قضى الرئيس رفيق الحريري غدراً يوم الاثنين في 14 شباط 2005. لكن رفيق الحريري، الأثر والرمز، الصورة والذكرى، الهالة والنموذج، لم ينقضِ طوال 15 عاماً، من زمن التقصّي والتحقيق والمحاكمة. ما زال حيّاً في المعادلات، والمناقشات، والتوافقات، والاختلافات، على الرغم من أنّ ما بناه يندثر تدريجياً، ومشروعه الحلم يتلاشى على نحوٍ بطيء ومتسارع، بحسب الظروف صعوداً وهبوطاً.
إقرأ أيضاً: تعالوا نحمِ حزب الله من مأزق المحكمة الدولية
ما زال اسمه على ألسنة خصومه ومحبّيه على حدّ سواء. لم يتمكّنوا كلّهم من تجاوز لحظة الغياب، فكأنه حاضر بينهم، في كلّ مسألة سهلة أو شائكة، في كلّ اجتماع حزبي، في كلّ لجنة نيابية، في كلّ معارضة، في كلّ موالاة، في القصور كما في الشوارع. تغلّب عليهم كلّهم، في مماته أكثر مما فعل أثناء حياته. هل هذا لتفوّق فيه أم لنقص فينا؟ هل هو نموذج نجاح لا يضاهى، ونحن نمط فشل لا يجارى؟
صفحة رفيق الحريري لم تنقلب مع اغتياله. تجمّد الزمان حيث قضى، وعلقنا معه هناك. لا نقوى على التجاوز، ولا على استرجاع الماضي. نفنى نحن وتنقضي أجيال، وذكراه عالقة، كما الآمال التي لما تزل متعلّقة ببقية إرث. ميراثٌ لم ينتقل قط، بل كان شبه انتقال لم يكتمل، وعدنا القهقرى بعد سنوات إلى ما قبل اللحظة المشؤومة. ألم أقل إنه يرفض الرحيل؟ فماذا يعني هذا؟ إنّ حضوره معضلة، وغيابه عويص.
صفحة رفيق الحريري لم تنقلب مع اغتياله. تجمّد الزمان حيث قضى، وعلقنا معه هناك. لا نقوى على التجاوز، ولا على استرجاع الماضي
نقتاتُ أزمةً مذ غاب. نجترّ الضياع. نحار في تدبير الراهن وإدارة الحال، فضلاً عن التطلّع إلى المستقبل، كما كان ديدنه دائماً. فهل تكون العدالة هي الشفاء لنا جميعاً، فتنقلب الصفحة أخيراً، وننطلق في حرية بناء مكان أفضل لجيل اقترب من اليأس؟ كان طاقة إيجابية في وطن سلبي. وبموته، انكشفت مفارقة هائلة بين ما هو محتمل افتراضاً، وما هو ممكن حقاً. سقطت الغشاوة عن الأعين الحالمة. بتنا نرى أنفسنا جيداً في المرآة الصافية. غاب “الوسيط” بينا وأنفسنا. لا أوهام لذيذة بعد اليوم، بل وقائع مؤلمة.
فزعنا عندما غاب، وتفاقم فزعنا مع الوقت. جاءنا فجأة، وذهب غفلة، تاركاً فينا كلّنا حفرة عميقة.