نخسر المرفأ، لنربح رافعة كاميرا تصوّرنا والبنايات كبواخر تغرق على الإسفلت.
نخسر رصيف المرفأ، ونربح مارّة يمرّون ويصوّروننا للفرجة السياحية الثورية.
نخسر الأهراءات، ونربح صوامع تراب تحت الأرض لقمح أرواحنا.
نخسر الناس من بني آدم وحواء، لنربح شياطين الأرض وتحت الأرض.
نخسر الصنوبرة والجمّيزة وكرم الزيتون. نعصر الغصّات كزيت سيارات لمواكب سياسية مسرعة بنا عكس سير التاريخ البشري نحو العصر الحجري.
يصرخون حولنا: “هيّا بنا إلى الصوّان لإشعال النار، وحكّوا المال من تيكوتاك ويانصيب”.
نخسر الأرض، لنربح حبة تراب.
نخسر البحر، لنربح علبة طون.
نخسر الشمس، لنربح شمس الغنية وشمس الشموسة وشمس الحقّ.
نخسر السهل، لنربح كيس طحين.
نخسر كيس الطحين، لنبتهج بربطة خبز.
نخسر الشاطئ، لنربح كيس رمل.
نخسر مدينة، لنربح جداراً.
نخسر أطفالاً، لنربح علبة حليب.
نخسر ثورة، لنربح ثروة من نشرات الأخبار.
نخسر أمّتنا وأمهاتنا، ونربح أمماً متحدة لترعانا كأيتام.
نخسر بيتاً، لنربح خيمة.
نخسر فندقاً، لنربح سجناً.
نخسر ما فوق الأرض، لنربح ملجأً تحت سابع أرض.
نخسر المستشفى، لنربح ثلاجة لحفظ الجثث.
نخسر مصرفاً، لنربح رصيداً متراكماً من الموتى بلا موت على أبواب البنوك كأشباح.
نخسر النهر، ونربح قنينة مياه.
نخسر قوس قزح، ونربح مذيعة بالألوان، ومذيعاً بالألوان.
نخسر جمال الليل، لنربح ثياباً سوداء وطرحات سوداء.
نخسر طبلة الأذن، لنربح طبول الحرب ومطبّلين يطبّلون كأننا سعادين.
نخسر المطبخ، لنربح طنجرة ممتلئة بالهواء، لنطبخ الهواء ونأكل الهواء ونطير في الهواء.
نخسر العيش، لنربح إعاشة.
نخسر وطناً مشرّعاً على كلّ الأبواب لنربح معبراً!
نخسر بكلّ بساطة، جسدنا لنربح فماً ليهتف: “بالروح بالدم نفديك يا..”.
نخسر المستشفى، لنربح سيارة إسعاف صنع في اليابان.
نخسر اليابان، ونربح كارلوس غصن.
نخسر العالم المفتوح على مصراعيه، ونربح زاوية في الزاوية وننزوي في زاوية بحر أبيض متوسط بالدم.
نخسرشرطي السير، لنربح محاضر ضبط لمرورنا عكس سير التاريخ والجغرافيا.
نخسر قماش الجسد، لنربح لافتةً بين بنايتين.
نحن المقمّطين بلافتات ثورية منذ طفولتنا وشعارات من خام وخيش.
نخسر المطار، ونترك الكوابيس الطائرة حولنا في إقلاع وهبوط.
نخسر الجمارك، ونربح ألسنةً و”حكي ماعليه جمرك”.
نخسر بئر النفط، لنربح تنكة بنزين.
نخسر حقول الغاز، لنربح قدّاحةً. والزعيم القدّاحة يقدح شرراً من خطابات قادحة مقدوحة، ونحن على الشاطئ اللبناني مرميين كالقدّاحات الفارغة ننتظر الغاز لنستحمّ به ونشتعل.
لن نربح ونفوز ونكسب، إلا إذا اعترفنا بأنّنا نخسر كبشر، ونعترف بالهزيمة كيابانيين. ننهض من “هيروشيميتنا” ونعاقب أنفسنا على كلّ إمبراطور، وإلا لن نكون سوى مواطنين مدمنين في لبنان الكازينو، وكازينو لبنان لمقامرين، نلعب لنخسر أو يتلاعبون بنا كفيش على موائد العالم…
إقرأ أيضاً: كفوف أيها المصفقون…