منذ ورود خبر اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد، وفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني يعاني تخبّطاً غير مسبوق على جميع الصّعد في الشّرق الأوسط، على الرغم من تعيين مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بشكل سريع لاسماعيل قاآني كخلف لسليماني مصحوبًا بدعاية من محور “الممانعة” عن “شراسته” و”دهائه” وقربه من سليماني طيلة عشرات السنين وما سوى ذلك. إلّا أنّ الرّجل شكّل علامة فارقة حقيقة في نجاح الولايات المتحدة بتزكية مصطفى الكاظمي كرئيس للوزراء في العراق.
إقرأ أيضاً: إيران تقبض على المنطقة بدم سليماني
لا شكّ أنّ اغتياله كان ضربة أشدّ من تفجير مفاعل “نطنز” النووي لإيران. سليماني، يد التيار المحافظ الضاربة في إيران وخارجها، كان قد زرع ميليشيات “متعدّدة الجنسيات” في بلاد متعدّدة في الشّرق الأوسط، وحتّى خارجه، كبعض البلاد الأوروبية وأميركا الجنوبية وحتّى في بعض البلدان الأفريقية كنيجيريا، بحسب مصادر واسعة الإطلاع. فالجنرال الإيراني كان يدير إمبراطورية خاصّة به يعرف أدقّ تفاصيلها، قام ببنائها على مدى عشرات السّنين، حتّى جاءته طائرة الـ MQ-9 Reaper التي كانت تنتظر خروج موكبه من مطار بغداد لتطلق صواريخ الـAGM-114 Hellfire التي أتت على الموكب ومن فيه.
بحسب مصادر أميركية مُطّلعة على الملف الإيراني، فإنّ عمليات قوّة القدس الإيرانية شهدت تراجعًا دراماتيكيًا منذ مقتل سليماني
ما لا يعرفه الكثيرون عن خليفة سليماني اسماعيل قاآني أنّه كان مُتفرّغًا للملف الأفغاني والتنسيق مع حركة طالبان وبعض الحركات الأخرى في أفغانستان. ولا يملك أيّ خبرة أو اطلاع على أيّ ملف آخر سوى هذا الملف، كما تقول مصادر مُطّلعة على المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران الجارية في عُمان. وتضيف أنّ تعيين قاآني كقائد لفيلق القدس أعطى دفعًا مُهمًا للمحادثات وذلك لأنّ اغتيال سليماني شلّ يمين إيران بشكل كلّي، فكانت يسارها عاجزة عن تغطية الفراغ الكبير الذي يُجمع عليه المُطلعون على النشاط الإيراني في الشّرق الأوسط.
وبحسب مصادر أميركية مُطّلعة على الملف الإيراني، فإنّ عمليات قوّة القدس الإيرانية شهدت تراجعًا دراماتيكيًا منذ مقتل سليماني. تراجع بدا واضحًا في العراق على وجه الخصوص، حيث إنّ قاآني لم يستطع أن يجمع القوى الشيعية المتحالفة مع طهران على كلمة واحدة في اختيار خلف لعادل عبد المهدي. وذكرت معلومات خاصّة لـ”أساس” أنّه في إحدى الاجتماعات الحكومية التي شهدتها بغداد على خلفية التظاهرات التي نادت بسقوط حكومة عبد المهدي، دخل سليماني بشكل مفاجئ ليرأس طاولة الاجتماع، وقام بسحب مسدّسه ووضعه على الطاولة معلنًا أنّه هو من سيتولى الإشراف شخصيًا على قمع المتظاهرات مؤكدًا على عبد المهدي ضرورة عدم الاستقالة و”تسليم العراق للأميركيين” الذين يتهمهم سليماني بأنّهم من يقف خلف التظاهرات.
هناك عجز يعانيه قاآني مع القوى الشيعية العراقية، وخصوصًا زعيم التيار الصّدري مُقتدى الصّدر، الذي تقول المصادر إنّ “سليماني كان خبيرًا في تطويعه”. فالصّدر أعطى موعدًا لقاآني حين زار العراق في شهر نيسان الماضي. وقبل ساعات من الموعد قام الصّدر بإلغائه، باعثًا برسالة مكتوبة لقاآني يعلن فيها إنّه يرفض “التدخل الأجنبي بشؤون العراق”. وفي الوقت عينه، تلقى الجنرال المُستجدّ على العراق ضربة من المرجعية العليا في النّجف، التي رفضت إعطاءه موعدًا للقاء المرجع السّيد علي السيستاني.
طهران لم تعد تجد ما تضغط به على واشنطن في العراق سوى بضع صواريخ خفيفة تُطلقها باتجاه المنطقة الخضراء التي تضمّ السفارة الأميركية ومطار بغداد
تقول المصادر إنّ شخصية قاآني تفتقر للكاريزما والحزم اللذين تميّز بهما سلفه، وعدم معرفته بالسّاحة العراقية وزواريبها والتعامل مع قادة المليشيات المتناحرين فيما بينهم أساسًا، كما أنّه لا يتكلّم إلا الفارسية. في حين كان سليماني يوبّخ قادة الميليشيات والقوى السياسية باللغة العربية الفصحى. كلّ هذه العوامل أدّت إلى تشرذم ايران في العراق، وأدّت لأن تُقدّم تنازلًا للولايات المتحدة بقبول تعيين مصطفى الكاظمي رئيسًا للوزراء، رغم أنّ كتائب حزب الله العراقية كانت قد وجّهت له أصابع الاتهام بالضلوع في اغتيال سليماني.
وتضيف المصادر أنّ طهران لم تعد تجد ما تضغط به على واشنطن في العراق سوى بضع صواريخ خفيفة تُطلقها باتجاه المنطقة الخضراء التي تضمّ السفارة الأميركية ومطار بغداد. وتؤكّد المصادر أنّ طهران تتعمّد عدم استهداف السّفارة بشكل مباشر، كونها تعلم جيدًا ردّ الفعل الأميركي على ذلك، خصوصًا أنّ اغتيال سليماني جاء بعد أيّام من محاولة مناصري الميليشيات اقتحام السفارة الأميركية ومحاصرتها، ما سرّع باتخاذ قرار الاغتيال.
ورجّحت المصادر أن تشهد المفاوضات الأميركية – الإيرانية اندفاعةً في حال تمّ إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وأنّ كلام ترامب عن قدرته على إبرام اتفاق جديد مع إيران خلال 30 يومًا ليس نابعًا من فراغ، بل من أسس تمّ الاتفاق عليها على طاولة عمان، ستُترجم بشكل سريع بحال نجح ترامب بحسم المعركة الانتخابية لصالحه.