رودولف سعادة اسمٌ عاد إلى الواجهة اللبنانية متأخراً. عاد ليس من بوابة ثرواته وحجم نجاحات الشركة التي يترأسها اليوم، بل من بوابة المبادرة الفرنسية، إذ كان في عداد الوفد اللبناني – الفرنسي المرافق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارتيه إلى بيروت، ويبدو أنه قد حجز لنفسه مكاناً في السياسة اللبنانية، وإن لم يكن في السياسة، ففي استثمار مرفأ الموت بالتأكيد.
فمن هو رودولف سعادة؟
رودولف سعادة رئيس مجلس الإدارة، والرئيس التنفيذي لمجموعة CMA CGM، وهي مجموعة رائدة عالمية في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية، وهي ثالث أكبر شركة في العالم في هذا المجال. لبناني – فرنسي من جذور برجوازية سورية، من مواليد لبنان في 3 آذار 1970. درس إدارة الأعمال في جامعة كونكورديا في مونتريال الكندية. كانت بدايته في شركة لتبريد المياه في لبنان، وأقلع منها ضمن مجال التجارة الدولية، انطلاقاً من لبنان وسوريا، لينضمّ إلى شركة والده CMA CGM في العام 1994، ثم ترأّسها بعد وفاة والده في العام 2018.
إقرأ أيضاً: سمير عسّاف: من هو اللبناني الجنوبي على طائرة الرئاسة الفرنسية؟
هو رجل أعمال أباً عن جد. والده جاك رودولف سعادة ولد في العام 1937 في بيروت، وتوفي في مرسيليا عن عمر 81 عاماً بعد أن ترك لأولاده تانيا، رودولف وجاك جونيور، أسطولاً بحرياً يتجاوز حجمه 414 سفينة، تجوب 400 ميناء حول القارّات الخمس من خلال وكالاتها الـ650، وتوظّف 18000 شخصاً، من بينهم 4.700 في فرنسا، بحسب معلومات نشرت عن الشركة عقب وفاته. ووصلت إيراداتها في العام 2018 إلى 23 مليار دولار أميركي.
لا يخفي سوريون امتعاضهم من منح لبنان الحصّة الأكبر من اهتمامات آل سعادة الاستثمارية، لكن يبدو أنّ رودولف الابن تعلّم من تجربة جدّه الذي خسر شركاته بين ليلةٍ وضحاها
أطلق على جاك سعادة لقب Tycoon of The Seas: زعيم، أو ملك البحار. وعُرف عنه أنّه لا يقبل أن يتدنّى مؤشر نموّ مؤسساته عن معدل 15% و 20% سنوياً.
أما رودولف الجدّ، الذي سُمي رودولف الحفيد على اسمه، فكان من برجوازيي الساحل السوري، تحديداً مدينة اللاذقية، كان يعمل في مجال إنتاج التبغ، وبذور القطن وزيت الزيتون، وكان يملك معمل زيوت لبذر القطن وينتج الزيت النباتي والصابون وكسبة تستخدم لعلف الحيوانات، وكذلك معمل تشيكلس المشهور ومعامل أخرى وشركة شحن صغيرة في لبنان حصدها كلّها البعث بقرارات التأميم والمصادرات التعسفية التي مارسها حزب البعث السوري في العام 1965 كواحدة من أهداف “ثورة آذار” في ادّعائها تحقيق التحوّل الاشتراكي في القطاع الصناعي. وكانت زوجة رودولف الجدّ لبنانية، فولد ابنه جاك في لبنان. ولا يزال قصر آل سعادة الأثري موجوداً في اللاذقية في حيّ الكاملية بشارع المالكي، كواحد من البيوت التراثية التي تمّت المحافظة عليها بسبب تسجيله في وزارة الثقافة – المديرية العامة للآثار على أنه بناء أثري.
لا يخفي سوريون امتعاضهم من منح لبنان الحصّة الأكبر من اهتمامات آل سعادة الاستثمارية، لكن يبدو أنّ رودولف الابن تعلّم من تجربة جدّه الذي خسر شركاته بين ليلةٍ وضحاها. ولعلّ هذه الحادثة أصبحت بمثابة ثأر بين آل سعادة وحزب البعث. حتى إنّ تجربة الجدّ لم تكن النكسة الوحيدة في تاريخ العلاقات الاستثمارية بين عائلة سعادة وسوريا، بل حاول جاك سعادة أيضاً العودة إلى مسقط رأس والده بهدف إدارة محطة حاويات اللاذقية، وقام بذلك لفترة لم تتجاوز السنة في ظلّ ظروف صعبة وتضييق وشروط مجحفة. وانتهت الرحلة الاستثمارية بعد استلام الروس والإيرانيين المرافئ السورية، بحسب منشورٍ سابق لرئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة القاضي، ومن هنا كان الانطلاق إلى لبنان، ثم إلى العالم.
فهل يعود روردولف الحفيد أدراجه إلى لبنان؟
استثمارياً، رودولف سعادة لم يغب عن لبنان، ولو بشكلٍ محدود. مجموعته موجودة في لبنان عبر المدير العام للمجموعة في لبنان جو دقاق، ومعه فريق عمل محلي. وهو في مقابلة صحافية تحدث لـ”النهار” في 24 تموز الماضي، عن مشاريع تموّلها مجموعته في لبنان وتنفذها. كاذن هذا الحديث قبل أيام فقط من انفجار مرفأ بيروت. كشف يومها أنّه زار بيروت لثلاثة أيام قبل أسبوع من نشر المقابلة، وتحدّث عن حزنه لحركة البلد البطيئة، ووضعه الصعب، وأكّد أنّه “لا يزال هناك أسباب للأمل، أوّلها إرادة اللبنانيين بالصمود”، معلناً عن استمراره بتنفيذ مشاريع استثمارية في البلد ونيّته إطلاق مشاريع جديدة.
يؤمن رودولف سعادة بلبنان ومقتنع بأنّه سيخرج من هذه الأزمة في حال إجراء الإصلاحات اللازمة، بحسب ما نقل عن لسانه
من هذه المشاريع مشروع “Digital Hub”، وهو مركز رقمي مقرّه في بيروت أطلق في نهاية العام 2019. وتحدث سعادة عن مشاريع مستقبلية في لبنان “الأول مستودع في المنطقة الحرّة لمرفأ بيروت لاستكمال عرض خدمة الـCeva logistics.
، والثاني، بناء محطة تعبئة (مركز تخزين وتوضيب) في منطقة تعنايل البقاعية وهي عبارة عن 6000 متر مربع من التخزين البارد على قطعة أرض مساحتها 55 ألف متر مربع وُضع مستودع فيها”. وكشف أنّ مجموعته اشترت أسهم مساهم حالي في شركة Gulftainer لبنان وهي الشركة التي تدير محطة حاويات طرابلس لترفع بذلك نسبة حصتها إلى 78%، أما في بيروت “فلا نزال ننتظر استئناف عملية المناقصة، حيث تعاونا مع شركة MSC لتقديم عرضٍ مشتركٍ، ونحن سوياً نمثّل ما يقارب الـ80% من حجم العمل في مرفأ بيروت”.
رودولف سعادة أيضاً رجل مهتمّ بالبيئة، مقرّب من ماكرون، ووقّعت مجموعته CMA CGM في آب 2019 على ميثاق SAILS الذي بدأته الوزارة الفرنسية للتضامن والبيئة الانتقالية، وذلك بحضور الرئيس الفرنسي وفي قصر الإليزيه، كشركة رائدة في حماية البيئة.
أما في تغريدته عن زيارته إلى لبنان برفقة ماكرون في الأول من أيلول الجاري، فشكر الرئيس الفرنسي لمجيئه إلى لبنان وأرفقها بصورة إلى جانبه (أي ماكرون) معلناً عن وصول سفينة المساعدات الانسانية لمساعدة لبنان وقال: “هذه السفينة تجسّد التزام فرنسا وتضامنها مع لبنان، 18 منظّمة غير حكومية لبنانية و4 مستشفيات ستتلقى هذه المساعدات الإنسانية الطارئة في الأيام المقبلة”.
I thank President @EmmanuelMacron for commending @cmacgm’s campaign #AHumanitarianShipforLebanon today in #Beirut. This ship embodies #France’s commitment and solidarity. 18 #Lebanese NGOs and 4 hospitals will receive this emergency humanitarian aid in the coming days. pic.twitter.com/yHiZw9RUoD
— Rodolphe Saade (@RodolpheSaade) September 1, 2020
يؤمن رودولف سعادة بلبنان ومقتنع بأنّه سيخرج من هذه الأزمة في حال إجراء الإصلاحات اللازمة، بحسب ما نقل عن لسانه، فهل سيثمر هذا الإيمان حقيبة وزارية تعيد الحياة للمرفأ بعد انفجار 4 آب المدمر أم أنّه يفضل إعادة إحياء مرفأ بيروت؟