بقلم ليز سلاي* Liz Sly، واشنطن بوست.
ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بكورونا المستجدّ منذ الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت بدأ يفاقم بؤس لبنان، في وقت يعاني البلد فعلاً من الانحدار بسبب الأزمات المتداخلة المالية والاقتصادية والسياسية.
منذ انفجار حوالى 2700 طنّ من نيترات الأمونيوم في 4 آب، بحريق ما زال غير مفهوم في عنبر بالمرفأ، تضاعف العدد الإجمالي لإصابات الكورونا إلى 12.191 يوم السبت (22 آب)، وهو ما دفع الحكومة إلى فرض إغلاق جزئي، بدأ يوم الجمعة الفائت.
إقرأ أيضاً: الشفاء في دماء المتعافين: علاج الكورونا في مستشفى رفيق الحريري
وتُعزى هذه القفزة في الإصابات جزئياً إلى الذعر العام الذي ساد بيروت عقب انفجار دمّر ثلاثة أحياء مجاورة للمرفأ، وألحق الضرر بالممتلكات على مدى أميال من المكان، إضافة إلى الإصابات التي تسبّب بها. عشرات الآلاف من الجرحى والمصدومين خرجوا إلى الشوارع من دون كمّامات أو تباعد اجتماعي.
تخلّى البيروتيون المذهولون عن كلّ الاحترازات من الفيروس، عندما تدفّقوا على المستشفيات لعلاج جراحهم أو للبحث عن أصدقائهم وأقربائهم المفقودين. كما أنّ الآلاف نزلوا إلى الأماكن المدمّرة للمساعدة في أعمال الإنقاذ والتنظيف. لذا، كان متوقّعاً على نطاق واسع، ارتفاع مفاجئ في عدد الإصابات بكورونا.
ما يقدّر بـ 300 ألف شخص مشرّد لجأوا إلى الأصدقاء أو الأقرباء، أو انتقلوا إلى أماكن إيواء، ما زاد من الازدحام. دُمّرت ثلاث مستشفيات، منها التي استقبلت عدداً كبيراً من مرضى الكورونا في بيروت، ما قيّد قدرة لبنان للعناية بالأعداد المتزايدة من الحالات.
ثمّة أمثلة عدّة عن أناس يشاركون في الأعراس، وفي الجنائز، وفي الحفلات، ثم يتلقّون نتائج إيجابية لفحوصهم
لكنّ لبنان كان يتجه إلى أزمة كورونا حتى قبل الانفجار، كما يقول خبراء الصحة. لقد حاز البلد على استحسان منظمة الصحة العالمية لاحتوائه الوباء في الأسابيع الأولى من انتشار الوباء، لكنّ الأعداد بدأت الآن تتصاعد.
“يُلام الانفجار جزئياً، لكنه ليس الانفجار وحده، ما سبّب ارتفاع الأعداد. كان لدينا بوضوح ارتفاع متصاعد”، يقول مدير أكبر منشأة طبية لبنانية تتعامل مع الكورونا، مستشفى رفيق الحريري الجامعي، الدكتور فراس أبيض.
وغداة الانفجار، ذكّر أبيض الناس بتغريدة له بمخاطر تصاعد أعداد الإصابات بكورونا، التي سوف تفوق القدرة قريباً على توفير أسرّة للمرضى. ونجاح الإغلاق لشهرين تقريباً (في الربيع الفائت) تسبّب بتراخي الكثيرين فور رفع القيود، كما يقول أبيض.
الفيديوهات المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت حشود اللبنانيين في الشواطئ، وفي المنتجعات الجبلية، وفي النوادي الليلية. يكشف أحد هذه الفيديوهات كيف يسخر محتفلون صراحة من التهديد الذي يمثّله الفيروس، من خلال التطواف حول النادي الليلي حاملين كفناً.
الأكثر أهمية هو فشل المسافرين في اتباع المقتضيات الصارمة في المطار بالنسبة للواصلين إلى لبنان. كما فشلت الحكومة في فرض الإجراءات عليهم. وتتضمّن هذه الإجراءات فحصاً إلزامياً عند الوصول، يتبعه حجر إلزامي لمدّة 48 ساعة إلى أن تظهر نتيجة الفحص.
وثمّة أمثلة عدّة عن أناس يشاركون في الأعراس، وفي الجنائز، وفي الحفلات، ثم يتلقّون نتائج إيجابية لفحوصهم، كما قال أبيض.
ما يزال لبنان متخلّفاً عن بلدان أخرى في نسبة الإصابات إلى عدد السكّان، وتبلغ 1700 حالة لكلّ مليون نسمة، بالمقارنة مع أكثر من 17 ألف حالة لكلّ مليون نسمة في الولايات المتحدة، وفق إحصاءات الحكومة اللبنانية وجامعة جون هوبكينز الأميركية.
لكنّ القفزة في عدد الإصابات في الأيام الأخيرة – من أكثر بقليل من 100 إصابة جديدة يومياً قبل شهر إلى أكثر من 600 إصابة يومياً منذ يوم الخميس (20 آب) – تفترض أنّ الفيروس في طريقه للخروج عن السيطرة، كما يقول خبراء الأمراض المُعدية.
بالنسبة لأعداد المصابين، لسنا في وضع سيء كما في بعض البلدان، باستثناء أنّ ارتفاع الأعداد يصيبنا على أرضية انهيار اقتصادي ومالي، فضلاً عن آثار الانفجار
“الأعداد تزداد بسرعة كبيرة، ونرى إشارات نموّ عمودي”، تقول الأستاذة المساعدة للأمراض المُعدية في الجامعة الأميركية في بيروت غنى ممتاز: “عندما تزداد الأعداد بهذا الشكل، فسترتفع كثيراً جدّاً وبسرعة كبيرة”.
أما إذا كان الإغلاق الجزئي والمتقطّع سيكبح الانتشار، فتلك مسألة أخرى تواجه لبنان. لقد أمرت الحكومة بإغلاق معظم المحالّ التجارية مع المطاعم، والمقاهي والبارات. كما أعلن منع تجوّل صارم ما بين الساعة السادسة مساء والسادسة صباحاً في العاصمة.
لكنّ هذه القيود لا تُراقَب بصرامة، لأنه في الأساس، حتى اللبنانيين الذين لم يتأثّروا بالانفجار، هم الآن يصارعون من أجل الحياة. وتقدّر الأمم المتحدة أنّ نسبة الفقر في لبنان ارتفعت من 28% العام الماضي، إلى 55% في شهر أيار، أي قبل ثلاثة أشهر من الانفجار. ومن المؤكّد تقريباً، أنّ هذه النسبة باتت أعلى الآن، كما يقول مسؤولو الأمم المتحدة.
“بالنسبة لأعداد المصابين، لسنا في وضع سيء كما في بعض البلدان، باستثناء أنّ ارتفاع الأعداد يصيبنا على أرضية انهيار اقتصادي ومالي، فضلاً عن آثار الانفجار”، على حدّ تعبير مديرة قسم الأمراض المُعدية في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت سهى كنج: “في البلدان الأخرى، عليهم مواجهة وباء كوفيد. هو فقط. هنا الناس يتأذّون مالياً واقتصادياً، ثم تأتي وتقول لهم: عليكم أن تقفلوا محالّكم وأعمالكم لأسبوعين. هذا كثير جداً”.
- مديرة مكتب الواشنطن بوست في بيروت
لقراء النص الأصلي اضغط هنا