في زمن ماكرون: نصرالله بدلاً من الحويّك في المئوية الثانية!

مدة القراءة 5 د


يشير تقرير ديبلوماسي عربي تابع تحرّك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب الماضي، وصولاً إلى إحياء ذكرى المئوية الأولى لولادة لبنان الكبير، إلى أنّ سيد الإليزيه بدا أقرب إلى “حزب الله” من الطائفة المؤسسة لهذه الذكرى، أي الموارنة. حتى إنّ رئيس الجمهورية الماروني ميشال عون لم يكن له الأولوية في جدول أعمال الرئيس ماكرون سواء في زيارته الأولى أو في زيارته الثانية، ما أعطى وزناً فعلياً للحزب في نتائج الزيارتيّن.

إقرأ أيضاً: الحزب يواجه الراعي وبرّي لتغيير النظام

فما هي أبرز التفاصيل في هذا التقرير؟

في التقرير الذي رفعه الديبلوماسي العربي الرفيع، وتسنّى لـ”أساس” الاطلاع عليه، أنّ فتوراً ظهر جلياً في الشهر الماضي بين المرجعية المارونية المتمثّلة بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي بعد المعلومات الأوّلية التي تواترت من باريس تتعلّق بالرؤية حول الإصلاح المطلوب القيام به حيال النظام القائم في لبنان. وترافقت هذه المعلومات مع برودة في تعاطي الإدارة الفرنسية مع دعوة البطريرك الراعي إلى اعتماد “الحياد الناشط” كبديل للواقع الذي يفرض فيه “حزب الله” سياسة انحياز كاملة لمصلحة محور الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولم يصدر عن الرئيس ماكرون موقف حازم في تأييده لما طرحه الراعي، بل ذهب أكثر فأكثر، سواء مباشرة أم عبر وزارة الخارجية الفرنسية، إلى رفع منسوب الاهتمام بما تطرحه طهران بشأن مستقبل نفوذها في لبنان عن طريق تغيير النظام الذي أنشأه اتفاق الطائف عام 1989.

هذا الموقف الذي تميّزت به “القوات” عن سائر ما يسمّى مكوّنات قوى الرابع عشر السابقة والتي كانت تضمّ تيار “المستقبل” و”الحزب التقدمي الإشتراكي”، أظهر أنّ مرشّح الفرانكوفونية، أي أديب، قد تفوّق على مرشّح الأنكلوساكسونية، أي سلام

ويخلص التقرير إلى القول إنّ العبارة الأشهر في تاريخ العلاقات اللبنانية – الفرنسية منذ العام 1920، وهي “الأم الحنون”، لم تعد تعني موارنة لبنان حالياً، بل صارت تعني عملياً ما يمثّله “حزب الله” على مستوى الطائفة الشيعية نتيجة التوجّهات التي تطبع السياسة الفرنسية النشطة في هذا البلد.مع اختلاف الصفة من الأم إلى الأخ، بدليل اصطلاح الأخوة اللبنانية – الفرنسية الذي استعمله في بداية زيارته الثانية.

ما يدعم معطيات تقرير الديبلوماسي العربي، الموقف الذي اتخذته “القوات اللبنانية” في الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة. فقد انبرت إلى تسمية الدكتور نواف سلام في هذه الاستشارات خلافاً لما أرادته باريس بتكليف الدكتور مصطفى أديب بهذه المهمة. وهذا الموقف الذي تميّزت به “القوات” عن سائر ما يسمّى مكوّنات قوى الرابع عشر السابقة والتي كانت تضمّ تيار “المستقبل” و”الحزب التقدمي الإشتراكي”، أظهر أنّ مرشّح الفرانكوفونية، أي أديب، قد تفوّق على مرشّح الأنكلوساكسونية، أي سلام. فهل من عبرة مما جرى حتى الآن؟

ربما يتطلّب الجواب على هذا السؤال، الإحاطة بأسرار الاتصالات التي جرت خلال الأيام الماضية، والتي أفضت إلى تحقيق رغبة الرئيس ماكرون في الخروج من دوّامة استشارات التكليف سريعاً نحو استشارات التأليف تمهيداً لولادة الحكومة العتيدة المنتظرة. ومن قليل هذه الأسرار، لكن لم يعد سراً، الاتصال الذي تلقّاه الرئيس سعد الحريري من الرئيس الفرنسي عشية الاستشارات الملزمة، ما غيّر الأجواء في الاجتماع الأخير لرؤساء الحكومات السابقين الذين أعلنوا تأييدهم لتكليف الدكتور أديب مهمة تشكيل الحكومة. فهل قدّم ماكرون ما يكفي من اسباب كي يحمل هؤلاء الرؤساء على تبنّي ما اختاره سيد الإليزيه؟

عبارة “لننتظر كي نرى”، هي السائدة هذه الفترة، التي ينتهي مفعولها الأسبوع المقبل، وفق المعلومات التي ترافق مساعي التأليف

في غياب المعلومات الكافية، تبدو خطوة رؤساء الحكومات السابقين محفوفة بالتساؤل والمخاطر عما ستؤول إليه الأمور في حال انتهت تجربة الحكومة الجاري تأليفها إلى المصير نفسه الذي آلت إليه الحكومة المستقيلة، التي وُصِفَت بأنّها حكومة “حزب الله”؟

من المخاوف التي بدأت تلوح، ما ورد في تقارير إعلامية فرنسية عن أنّ ما أحرزته جهود الرئيس الفرنسي حتى الآن ينحصر في الشكل، أي في الاستجابة لرغبته في تشكيل حكومة جديدة. فرحلت حكومة دياب في العاشر من آب الماضي، وأتى رئيس مكلّف لتشكيل الحكومة المقبلة. أما في المضمون، فتشير هذه التقارير إلى أنّ سياسة المحاصصة ما زالت حيّة ضمن فريق السلطة إضافة الى أنّ “حزب الله” ما زال متمسّكاً بتمثيله في الحكومة الجديدة، كما كان الحال منذ العام 2005 .

عبارة “لننتظر كي نرى”، هي السائدة هذه الفترة، التي ينتهي مفعولها الأسبوع المقبل، وفق المعلومات التي ترافق مساعي التأليف. لكنّ ذلك لن يغيّر من واقع الصورة الشاملة في المنطقة التي تضع التحرّك الفرنسي في لبنان في حيّز محدود.

الصورة الشهيرة التي ما زالت منذ العام 1920 الأكثر تعبيراُ عن حدث ولادة لبنان الكبير، هي التي جمعت حشداً في قصر الصنوبر، مقرّ سلطة الانتداب الفرنسي، يتوسّطهم الجنرال غورو والبطريرك الياس الحويك .أما الصورة التي لم تُلتقط حتّى الآن، لكنّ معالمها موجودة، فهي حشد مماثل للذي تجمّع قبل قرن، يتوسّطه الرئيس ماكرون والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله.    

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…