في الجزء الثاني والأخير من الحوار والمكاشفة مع الدكتور فارس سعيد حصلت مفارقتان. الأولى، ذهاب الحوار إلى أعمق ما هو متوقع وذهاب الدكتور سعيد إلى أقسى ما يمكن أن يُقال. أما المفارقة الثانية، فكانت زيارة غير متوقعة قام بها الدكتور رضوان السيد إلى مكتب “أساس” ليشارك في الدقائق الأخيرة من الحوار. وفي ما يلي وقائع الجزء الثاني والأخير من حوار هيئة تحرير “أساس” مع سعيد.
– هل تعتقد أنّ كلّ الطوائف حالياً عندها مقوّمات الحوار، خصوصاً أنّ الحوار يحتاج إلى رجال، ويحتاج إلى قيادات وإلى رغبة الأطراف بالحوار؟
أنا أعتقد أنّ الحوار ليس نتيجة رغبة المسيحيين بالكلام مع المسلمين أو العكس، بل هو نتيجة استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه، وأصبح ضرورة. ليس صحيحاً أنّ سلاح حزب الله ضمانة للشيعة. وليس صحيحاً أن يظنّ السنّة أنّهم قادرون على حكم البلد فقط لأنهم “أهل المدد والعدد”. وليس صحيحاً أنّ لبنان الأصغر على قياس المسيحيين ضمانة للمسيحيين. هناك ضمانة واحدة لجميع اللبنانيين هي قيام الدولة في لبنان. وإن كان هناك من يحمل مشاريع أخرى، مثل حزب الله الذييحمل مشروعاً رديفاً للجمهورية اللبنانية. فهو قال لنا في بداية الأزمة “ستنهار جمهوريتكم وستبقى جمهوريتي قائمة”: وقال لجمهوره ما معناه: انهارت مستشفى “أوتيل ديو” والجامعة الأميركية وبقيت مستشفى الرسول الأعظم قويّة. انهار قطاعكم المصرفي واستمرّ القرض الحسن، انهار نظامكم الصحي وانا أقدّم لكم هيئة صحية، وانهار الجيش اللبناني لأنّ الدولار صار بـ10 آلاف ليرة لبنانية، والميليشيا العائدة لي مازالت صامدة.
كلّ هذه بهورة بالسياسة ولا تنفع لحكم البلد. بهذه الطريقة يستطيع أن ينظّم علاقته مع طائفته ومع بيئته لشهر أو اثنين أو سنة أو سنتين، لكن لا يمكنه أن يحكم بلداً، لأنّ الحكم يحتاج إلى شرعية ليس فقط من الداخل بل باعتراف الخارج، بأن تعترف بك دوائر القرار العربية ودوائر القرار الخارجية. وعندما تكون غير قادر على أن تفتح حساباً في المصرف، ولا أن تصل بجواز سفرك إلى قبرص، ولا على أن تشارك في جلسة للاتحاد الأوروبي، ولا أن تشارك في جلسة للأمم المتحدة أو الجامعة العربية، فهذا يعني أنّك لست قادراً على حكم لبنان.
اتفاق الطائف ألغى مبدأ الثنائيات لصالح مبدأ العيش المشترك، ولا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. الشيعة في اتفاق الطائف حصلوا على حصتهم وأكثر، وليس صحيحاً أنّهم خارج التركيبة
– لكن ما هي عناوين الحوار؟
الحوار هو أن نتمسك جميعاً بالنصوص المرجعية. الدستور نصّ مرجعي، ووثيقة الوفاق الوطني نصّ مرجعي، ومقرّرات الشرعية الدولية نصوص مرجعية. وهنا أنا لا أدعو للحوار، أنا أقول إنّه علينا أن نحدّد خياراتنا.
– كيف يمكن أن يستمرّ نظام كاالنظام اللبناني الموجود اليوم، وهو مبني على أساس طائفي بحت، وعملياً الشيعة يقفون خارج هذا النظام؟
من قال ذلك؟
– هم موجودون من خلال وهج السلاح وليس بأيّ طريقة أخرى، وبالتالي ما هي صلاحيات هذا النظام؟
أنت تقلّل من قيمة كيفية توزيع السلطات في اتفاق الطائف. أوّل مبدأ أطاح به اتفاق الطائف هو مبدأ الثنائيات الطائفية، يعني قبل الطائف وقبل قيام دولة لبنان، انتهت الثنائية المارونية – الدرزية التي حكمت جبل لبنان بحرب أهلية في العام 1860. وانتهت الثنائية المارونية – السنية عملياً بحرب أهلية في العام 1975.
– لكنّها لا تزال موجودة؟
موجودة في نظام مصالح ضيّق وفي نقاط معيّنة. وأنا أعتبر أنّ الثنائية السنية – الشيعية التي تحكّمت ببناء الدولة بعد العام 1992 أقصت المسيحيين أو على الأقل همّشت المسيحيين الذين كانوا يعتبرون أنفسهم الممثّلين الشرعيين للطائفة. هؤلاء بقيوا خارجها وانتهت هذه الثنائية في العام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري. واليوم الثنائية المارونية – الشيعية التي بدأت في 6 شباط 2006 (مع تفاهم مار مخايل) غير قادرة على أن تتحكّم بالبلد. هي قادرة على تأمين مصلحة فريق سياسي، لكن لا تستطيع أن تحكم البلد.
اتفاق الطائف ألغى مبدأ الثنائيات لصالح مبدأ العيش المشترك، ولا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. الشيعة في اتفاق الطائف حصلوا على حصتهم وأكثر، وليس صحيحاً أنّهم خارج التركيبة.
– في أيّ معنى؟
عندك أوّلاً عين التينة. هو ليس بيتاً خاصاً مسجّلاً لنبيه بري. هذا قصر مثله مثل القصر الحكومي ومثل قصر بعبدا. أنا أتحدّث بالشكل، هو مقرّ رئيس مجلس النواب، وهو الرئيس الثاني، وهو الرئيس الذي يربط ويحلّ في داخل مجلس النواب.
على الشيعة الانخراط ضمن الصيغة الموجودة
– حسن فحص في مقالته الأخيرة في “أساس” قال إنه يجب إعطاء الشيعة مواقع جديدة في النظام؟
لكن على حسن أن يعرف أنّنا ووالده (السيّد هاني) رحمه الله كنا نجلس معاً مع الشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان ينظر إلى اتفاق الطائف على أنّه اتفاق عادل، لأنّه يدعو الشيعة في لبنان وفي كلّ بلدان العالم العربي إلى الانخراط ضمن الصيغة الموجودة في بلدانهم. فعندنا شخصية مرجعية مثل الشيخ محمد مهدي شمس الدين يرى اتفاق أنّ الطائف هو اتفاق العدالة، وهو اتفاق الشراكة الإسلامية – المسيحية.
كلّ الطوائف في لبنان تطمح لإعادة نفوذها، يعني إنتاج نفوذها خارج السياسة من خلال مجزرة توازي المجزرة التي نفّذتها إيران في المنطقة. وبالعودة إلى السياسة، فكلّ الطوائف تحمل المشروع نفسه
– في أيّ عام قال ذلك؟
في السنوات بين 1994 و1996.
– لكن اليوم تغيّر كل شيء؟
تغيّرت موازين القوى وتغيّر الادّعاء الطائفي. مثلما ادّعينا و”شفنا حالنا” على المسلمين أنّه لولانا لما انتزعنا دولة لبنان الكبير، كذلك رفيق الحريري نظر إلى كلّ اللبنانيين باستعلاء سياسي، وقال إنّكم “كلكم خربتم البلد وأنا الوحيد الذي عمّرته”.وتحدّث عن علاقاته بالخليج والفاتيكان والإليزيه وواشنطن، واستجرّ ردّات فعل وحساسياتٍ شيعية ومارونية آنذاك. اليوم هناك من يخبرنا بأنّه لولاه “لما خرجت إسرائيل من لبنان، ولدخل الإرهاب وحبّل نسواننا في جونيه. ولذا: أريد أن أحكمكم”. لكن هذا لا يمرّ. هذا عارضناه مع الموارنة، وعارضناه مع رفيق الحريري، ونعارضه مع حسن نصرالله أيضاً. العودة إلى لبنان تكون بشروط لبنان، وليس بشروط حسن نصرالله.
– عملياً عندما “يتوقف العدّ” بين الطوائف بهذه الطريقة في اتفاق الطائف، فهذا هو جوهر النظام الفيدرالي. وقديماً قال الدكتور إدمون رباط: “نحن في نظام فيدرالية الطوائف”. ونحن نعاني اليوم من اختلال التوازن بين الطوائف وليس من خروج طائفة ما عن النظام؟
أنا أثرتُ موضوع العدد ردّاً على سؤال عن حجم الطائفة الشيعية ومكانتها، وأنّها اليوم يحقّ لها أن تأخذ أكثر داخل النظام. لكن كلّ الطوائف في لبنان في مراحل معيّنة قدّمت للبنان ما تقدّمه أو ما قدّمته الطائفة الشيعية اليوم.
– منذ فترة لاحظنا أنّ كلّ الطوائف في لبنان تطمح لإعادة نفوذها، يعني إنتاج نفوذها خارج السياسة من خلال مجزرة توازي المجزرة التي نفّذتها إيران في المنطقة. وبالعودة إلى السياسة، فكلّ الطوائف تحمل المشروع نفسه. المشكلة في البلد أنّ حزب الله وإيران أنتجا بنية عامة ولم يعد هناك تفكير سياسي. كيف نعود إلى فكرة السياسة ضمن مجزرة قائمة ولم تنتهِ بعد؟
بصدق وأنا من الناس الذين عاشوا في الخارج مدة طويلة، وطبعاً أتابع أيضاً ما يجري في أوروبا وفي الولايات المتحدة وفي دول الغرب. نظرية المجتمعات التي تتجاوز الطائفية وتعتبر أنّ العلمنة هي الحلّ سقطت بالأمس في فرنسا، وهي تسقط في أوروبا كلّ لحظة. نرى ذلك عندما نرى أنّ الدولة العلمانية الفرنسية ليست قادرة على إدارة مجتمع فيه 6 ملايين مسلم، ولا تستطيع أن تعرف كيف تتعامل مع هذا التنوّع الذي طرأ عليها، إن كان من باب الهجرة أو من باب العلمنة.
اتفاق الطائف الذي أدافع عنه الآن، هو ربما النصّ الوحيد ليس فقط في لبنان والعالم العربي، بل ربما في العالم، الذي أعطى توصيفاً للدولة المدنية. نحن نعرف ما هي الدولة العلمانية، فرنسا دولة علمانية، فإذا طلع على بال مدرّس أن يقول لتلاميذ مسلمين في الصفّ أن يخرجوا لأنّه يريد شتم النبي محمد، يعتبرون أنّ هذا الأمر في سياق الحرية، حرية التعبير. لكنّهم اعتبروا التهجّم على الوصيفة الأولى لملكة جمال فرنسا كلاماً عنصرياً، لأنّهم قالوا عنها على تويتر إنّها “يهودية”. فأقامت دعوى قضائية ضدّ القائل. فالتهجم على المسلمين حرية رأي والتهجّم على اليهود عنصرية.
أنا أعرف ما هي الدولة الديموقراطية. إسرائيل دولة ديموقراطية. ولكن لا أعرف ما هي الدولة المدنية التي يتحدّث عنها اللبنانيون. لا تجد في العالم نصاً تحدث عن الدولة المدنية إلا اتفاق الطائف، فماذا يقول؟ يقول إنّ الحقوق للمواطن الفرد. يعني لا يمكن وضع قانون سير للمسلمين وقانون سير للمسيحيين، ولا يمكن وضع قانون بناء للمسلمين وقانون آخر للمسيحيين، والضمانات للجماعات الطائفية تكون في مجلس شيوخ. ويكون هناك مجلس نواب محرّر من القيد الطائفي يضمن حقوق المواطن الفرد، ومجلس شيوخ منتخب على قاعدة طائفية صافية، يضمن حقوق الجماعات.
رداً على السؤال: إنّ الضمانة التي يجب أن تمنع العنف هي الدولة، وهذه الدولة اليوم تنهار، ولم يعد أيّ شيء يمنع العنف. نحن ذاهبون بعيون مفتوحة إلى إعادة إنتاج العنف في لبنان بشكل أو بآخر، أكان عنفاً دستورياً، أو عنفاً سياسياً، أو عنفاً أخلاقياً أو عنفاً بالتصفيات، يعني أنّ الطوائف في لبنان اليوم تذهب باتجاه الأسوأ وليس باتجاه الأفضل.
أنا أحاول أن أوضح، وهذا هو أحد الأسباب الذي جعلني أحضر إلى هذه الطاولة الكريمة للتحدث في هذا الموضوع، أنّ هناك شبكة أمان إذا لم يصنعها اللبنانيون في هذه اللحظة بالتحديد ولم تأتِ كلّ الطوائف إليها، فنحن ذاهبون بالاتجاه الأسوأ دون أدنى شكّ، بوصاية إيران التي شكّلت رافعة اجتماعية وسياسية وأمنية عسكرية ومالية واقتصادية لطائفة واحدة. إذا لم يكن هناك ضمانة اسمها الدولة في لبنان، فإنّ الطوائف الأخرى ستبحث عن ضمانات رديفة وستذهب واحدة منها إلى تركيا مثلاً، ولا يبقى سوى نحن المسيحيين. مشكلتنا أنّه لا يوجد من يضمننا. وقد ذهبنا إلى ضمانات كثيرة، ولم ننجح.
حزب الله يريد الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي يؤمن مصالحه
– أنتم الذين كنتم تمثّلون في مرحلة ما التيار السيادي وتيار الطائف و14 آذار قد انهزمتم، ولا توجد هزيمة مجانية بالنسبة للمنهزم ويجب أن يدفع ثمنها، وتبقى تقاوم وتقاوم، ولكن لا يوجد طرفٌ سنيٌّ وازنٌ يدافع عن الطائف، ولا طرفٌ مسيحيٌ وازنٌ يدافع عن الطائف!
ضمانة هذا البلد ليست بزعامة سنية أو مسيحية او شيعية أو درزية. ضمانة هذا البلد بالتنوّع. وهذا البلد عصيّ على أن يبتلعه مشروع سياسي أو قدرة عسكرية أو اندفاعة طائفية. لم يصل أحد إلى ما وصل إليه كمال جنبلاط في الحركة الوطنية وأبو عمار في العام 1976، ولم يستطع أحد منهما حكم لبنان.
وأنا أرى أنّ اتفاق الطائف اهتزّ من خلال التعامل معه على قاعدة موازين وليس على قاعدة قوّة التوازن. هذا البلد كما قلت يُحكم بقوّة التوازن، وموازين القوى رجراجة وتتقلّب من يد إلى يد، وهي موازين ظرفية. العيش المشترك الإسلامي – المسيحي ليس نتيجة رغبة المسيحيين في العيش مع المسلمين أو العكس، بل هو نتيجة استحالة كلّ فريق أن يعيش لوحده في لبنان، وبالتالي نحن مضطرون إلى تنظيم علاقاتنا مع بعضنا البعض، ولا أرى أنّ هناك نصاً أرقى وأهم وأكثر تقدمية من اتفاق الطائف. وأنا أتحدّث عن المصلحة المسيحية الصافية، أيّ الخروج عن اتفاق الطائف. والخروج من اتفاق الطائف اليوم هو خسارة صافية للمسيحيين. وأنا أتعجب كيف أنّ القيادات المسيحية الوازنة لا تذهب باتجاه التمسك بهذا الاتفاق.
– اليوم حزب الله وغير حزب الله يقول إنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة عضّ أصابع، وبالتالي علينا الصمود على الأرض لكي نبقى موجودين في النظام إلى أن نجلس على الطاولة ونكون حاضرين في النظام. ولكن عندها سيركب اتفاق جديد، فمن سيجلس على الطاولة؟ ستجلس الأطراف التي استطاعت المحافظة على وضعيتها على الأرض. إذا ذهبنا إلى نظام جديد فستتركّب موازين قوى جديدة على حساب السُنة، وليس على حساب أيّ طرف آخر؟
أنا لمستُ هذا الكلام. ومشروع الحزب هو الخروج من اتفاق الطائف ومن الدستور اللبناني، والذهاب عبر مؤتمر تأسيسي جديد إلى نظام يؤمّن مصالحه. هو يبني دولة صديقة: كأنّه يقول: “يريد الأميركي تسليم سلاحي إلى الجيش اللبناني، أفلا يحق لي أن أبني جيشاً صديقاً؟ ولماذا سيبقى قائد الجيش مارونياً في لبنان؟ ولماذا سيبقى هناك نائب رئيس حكومة، ونائب رئيس مجلس نواب، ولا يوجد نائب رئيس جمهورية. هؤلاء الموارنة يختلفون في ما بينهم ونبقى سنة وسنتين في فراغ رئاسة الجمهورية، فلا بأس أن يكون نائب رئيس الجمهورية من الطائفة الشيعية. هو يدير البلد في مرحلة الفراغ”. هذا كي لا نتحدّث عن كلّ الأمور الأخرى التي يحاولون الحصول عليها.
– لكن نائب الرئيس ألا تنتهي ولايته مع ولاية الرئيس؟
يمكن أن يصدروا فتوى كي لا تنتهي ولايته، خصوصاً أنّ “هؤلاء الموارنة دائماً يختلفون”. وقد يضعون صيغة دستورية تقول إنّ نائب الرئيس هذا هو من يتولّى شؤون البلد في لحظة الفراغ أو الوفاة أو تعذّر إجراء انتخابات. المهم أنّهم يريدون الذهاب إلى تعديلات ظناً منهم أنّ هذه التعديلات تبني لهم دولة صديقة. الموارنة بنوا دولة صديقة لهم منذ العام 1920 إلى 1975، دولة صديقة في كلّ المجالات. وهذه التجربة نستنسخها عند كلّ مرّة تنتقل فيها موازين القوى من يد إلى يد.
– لكن حزب الله ألا يريد ذلك؟
هو لا يريد وغيره لا يريد، بل يريد أن يحكم منطقة. وأنا لم أشعر بالرغبة في الخروج من اتفاق الطائف عند القوات اللبنانية. ولم أشعر أنّ لديهم قدرة أو رغبة بتجهيز أنفسهم لحكم منطقة صافية مسيحية في مواجهة المناطق الأخرى التي ستحكمها منظمات أخرى.
القوات اللبنانية بين عامي 1989 و1990 كان عندهم 25 ألف راتب. أنا عدتُ إلى لبنان في العام 1990، وعملتُ في مستشفى المعونات، كانت تقديمات القوات اللبنانية الصحيّة تصل إلى طبّ الأسنان، في وقت حتّى الآن الضمان الاجتماعي في الجمهورية اللبنانية لا يغطّي طبابة الأسنان.
أكرّر القول إنّ الخروج من اتفاق الطائف وعلى اتفاق الطائف هو إعادة إنتاج للحرب الأهلية في لبنان. أرجو أن لا يمزح أحد في هذا الموضوع.
اليوم حزب الله وغير حزب الله يقول إنّ المرحلة المقبلة هي مرحلة عضّ أصابع، وبالتالي علينا الصمود على الأرض لكي نبقى موجودين في النظام إلى أن نجلس على الطاولة ونكون حاضرين في النظام. ولكن عندها سيركب اتفاق جديد، فمن سيجلس على الطاولة؟ ستجلس الأطراف التي استطاعت المحافظة على وضعيتها على الأرض
الخروج من اتفاق الطائف هو إعادة إنتاج للحرب الأهلية في لبنان
– أليست حصة الشيعة أقل من حجمهم؟ فعندما قام لبنان الكبير ومن ثم الاستقلال عام 1943 عدد السنّة كان تقريباً يوازي عدد الشيعة. وهذا مُعطىً قديم وموثّق، وبناءً على ذلك تمّ تقسيم الدولة لتكون مارونية – سنيّة، من رئيس الجمهورية حتّى آخر حاجب في الإدارة، واليوم الشيعة عندما يطالبون بحصة أكبر لا يعتدون على الآخرين، ألا ترى أنّهم يطالبون بمساواتهم بالسنّة على الأقلّ؟
برأيك أنّ اتفاق الطائف لم يعطِ الشيعة الحصّة المناسبة لحجم هذه الطائفة؟.
– الآن إذا كنت مارونياً، وألّفت حزباً، وأخذت أكثرية نيابية، باستطاعتك أن تكون رئيس جمهورية، وباستطاعتك أن تعيّن كما يفعل الآن ميشال عون؟
هل يكون ذلك من موقعك المسيحي؟
– من موقعك الوطني. ولكن نحن نتحدث عن الأشخاص المسيحيين الموارنة تحديداً: يمكن أن تكون حاكم مصرف لبنان أو غادة عون أو جوزف عون؟
ولكن الآن ألا يستطيع الشيعي أن يكون عباس ابراهيم ولا نبيه بري؟
– إذا كنت شيعياً تكوّن كتلة من 30 نائباً مثل حزب الله وحركة أمل، وسقفك الإداري رئيس مجلس نواب بلا صلاحيات تنفيذية. في الأمن عباس إبراهيم، ويريد منصبه ميشال عون. والسقف القضائي هو القاضي علي ابراهيم، تقريباً بدون صلاحيات، وغسان عويدات ينتزع أيّ ملف منه ويضعه جانباً. مدير عام وزارة الاقتصاد، ومجلس الجنوب الذي صرف خمسة في المئة من موازنة مجلس الإنماء والإعمار منذ تأسيسه حتّى اليوم. وبالتالي لا يمكن أن تحكم إلا بـ7 أيار إذا كنت شيعياً، وعندك مشروع وعندك أكثرية، ألا ترى أنّ أبواب النظام ضيقة ولا تتيح للشيعة أن يحكموا إلا بالقوّة والغلّبة؟ وأليس الأجدى إدخالهم إلى النظام وتصحيح الخلل الذي عمره منذ عام 1943؟
ج- هذا الكلام الى أين يؤدي؟ إذا كان الشيعي يظنّ أنّ لديه القدرة على تحصيل مكاسب في النظام في صفقة معيّنة، بمزيد من الصلاحيات، سيقول لك السنّي بعد عشر سنوات: تعال لنعيد الحسبة من جديد… وهكذا دواليك.
س- ألا ترى أنّ السنّي حاكمٌ في النظام أكثر من الشيعي؟
ج- حتى الماروني في الجمهورية الأولى ما كان حاكماً. شارل الحلو لم يستطع تركيب حكومة عندما جلس رشيد كرامي ستة أشهر في منزله دفاعاً عن اتفاق القاهرة.
إقرأ أيضاً: مراجعة تاريخية مع فارس سعيد (1/2): الطائف ضمانة وجود المسيحيين وحلف الأقليات إلى تراجع
هذا الكلام ينطلق من واقع “أنا معي سلاح، ولكي أسلّم سلاحي، أريد في المقابل نفوذاً دستورياً”. هذا منطق لن يقبل به اللبنانيون، ليس المسيحيون فقط ولا السنّة، بل كلّ اللبنانيين. وسيضعون الشيعة في قفص الاتهام. وسيقولون لهم إنّ ما تقومون به هو خطأ، لأنّه في يوم من الأيام غيركم ستخدمه الظروف لكي يتحدّث بالمنطق نفسه.