بين بومبيو وشينكر وشيا، يعتبر البعض أنّ الضبابية هي المهيمنة على الموقف الأميركي تجاه الحراك الفرنسي في لبنان، إلّا أنّ العكس هو الصحيح، حيث إنّ التصريحات الثلاثة تكشف حقيقة موقف الولايات المتحدة من المساعي الفرنسية…
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عبّر عن أنّ “التنسيق قائم بين أميركا وفرنسا في لبنان”، كما أنّ شينكر قال عشية توجّهه لبيروت: “إننا على اتصال دائم مع الفرنسيين حول لبنان”، لكن تصريح السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا في حديث صحافي كان مختصرًا أوضحت مدى التنسيق قائلة: “اقتراحات الفرنسيين تخصّهم وحدهم”، ما يشير حتمًا إلى أنّ وجود التنسيق لا يعني أبدًا “الموافقة التامة” على كلّ المقترحات الفرنسية لمعالجة الأزمة في لبنان.
إقرأ أيضاً: باريس – واشنطن: الخلاف مستمر حول الحزب
مصادر أميركية أكّدت أنّ التنسيق لا بدّ منه بين باريس وواشنطن، حيث إنّ فرنسا هي حليف تاريخي واستراتيجي للولايات المتحدة وعضو في حلف شمال الأطلسي (النّاتو)، لكن يبقى هناك اختلاف في وجهات النّظر في بعض النّقاط الرئيسية في الملف اللبناني، وأبرزها حزب الله، الذي تتبنّى فرنسا نظرية الفصل بين جناحيه السياسي والعسكري، بينما الولايات المتحدة تصرّ على التعامل معه كمنظمة إرهابية. وهذا الخلاف ظهر في كلام شينكر الذي قد يُعتبر ردًا غير مباشر على كلام ماكرون، إذ قال إنّ “الحزب ليس منظّمة سياسية شرعية رغم حيازته على عدد كبير من الأصوات”.
شينكر عائد إلى لبنان بعد أسابيع للقاء المسؤولين، الذين عليهم أن يتحضّروا جيدًا لما سيسمعونه بالإضافة إلى ما تريد واشنطن منهم تقديمه في ملف ترسيم الحدود وصواريخ حزب الله الدقيقة ومراقبة الحدود والمرفأ والمطار
الخلاف بين واشنطن وباريس لا ينحصر فقط في التعامل مع حزب الله، بل مع منظومة الحكم الكاملة في لبنان، التي تعتبرها بعض الآراء في الإدارة الأميركية “متواطئة” في الفساد مع حزب الله. حيث إنّ كلّاً منهما يغطّي الآخر، وهذا ما نتج عنه بحسب الدوائر الأميركية “الانفجار في مرفأ بيروت” ضمن تنسيق عمل “الميليشيا ومنظّمات الفساد والنهب”. وهذا التنسيق بالمفهوم الأميركي سيُحاسَب قريبًا ضمن إطار قانون ماغنيتسكي. وتقول مصادر أميركية إنّ عليهم ألّا يسألوا بعد اليوم عن العقوبات إن كانت ستأتي أم لا، بل أن ينتظروا دخولها حيّز التنفيذ.
وتشير مصادر الخارجية الأميركية لـ”أساس” إلى أنّ شينكر عائد إلى لبنان بعد أسابيع للقاء المسؤولين، الذين عليهم أن يتحضّروا جيدًا لما سيسمعونه بالإضافة إلى ما تريد واشنطن منهم تقديمه في ملف ترسيم الحدود وصواريخ حزب الله الدقيقة ومراقبة الحدود والمرفأ والمطار.
المصادر الأميركية تقول إنّ واشنطن وباريس تختلفان على الملفّ اللبناني منذ اللقاءات الثلاثية التي كانت تعقد في أواخر العام 2019 بين شينكر والفرنسي كريستوف فارنو والبريطانية ستيفاني القاق، وأنّه ليس جديدًا
الخلاف الجوهري في النظرة إلى حزب الله بين أميركا وفرنسا والتعامل معه، يؤكّد نظرية أنّ “التنسيق لا يعني أبدًا الموافقة”. فواشنطن تعلم أنّ لباريس مصالح في لبنان وواشنطن تضمنها لها من مبدأ الشّراكة الإستراتيجية والتحالف، وذلك كونه على ساحل المتوسّط الذي يشهد صراعًا بين دول متعدّدة عماده فرنسا وتُركيا، يظهر خلاله انحياز الولايات المتحدة لفرنسا. وهذا ما عبّر عنه بومبيو في مؤتمره الصحافي الأخير بقوله: “ليس مجدياً زيادة التوتر العسكري في المنطقة”، وتبعه رفع لحظر السّلاح عن قبرص، ما أثار غضبًا في الأوساط السياسية التركية من هذه الخطوة التي يعتبرها المراقبون تصبّ في مصلحة الأوروبيين ورسالة أميركية لأردوغان. والأخير هاجمته الخارجية الأميركية قبل أيّام ببيان شديد اللهجة على خلفية استقباله وفداً “حماس”. وقالت مصادر الخارجية لـ”أساس” إنّ أردوغان جالس من تصنّفهم واشنطن بـ”إرهابيين”، خصوصًا الثنائي “التركي- الإيراني” اسماعيل هنية وصالح العاروري المدرج على قوائم الملاحقة الإرهابية، بالإضافة إلى أنّ أردوغان يرتكب أخطاءً تضرّ بمصالح واشنطن الاستراتيجية بتحرّشه الدائم باليونان (العضو بحلف الناتو) وقبرص وبقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى تنسيقه مع روسيا وإيران لتقاسم المصالح في سوريا وليبيا، وإصراره على شراء منظومة الـ S 400 الروسية، التي قد تُعرّض تركيا إلى عقوبات أميركية.
المصادر الأميركية تقول إنّ واشنطن وباريس تختلفان على الملفّ اللبناني منذ اللقاءات الثلاثية التي كانت تعقد في أواخر العام 2019 بين شينكر والفرنسي كريستوف فارنو والبريطانية ستيفاني القاق، وأنّه ليس جديدًا. ومن الواضح أنّ باريس تحاول أن تكسب للبنان بعض الوقت إلى حين اتضاح نتائج الانتخابات الأميركية ومصير الاتفاق المنتظر بين أميركا وإيران بعد الانتخابات، إذ إنّ باريس تخشى أنّ الفوضى في لبنان لا تصبّ إلا في مصلحة إيران على الساحة الشيعية وتركيا على السّاحة السّنية… فهل تتولّى واشنطن تقليم أظافر إيران وفرنسا تقليم الأظافر التركية في المتوسط؟