هل يكفي قرار المحكمة لوقف سلاح الاغتيالات؟ ملاّط: خطأ جسيم في الحكم…

مدة القراءة 5 د


هل أنصفت المحكمة الخاصة بلبنان الشهيد رفيق الحريري في حكمها الذي أصدرته في الثامن عشر من آب 2020 بعد 11 سنة من التحقيقات والجلسات والإنفاق الخيالي عليها؟ أم أنّه جاء مخيباً للآمال ومثيراً لعلامات الاستفهام حول أبعاده وكيفية استثماره في السياسات الدولية والإقليمية، خاصة مع تصاعد الحديث عن صفقة مرتقبة يجري إعدادها بين إيران والدول الكبرى؟

أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان سليم عياش “المتهم الرئيس باغتيال (الرئيس الشهيد رفيق) الحريري”، وقضت في حكمها ببراءة 3 متهمين “لعدم كفاية الأدلة” وهم أسد صبرا وحسن عنيسي وحسن مرعي، و رأت أنّه لا دليل على مسؤولية قيادتي حزب الله وسوريا في اغتيال الشهيد الحريري، وأنّهما رغم الإفادة من الاغتيال، غير أنّه لا يوجد دليل على مسؤولية قيادتي الحزب وسوريا في الاغتيال، مؤكّدة أنّ الاغتيال عملية إرهابية تم تنفيذها لأهداف سياسية. وأنّ المتهمين ينتمون لـ”حزب الله”.

إقرأ أيضاً: أهالي الضحايا لـ”أساس”: المحكمة قتلتنا مرّتين

هل هذه هي الحقيقة التي انتظرناها طيلة 15 عاماً تلت اغتيال رفيق الحريري؟ وهل يمكن فصل توقيت القرار عن المسار الدولي القائم على بازار مفاوضات يتفاعل على كامل رقعة خريطة المنطقة؟

هل علينا أن نتفاجأ بهذه النتيجة، وقد كان معروفاً أنّ المحكمة لن تطال أحزاباً ولا كيانات ولا رؤساء، وسيقتصر حكمها على الأفراد بعد الاشتراط الروسي لهذه المواصفات لتمريرها في مجلس الأمن؟

هذا قبل أن يخبرنا بالأمس “متفاخراً بما هو مهين” وزير العدل السابق شارل رزق، أنّه كان يلتقي عند كل تعديل في نظام إنشاء المحكمة السيد حسن نصرالله مناقشاً إياه بالنصوص الواجب اعتمادها، ويضيف في “خريف عمره ووعيه” أنّ صفته الوزارية حالت دون إطلاع رئيسي الجمهورية والحكومة على لقاءاته بنصرالله أو نتائج هذه اللقاءات من تعديلات على نظام المحكمة حتى حصل على “الرضا السامي” على ما فعله نصاً وقولاً.

في مقاربة القرار الصادر عن المحكمة أمكن رصد نقاط قوة في القرار، أبرزها أنّها أدانت المتهمين، ورغم مقتل مصطفى بدر الدين وانعدام إمكانية محاكمته، أصرّت المحكمة على إيراد الحيثيات المتعلّقة به، باعتباره قائداً عسكرياً لـ”حزب الله”، كما أكّدت وجود مصلحة للنظام السوري باغتيال الحريري وأنّ بدر الدين بصفته العسكرية شارك في الاغتيال، وحرصت على ذكر أنّ الحزب قد نعاه، وأنّها على ثقة تامة بعلاقة سليم عياش بالحزب.

خلصت المحكمة إلى أنّ المجموعة التي اغتالت رفيق الحريري هي مجموعة من “حزب الله”، وأنّ الاغتيال جاء في مصلحة نظام الأسد و”حزب الله” لأنه حصل على خلفية المطالبة بتطبيق القرار 1559 الداعي إلى الانسحاب السوري من لبنان وحلّ الميليشيات وسلاح الحزب. 

وقع خطأ جسيم في الحكم بحسب معيار القانون الجزائي اللبناني والدولي والمتمثّل في فصل الدافع عن الجريمة لأهميته في تكوينها

في المقابل، كان الجميع ينتظرون القرار لا ليعرفوا الهوية الشخصية للضالعين في جريمة اغتيال رفيق الحريري، فهي معلنة، بل ليعرفوا مرجعية هؤلاء الذين لا يمكن الاقتناع بأنهم تمكّنوا من ارتكاب جريمة بهذا الحجم بدون غطاء تنظيمي وأمنيّ كبير، خاصة أنّ الأمين العام لـ”حزب الله” أعلن بوضوح انتماءهم إليه، بل صنّفهم في عداد القدّيسين معلناً رفضه تسليمهم.

المحكمة منذ نشوئها مقيّدة من الناحية العملية بسقفٍ محدّد لا يمكنها تجاوزه، ولا يتيح للعدالة أن تخترق الخطوط المرسومة لتحديد قواعد اللعبة السياسية والأمنية، ولهذا، فإنه في كثير من بنود قرارها جاءت متناقضة مثل القول بانتماء المجرمين إلى “حزب الله” لكنّها لا تمتلك الأدلة على مسؤولية قيادة الحزب عن مشاركتهم في الجريمة.

ربما لم ينتبه اللبنانيون في خضمّ المجاهدة لطلب العدالة إلى القيود المسبقة التي فرضتها روسيا في إطار التضامن بين الأنظمة الديكتاتورية والتحالف القائم بينها وبين إيران، وهذا ما يؤتي ثماره الآن لوضع الحدود على إمكانية إنزال العقاب بالمجرمين.

المحامي والبروفسور في القانون شبلي ملاط خاطب بالأخص أهل الضحايا طارحاً تساؤلات عدة:

ــ ننتظر تسليم “حزب الله” الجناة الذين أدانتهم المحكمة فوراً، وقد أثبتت المحكمة انتماءهم له. واذا استمرّ في الرفض، على أجهزة الدولة اللبنانية أن توقفهم.

ــ وقع خطأ جسيم في الحكم بحسب معيار القانون الجزائي اللبناني والدولي والمتمثّل في فصل الدافع عن الجريمة لأهميته في تكوينها.

ــ ولأنّ الدافع موجود لكلّ من الرئيس السوري والأمين العام لـ”حزب الله” كما جاء في القرار، لماذا لم يتمّ التحقيق شخصياً معهما قبل النطق بعدم وجود مسؤولية جزائية لهما طوال هذا الوقت؟

اعتبر الرئيس سعد الحريري أنّ المحكمة الدولية أثبتت أنها غير مسيّسة أو موظفة لاستهداف أيّ جهة

ودعا ملاّط ذوي الضحايا إلى تحضير الاستئناف لجهة تقصير القرار، الصادم في عدم توفيره العدل الذي انتظروه منها، ولم يحصلوا عليه اليوم.

تبرز في سياق رصد التداعيات مسارعة الرئيس نجيب ميقاتي إلى إعلان ترشيحه سعد الحريري لتشكيل الحكومة بعد زيارته دار الفتوى يوم 18 آب ومع بدء النطق بالحكم، وفي هذا استباق للخطوة الآتية على المستوى السياسي.

اعتبر الرئيس سعد الحريري أنّ المحكمة الدولية أثبتت أنها غير مسيّسة أو موظفة لاستهداف أيّ جهة، وأنّ المطلوب ممن يحمي القتلة تسليمهم للعدالة، ومن يحميهم فليتحمّل المسؤولية، وأنّه لا يشعر بخيبة أمل من الحكم الذي يؤكد أنّه انتهى زمن الإفلات من العقاب.

لكن يسأل كثيرون: هل قرار المحكمة هذا كافٍ فعلاً لردع أصحاب نهج الاغتيال السياسي ولمنعهم عن ارتكاب المزيد من الجرائم خاصة أنّ قرارها أكّد أن “الهدف الأساسي من اغتيال الحريري كان زعزعة الاستقرار في لبنان”. وإذا كان كافياً هل يجب على سعد الحريري الذهاب إلى التعايش، في تكرار لتراجيديا كمال ووليد جنبلاط ورينيه ونايلة معوض.. واللائحة تطول؟

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…