لانعدام الثقة تجاه الحزب الذي لا يُعطي أيّ مؤشّر على عدم ضلوعه بالأنشطة المزعزعة للاستقرار أو كونه أداة لإيران ضالعة بأعمال عنف خطيرة، وما زلنا “نلاحق الكذّاب لورا الباب”!
وعن نيّة ألمانيا التي ترأس الاتحاد الأوروبي حاليًا حظر حزب الله في دول الاتحاد، تأمل غوليه أن تدعم الحكومة الفرنسية الخطوة الألمانية الرامية لتصنيف الحزب منظمة إرهابية على لوائح الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنّه إذا نجحت ألمانيا في مسعاها، تُصبح فرنسا مُلزَمة بتطبيق القانون الأوروبي. وهذا لن يكون سهلًا على فرنسا التي تتعاطى مع مختلف القوى السياسية اللبنانية، وقد طرح رئيسها مؤخرًا المبادرة الرامية لحلّ الأزمة، ولها وجودها التاريخي في لبنان. وهنا تقف فرنسا أمام معادلة صعبة وهي: “إذا دعمت ألمانيا بمسعاها تكون أمام قطع للعلاقات مع شريحة واسعة من اللبنانيين، وقد تفقد دورها كوسيط في لبنان” حيث إنّ خطوة الرئيس ماكرون كانت صعبة جدًا وهنا تبرز صعوبتها. وفرنسا تدفع ثمن عدم اتخاذها موقفاً واضحاً تجاه حزب الله، حيث لا نربح شيئًا في لبنان، ونخسر الدعم في أوروبا.
أكّدت السيناتور الفرنسية أنّ حملتها على الإخوان وحزب الله ترتبط بمحاربة الإرهاب، ولا علاقة لها بالتمييز ضد الإسلام، بل العكس
غوليه تعتبر تنظيم “الإخوان المسلمين” مشكلة داخلية لفرنسا، على عكس حزب الله، وتدعو السلطات الفرنسية إلى حظر “الإخوان” بقوّة وسرعة. وبرأيها أنّ “الإخوان” يُشكّلون خطرًا على فرنسا أكبر مما يمثّله حزب الله: “تركيا وقطر تدعمان الإخوان وتموّلانهم وتقدمان كلّ وسائل الدّعم بقوّة في كلّ مناطق وجودهم”. وسألت: “هل نريد أن نحمي فرنسا؟”، وتجيب: “علينا أن نحمي فرنسا وأوروبا من خطر الإخوان”. وكشفت أنّه في العام الماضي كان هناك أشخاص يرتبطون بالإخوان في فرنسا يعملون على جمع الأموال والتبرّعات لمدرسة في موريتانيا. وفي الوقت عينه كانت السّلطات الموريتانية تُقفل المدرسة بسبب ارتباطها بمجموعات إرهابية. وأضافت: “في الوقت الذي كنّا نسمح لهم بجمع التبرّعات في فرنسا، كان جيشنا يشنّ حربًا عليهم في غرب افريقيا!”. وهذا الأمر خطير جدًا على بلادنا.
هي ترى أنّ موضوع حزب الله أسهل من ذلك المتعلّق بالإخوان، حيث إنّ الحزب معروف أنّه مجموعة شيعية مرتبطة بإيران وانتهى الأمر. أمّا الإخوان، فهو تنظيم بأجندة خاصّة، ويلقون كلّ أشكال الدّعم من تركيا وقطر، وأجندتهم تطال بلاداً عديدة، من بينها مصر وتونس واليمن ومناطق أخرى ومن ضمنها أوروبا، ويعملون على جمع المال من أينما استطاعوا، ويتفشّون في الدّول كما السّرطان، وحظرهم وتصنيفهم منظمة إرهابية من بعض الدّول كالسعودية والإمارت ومصر وبريطانيا ليس مصادفة، بل بسبب خطورة الأجندة التي يحملونها، وتلقى للأسف دعمًا من تركيا وقطر.
وأكّدت السيناتور الفرنسية أنّ حملتها على الإخوان وحزب الله ترتبط بمحاربة الإرهاب، ولا علاقة لها بالتمييز ضد الإسلام، بل العكس. فعدد المسلمين في أنحاء العالم يتخطّى المليار و400 مليون نسمة، والتنظيمان لا يشكّلان شيئًا من الوجود الإسلامي في العالم أجمع، والخطوة هذه موجّهة في الأساس لحماية فرنسا من خطر الإخوان والحزب، كما تهدف لحماية المسلمين عبر تحييد “moutons noirs” من المجتمع المسلم في العالم.