رغم وجود الموفد الفرنسي وزير الدولة لشؤون السياحة وفرنسيي الخارج والفرنكوفونية جان باتيست لوموين في بيروت وجولاته برفقة السفير برونو فوشيه على المراجع والقيادات الرسمية والسياسية، لا يبدو أنّ الحكومة العتيدة ستولد قبل زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الجديدة المقرّرة مطلع الشهر المقبل للمشاركة في الاحتفال بمئوية قيام “دولة لبنان الكبير”. هذا لأنّ التعقيدات القائمة حول عملية اختيار اسم الرئيس المكلف، والتشكيلة الوزارية، وحجمها، ومواصفاتها تحتاج إلى جهود جبّارة لتفكيكها، بحسب قول مصادر المشتغلين في ورشة التكليف والتأليف الحكومية لـ”أساس”.
إقرأ أيضاً: ماكرون: لبنان لن يعود بعد 4 آب كما كان
تعقيدات كثيرة وكبيرة، لكنّ هذه المصادر توجزها بالآتي:
أوّلاً، رئيس الجمهورية ميشال عون يأخذ وقته قبل أن يدعو إلى الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف الرئيس العتيد، ولا شيء دستورياً يلزمه بمهلة لإطلاق هذه الدعوة (وهذه إحدى الثغرات في “اتفاق الطائف” والدستور الذي انبثق منه) وفي إمكانه أن يبقى على هذه الحال إلى ما يشاء، خصوصاً إذا لم تحصل تسوية خارجية تفرض وَحياً على القوى الداخلية ما يستولد الحكومة بين ليلة وضحاها.
ما طرح ويطرح من أسماء لرئاسة الحكومة لا تعدو كونها محاولة “جسّ نبض” لاستكشاف المواقف وردود الفعل على هذه الأسماء
ثانيا، لم يحصل اتفاق لا فرنسي ـ أميركي – عربي – خليجي، ولا خليجي – خليجي، ولا بين القوى السياسية اللبنانية، على اسم الرئيس العتيد للحكومة، لا من ضمن نادي رؤساء الحكومة السابقين ولا من خارجه. فالأزمة المصيرية التي تعيشها البلاد سياسياً واقتصادياً ومالياً، تستوجب الإتيان برئيس حكومة بمواصفات تليق بالمعالجة المطلوبة لهذه الأزمة، سواءً عبر الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي ومجموعة الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، أو عير إصلاحات داخلية يفرضها الواقع اللبناني على مختلف الصعد. وبالإضافة إلى كلّ هذا، فإن الرئيس العتيد ينبغي أن يوحي بثقة للداخل والخارج قبل أن يُحظى بثقة عامة اللبنانيين…
ثالثاً، ما طرح ويطرح من أسماء لرئاسة الحكومة لا تعدو كونها محاولة “جسّ نبض” لاستكشاف المواقف وردود الفعل على هذه الأسماء. فيما العواصم المعنية بالشأن اللبناني، العربية والأجنبية، تدرك، مثلما يدرك الشارع اللبناني، أنّ لبنان بات يحتاج إلى حكومة ورئيس حكومة من نوع آخر يتجاوز الطبقة السياسية التي ثبت للخارج قبل الداخل أنّها تتحمل بغالبيتها المسؤولية الكبرى عما آل اليه وضع لبنان، سواء عن قصد أو عن غير قصد. وقمة الخطورة أنّ المجتمعين العربي والدولي لم يعد لديهما أيّ ثقة بالطبقة السياسية اللبنانية ويعتبرانها “فاسدة ومفسدة”. لذلك كان الاشتراط تنفيذ الإصلاحات قبل الحصول على القروض والمساعدات سواء عبر مقرّرات مؤتمر “سيدر” أو غيره. وحتى المساعدات الطبية والعينية التي يحصل عليها لبنان حالياً، بعد انفجار مرفأ بيروت، من هذا الدولة أو تلك، فقد باتت خاضعة لرقابة مقدّميها خوفا من تبديدها أو السطو عليها من هذه الجهة او تلك.
تساؤل وورقة
ويطرح كثيرون الآن سؤالاً كبيراً، وهو : في حال عدم ولادة الحكومة اللبنانية العتيدة خلال الايام المتبقية من الشهر الجاري، هل سيزور الرئيس مانويل ماكرون لبنان مطلع الشهر المقبل مشاركاً في الاحتفال بمئوية “دولة لبنان الكبير” التي انشأها المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو عام 1920 من القرن الماضي أيام الانتداب الفرنسي، لما تعنيه هذه المناسبة من اهمية بالنسبة الى فرنسا “الأم الحنون” في زمن سعيها الدؤوب إلى إعادة تفعيل حضورها ومصالحها التاريخية في بلد الأرز؟
والجواب على هذا السؤال يرجّح احتمالين: الأوّل أن يوفد ماكرون من يمثله في الاحتفال في حال عدم ولادة الحكومة ليرتّب زيارة دولة إلى لبنان لاحقاً، تكون تتويجاً لجهوده واتصالاته الضاغطة لتأليف حكومة برنامجها مضمون الورقة التي وضعها في حصيلة اتصالاته وبعث بها إلى المراجع المسؤولة والقوى السياسية التي اجتمع بها خلال زيارته الأخيرة لبيروت والمتضمّنة أفكاراً فحواها الآتي:
1ـ إصلاح قطاع الكهرباء، ووقف الهدر فيه الذي يستنزف مالية الدولة منذ عشرات السنين.
2ـ تنظيم قطاع الاتصالات وتطويره لأنّه يشكّل مورداً مالياً أساسياً لحزينة الدولة.
3ـ إصلاح القضاء وإقامة السلطة القضائية المستقلّة عن أي تدخّل سياسي.
4ـ ـ تطوير قدرات الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية بما يحقّق الاستقرار الأمني والعام في البلاد، وبما يمكّنها من اجتذاب الاستثمارات في مختلف القطاعات.
4ـ إجراء التدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان.
5ـ التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي حول أرقام الخسائر المالية لكي يبني الصندوق على الشيء مقتضاه في تمويل بعض القطاعات عبر قروض ميسّرة، ما يفتح الباب لتنفيذ مقررات “سيدر” التي ترعاها فرنسا.
هناك من يعتقد أنّ رئيس الجمهورية يفضل استمرار حكومة تصريف الأعمال ما لم يحصل اتفاق على حكومة يريدها أن تكون “رافعة” لعهده الذي مُني على مدى مسيرته وحتّى الآن بكثير من الإخفاقات
لكن ثمة شبه إجماع، في الأوساط المعنية بالتكليف والتأليف الحكوميين ولدى الرأي العام، على أنّ هناك استحالة لولادة الحكومة الجديدة في هذه العجالة، وأنّ المنادين بالعجلة في هذا المجال إنّما يزايدون أمام الآخرين ليظهروا أنفسهم غير معرقلين، وأن مصدر العرقلة هو الفريق الآخر الذي يجادل حول اسم الرئيس العتيد أو حول حجم الحكومة ومواصفاتها، وهل تكون حكومة اختصاصيين أم حكومة سياسية مكونة من أقطاب أو مكوّنة من كلّ التلاوين السياسية اللبنانية، فيما الجميع يعرف أنّ “الوحي” الخارجي لم يصدر بعد، ويبدو أنّه سيتأخر، أقله إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية في تشرين الثاني المقبل…
فعن أيّ حكومة قريبة يتحدّثون؟
هناك من يعتقد أنّ رئيس الجمهورية يفضّل استمرار حكومة تصريف الأعمال ما لم يحصل اتفاق على حكومة يريدها أن تكون “رافعة” لعهده الذي مُني على مدى مسيرته وحتّى الآن بكثير من الإخفاقات بسبب ممارسات بعض معاونيه الكبار من جهة واشتباكاته مع آخرين من جهة ثانية، علما أنّ الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي الذي تعيشه البلاد منذ أواخر العام الماضي وإلى الآن شكّل ولا يزال يشكل قمة إخفاقات “العهد القوي”.