التهريب.. ورفع دعم البنزين: “التنكة” 173 ألف؟

مدة القراءة 6 د


منذ أكثر من شهر، ألزمت “المديرية العامة للنفط” الشركات الراغبة بالاستحصال على حصة من المازوت أو البنزين من منشأتَي طرابلس والزهراني، أن تتقدّم بطلب للحصول على رخصة استناداً إلى معايير محدّدة. نُشر القرار الموجّه إلى الشركات الموزّعة على الموقع الرسمي للمنشآت، ومعه كتاب يبيّن بشكل واضح الشروط الواجبة للحصول على الحصة المطلوبة أسبوعياً بالليتر، مع مستندات تثبت امتلاك الشركة لصهريج على الأقل، مع امتلاك أو استثمار محطة محروقات، وكفالة مصرفية بقيمة سحوبات الحصص تغطّي أسبوعين على الأقل، مع إفادات من الزبائن لتبرير الحصة اليومية. وتهدف هذه الشروط إلى مراقبة عمليات التوزيع.

إقرأ أيضاً: رفع الدعم التدريجي: وقائع فقر مرعبة خلال 6 أشهر

كان يفترض لهذه الآلية أن تحدّ من التفلّت الذي تسبّبت به السوق السوداء والتهريب عبر المعابر غير الشرعية، وإبعاد تجار البونات والوسطاء والسماسرة عن أبواب مُنشأتَي طرابلس والزهراني ومنعهم من اللعب في حصص المنشآت، ومنعهم من بيع البنزين والمازوت لأصحاب صهاريج عبر مبالغ مضاعفة من دون أن تكون لديهم أيّ ضمانات مالية وأيّ وجود في السجلات التجارية الرسمية. إلا أنّ النتائج جاءت عكسية، وهو ما يُثبت احتمالاً من اثنين لا ثالث لهما: فإما أنّ عمليات التهريب مجرّد حكايات وهميه (وهذا السيناريو مستبعد)، أو أنّ هناك تواطؤاً بين الأجهزة الأمنية المعنيّة التي تتستّر على “مهرّبين” يتلاعبون بالأمن الطاقوي. إذ لم يتمّ حتى يومنا هذا توقيف ولو مهرّب واحد فقط. لتبقى مادّتا البنزين والمازوت من السلع التي يجري الاتجار بها على حساب المواطنين ومن جيوبهم. وسيجد اللبنانيون أنفسهم مضطرين قريباً جداً إلى تغيير مفهوم آلية تعبئة الوقود من “تنكة بنزين” إلى “ليترات البنزين” كما هي الحال في دول الشحّ والعَوَز.

بات معروفاً أنّ مصرف لبنان لم يعد قادراً على تأمين الاعتمادات اللازمة بالدولار الأميركي لشراء المحروقات للسوق المحلية والفيول لكهرباء لبنان. فاحتياطي البنك المركزي المخصّص لشراء المحروقات لا يتعدّى 300 مليون دولار، وهو يكاد لا يكفي لتغطية الأشهر الثلاثة المقبلة

تهريب البنزين إلى سوريا، بعدما استنزف تهريب المازوت تبقّى من احتياطات البنك المركزي، مردّه عطل طرأ على مصفاة بانياس، فأدّى إلى معاناة السوق السورية من شحّ المحروقات. وفاقم الأمر سوءاً عقوبات أميركا بقانون “قيصر”، فلم يكن من مخرج الا التهريب من لبنان بأسعار خيالية تجاوزت الـ55 الف لصفيحة البنزين الواحدة.

وقد بات معروفاً أنّ مصرف لبنان لم يعد قادراً على تأمين الاعتمادات اللازمة بالدولار الأميركي لشراء المحروقات للسوق المحلية والفيول لكهرباء لبنان. فاحتياطي البنك المركزي المخصّص لشراء المحروقات لا يتعدّى 300 مليون دولار، وهو يكاد لا يكفي لتغطية الأشهر الثلاثة المقبلة كحدّ أقصى، وفقاً لعدد الشحنات ووتيرة الاستيراد التي يقوم بدعمها. أمام هذا الواقع الجديد، أصدرت وزارة الطاقة والمياه جدول تركيب أسعار مبيع المحروقات السائلة (بنزين 98 و95 أوكتان، والديزل أويل). يُفنّد الجدول ثمن البضاعة والرسوم، والعمولة الإضافية الموقتة، وسعر مبيع الكيلوليتر لكلّ من الموزّع وللمحطات بالإضافة إلى حصة شركة التوزيع وعمولة صاحب المحطة، وأجرة النقل وصولاً إلى سعر مبيع العشرين ليتر للمستهلك في المحطة.

وبحسب الجدول، بلغ سعر الأوكتان 95: 24.500 ل.ل والأوكتان 98: 25.400 ل.ل. أما ديزل أويل (للمركبات الآلية) فـ: 14.800 ل.ل.

قبل ذلك، أصدرت المديريّة العامة للنفط تقريراً مفصّلاً أظهر كمية المحروقات المستوردة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2020 الجاري مقارنة بالفترة عينها من العام 2019. وبحسب الأرقام، فإنّ لبنان قد استورد نسبة تزيد عن 13.7% من مادّة المازوت أي بمجموع يقارب 347 مليون ليتر.

ليس كلّ ذلك بالجديد، بما أنّ الوزارة اعتادت أن تصدر جدول أسعار بوتيرة شبه أسبوعية. الجديد هذه المرة كان أنّ الجدول لَحْظ بطريقة غير مباشرة مسألة تأمين الدولار في خانة جديدة (10% غير مدعومة من مصرف لبنان)، بعدما أثار مصرف لبنان قضية رفع الدعم تدريجياً عن المحروقات. فخلال الأشهر الماضية، اعتُمدت آلية تقضي بأن يؤمّن التجّار والموزّعون 10% من ثمن المحروقات بالدولار الأميركي على أساس أن يُسدّد بقية المبلغ، أي 90%، بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي 1515.

يتطلّب هذا الواقع الجديد، بحسب مصدر متابع، رفع الطلب على الدولار إلى مستوى الشركات المستوردة للنفط، وذلك لوضع حدّ للمضاربات في السوق السوداء

هدف الآلية كان تأمين Fresh Dollar  لمصرف لبنان الذي يتكبّد عناء دعم سلع مُهرّبة إلى سوريا. لكن ما حصل في الواقع، هو استمرار البنك المركزي بقبول شيكات مصرفية، الأمر الذي أتاح الفرصة أمام “التجار” مراكمة أرباح كبيرة بدلاً من استخدام هامش الفرق في الأسعار لتغذية مصرف لبنان بالعملة الخضراء، وذلك جرّاء شراء شيكات من السوق السوداء بالليرة اللبنانية لثبات قيمتها الرقمية واستخدامها لتسديد ثمن البضاعة، ومن ثمّ إعادة بيعها أو تهريبها.

يرمي الجدول الأخير كرة تأمين الدولار النقدي إلى ملعب الشركات المستوردة للمشتقات النفطية التي سيتوجّب عليها من الآن وصاعداً تأمين الدولارات القابلة للتحويل الخارجي. لذلك، رُفعت نسبة العمولة الإضافية للشركات المستوردة تحت اسم “عمولة إضافية موقتة”، بنسبة 10? وهي غير مدعومة من مصرف لبنان لكلّ كيلو ليتر كالتالي:

–       210 آلاف ليرة للبنزين 98 أوكتان.

–       195 الف ليرة للبنزين 95 أوكتان.

–       180 ألف ليرة للديزل أويل.

 

أما في ما خصّ رفع الدعم، وبعملية حسابية بسيطة يتبيّن أّهن:

– إذا رُفع الدعم عن المحروقات إلى حدود 50?، فسيلامس سعر صفيحة البنزين 42500 ل.ل والمازوت 30000 ل.ل. ويساهم هذا الإجراء في القضاء على التهريب إلى سوريا، وتمكين البنك المركزي من تحسين قدراته على فتح اعتمادات للشركات المستوردة.

– وإذا قرّر مصرف لبنان خفض دعم المحروقات من 90 % إلى 75 %، فسيرتفع سعر صفيحة البنزين نحو 7000 ليرة، والمازوت 5500 ليرة، وذلك بمعدّل وسطي للدولار على أساس 8000 ليرة.

– أما إذا رُفع الدعم 100% فسيبلغ سعر صفيحة البنزين 68 ألف ل.ل والمازوت 50 ألف ل.ل.

لكن وفي حال صَحّت التوقعات وتخطّى سعر الدولار عتبة الـ 20 الف ليرة، وهي احتمالية متوقعة بسبب السياسات المتبعة، عندها سيقفز سعر صفيحة البنزين إلى 173 ألف ليرة، والمازوت إلى 121 الف ليرة، بما أنّ إلغاء الدعم يعني ارتفاع الطلب على الدولار بشكل هستيري.

يتطلّب هذا الواقع الجديد، بحسب مصدر متابع، “رفع الطلب على الدولار إلى مستوى الشركات المستوردة للنفط، وذلك لوضع حدّ للمضاربات في السوق السوداء. ويشدّد المصدر على ضرورة اعتماد مصرف لبنان سعر صرف للدولار النفطي أسوة بما يجري اعتماده في الأعمال التجارية استناداً إلى المنصة الإلكترونية، وذلك: أولاً لتخفيف الأعباء عن المصرف المركزي لتغطية فوارق أسعار الدولار. وثانياً لضمان العدالة المالية للشركات الخاصة التي احتُجزت أموالها لدى المصارف”.

ويختم المصدر: “لقد آن أوان إنهاء مفاعيل سعر الدولار الرسمي (1515) باستثناء قروض الأفراد والشركات التي تسبق تشرين 2019”.

مواضيع ذات صلة

هذه هي الإصلاحات المطلوبة في القطاع المصرفيّ (2/2)

مع تعمّق الأزمة اللبنانية، يصبح من الضروري تحليل أوجه القصور في أداء المؤسّسات المصرفية والمالية، وطرح إصلاحات جذرية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين المصارف…

لا نهوض للاقتصاد… قبل إصلاح القطاع المصرفيّ (1/2)

لبنان، الذي كان يوماً يُعرف بأنّه “سويسرا الشرق” بفضل قطاعه المصرفي المتين واقتصاده الديناميكي، يعيش اليوم واحدة من أخطر الأزمات النقدية والاقتصادية في تاريخه. هذه…

مجموعة الـ20: قيود تمنع مواءمة المصالح

اختتمت أعمال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في ريو دي جانيرو يومي 18 و19 تشرين الثاني 2024، فيما يشهد العالم استقطاباً سياسياً متزايداً وعدم استقرار…

آثار النّزوح بالأرقام: كارثة بشريّة واقتصاديّة

لم تتسبّب الهجمات الإسرائيلية المستمرّة على لبنان في إلحاق أضرار مادّية واقتصادية مدمّرة فحسب، بل تسبّبت أيضاً في واحدة من أشدّ أزمات النزوح في تاريخ…