انتهت الاستشارات النيابية قبل أن تبدأ. مساء يوم الأحد كان المشهد deja vu… بتفاصيله. توجّهات الكتل الأساسية معروفة، سواء على مستوى الثنائي الشيعي أو “تيار المستقبل”، كتلة نجيب ميقاتي أو “تكتل لبنان القوي” الذي كسر قاعدة التفاهم على التأليف قبل التكليف، أو حتى “اللقاء الديموقراطي” الذي قرّر في اللحظات الأخيرة منح الحكومة العتيدة “فرصة” أسوة بما فعله مع حكومة حسان دياب، ولو أنّ بوانتاج الأيام الأخيرة كان يضع وليد جنبلاط على ضفّة مؤيدي ترشيح نواف سلام.
إقرأ أيضاً: الحزب وافق على إخراج مصطفى أديب من قبّعة “رؤساء الحكومة”
دخل مصطفى أديب نادي رؤساء الحكومات من نافذة علاقته بالرئيس نجيب ميقاتي، وبغفلة عين، في ليلة صيف تهبّ خلالها العواصف الإقليمية والدولية الهوجاء، من كلّ حدب وصوب. حصد 90 صوتاً وضعتها أبرز الكتل النيابية في جيبه. لكن يكاد أعضاؤها لا يعرفون صورة الرجل التي وزّعت على عجل مساء يوم الأحد حين انتشر خبر التفاهم على اسمه.
تمنح الإدارة الفرنسية الحكومة العتيدة مهلة شهر واحد فقط، كي تشرع في أجندة إصلاحية واضحة
هي “الفرصة الفرنسية” التي لاحت بعنوان “مصطفى أديب”، بهدف مسابقة الانهيار اللبناني أو محاولة فرملته على الأقلّ. لكنّها ليست شيكاً على بياض لا في الزمن ولا في المضمون.
وفق معلومات “أساس”، تمنح الإدارة الفرنسية الحكومة العتيدة مهلة شهر واحد فقط، كي تشرع في أجندة إصلاحية واضحة. ولذا لن تترك القوى السياسية تغرق في متاهات الحقائب والأسماء إلى ما شاء الله… ولا حلّ أمام هذه القوى سوى الإسراع في التأليف بعد التخفّف من شروطها وجشع قياداتها. وما المقالة التي نشرت أمس في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية عن عقوبات قد تطال المسؤولين اللبنانيين، إلّا عينة عن العصا التي قد تستخدمها باريس لفرض شروطها مقابل جزرة الدعم المالي. هذا إلى جانب قانون “ماغنتسكي” الأميركي الذي قد يبدأ تطبيقه في لبنان قريباً، ليس قبل وصول مساعد ?وزير الخارجية? الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ?ديفيد شينكر، الذي سيستطلع الأجواء قبل الذهاب إلى مزيد من العقوبات?.
في هذا الوقت لم تعد تلك التفاصيل الساعية وراء كشف لغز تسمية مصطفى أديب ذات أهمية، بعدما تبيّن أنّ الاسم أسقط ببارشوت “صنع في فرنسا”، ولم يكن أبداً نتاج المطابخ اللبنانية، بقدر ما بات السؤال حول ما يمكن لحكومته العتيدة “إذا تشكّلت” أن تفعله وتنجزه في مهمتها المستحيلة، هو الذي يختصر المرحلة المقبلة.
النائب نهاد المشنوق اعتذر عن “المشاركة في احتفالات النصر الإلهي”. وقال: لقد دعوتُ لتسمية السفير نواف سلام لمعرفتي واقتناعي بأنّ الجهات الداعمة الفعلية، وليست “الوسيطة”، تثق به وبقدرته على إدارة الدعم المقرّر لانقاذ اللبنانيين من مزيد من طوابير الجوع والقهر
15 نائباً سمّوا نواف سلام، بينهم 14 من كتلة “القوات” إلى جانب فؤاد مخزومي. أما الممتنعون عن التسمية، فبلغ عددهم سبعة نواب بينهم “اللقاء التشاوري”، وجميل السيد، وأسامة سعد، وشامل روكز. فيما سمى ميشال ضاهر الوزيرة السابقة ريّا الحسن، وجهاد الصمد سمّى الفضل شلق. النائب نهاد المشنوق اعتذر عن “المشاركة في احتفالات النصر الإلهي”. وقال: “لقد دعوتُ لتسمية السفير نواف سلام لمعرفتي واقتناعي بأنّ الجهات الداعمة الفعلية، وليست “الوسيطة”، تثق به وبقدرته على إدارة الدعم المقرّر لانقاذ اللبنانيين من مزيد من طوابير الجوع والقهر. لكنّ أصحاب الدولة الذين لم يصمدوا على تسميته إكراماً لرفض الحزب الحاكم له، أكّدوا قدرة الاحتلال السياسي للدولة اللبنانية على الاستمرار، وغياب إرادتهم للمقاومة السياسية”. كما تغيّب ستة نواب بينهم فيصل كرامي المعترض على طريقة التسمية كونها نسفاً لـ”الطائف”، كما نقل عنه.
وفي مقارنة بين جدول الأصوات التي نالها أديب، وتلك التي حقّقها حسان دياب يوم تسميته، يتبيّن أنّ الحصيلة النهائية للاستشارت التي جرت في 19 كانون الأول 2019، جاءت كالآتي: 69 لحسان دياب و43 لا تسمية، و14 نواف سلام، و1 حليمة قعقور.
أما حصيلة استشارات 31 آب 2020، فهي: 90 صوتًا لمصطفى اديب و16 لنواف سلام و7 لا تسمية وصوت لكل من ريا الحسن والفضل شلق.
أما لماذا قرّر “تكتل لبنان القوي” الذوبان في التسوية الفرنسية – اللبنانية، فتلك مسألة مرتبطة بالمأزق الذي يواجهه هذا الفريق في الشارع المسيحي نتيجة التخبّط في سلوكه منذ سنوات، وتحديداً منذ بداية العهد. وقد تبيّن للكثير من قيادات هذا الفريق ونوابه أنّه لا بدّ من تعديل جذري في السلوك، ولا يمكن بعد اليوم الوقوف بوجه خارطة طريق فرنسية صار لا بدّ منها لتوفير الدعم للبنان. ولهذا قرّر العونيون السباحة مع التيار لتحصين الفرصة الأخيرة المتاحة قبل “الخراب الأخير”. ويفترض أن تظهر الأيام المقبلة جهود الرئاسة الأولى على تسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلّف في التأليف بالابتعاد قدر الامكان عن منطق المحاصصة والأعداد والحروب “الصغيرة” على الحقائب الأساسية، بشكل يعكس التعديل الجوهري في سلوك هذا الفريق. أو على الأقل، هذا ما يقال حتى الآن.
المرحلة المقدّرة للتأليف هي شهر واحد بحسب الأوساط الفرنسية، وإلا إلى المزيد من الفوضى والإفلاس والأمن الفالت
أما بالنسبة للتقدمي الاشتراكي، فمن الواضح أنّ جنبلاط يحرص على عدم عرقلة المسعى الفرنسي، وإن كان غير متأكد فيما إذا كان هذا المسعى محصّناً بما يكفي لكي تقوم الحكومة العتيدة بالمهام الملقاة على عاتقها. ولهذا، سارع النائب تيمور جنبلاط إلى التأكيد أنّ فريقه لن يشارك في الحكومة العتيدة، من دون أن يحجب أصوات كتلته عن مصطفى أديب.
وحدها “القوات”، ككتلة نيابية، أبقت على ورقة نواف سلام صامدة، فأصرّت على ترشيحه في مواجهة الأكثرية المؤيدة للسفير الآتي من برلين. هي عملياً، خارج التسوية العابرة للحدود. وحتّى لو أُطلِعت على مضامينها، فهي تحرص على إنهاء ما تبقّى من عهد الرئيس ميشال عون (سنتان)، وهي في صفوف المعارضة، لأسباب كثيرة. وسواء أُغدقت عليها العروض أم لم تغدق، فهي تدرك جيداً أن هذه الحكومة دون نجاحها عقبات كثيرة، لعل أهمها غياب المظلة الخيليجة التي كان من الممكن أن تؤمّن لها الدعم السياسي والمالي. وعليه، صبّت أصواتها عند نواف سلام لتبقيه مشروع مرشح جدّي لرئاسة الحكومة كما فعل المشنوق ولكن بأسلوبه الخاص.
المرحلة المقدّرة للتأليف هي شهر واحد بحسب الأوساط الفرنسية، وإلا إلى المزيد من الفوضى والإفلاس والأمن الفالت.