كفوف أيها المصفقون…

مدة القراءة 3 د


تعرفونني جيداً أيها الواقفون الآن أمامي وخلفي وعن يساري ويميني. (تصفيق).

أعرف أيديكم وهي تعرق أمام أبواب المصارف، أيديكم التي تهزّ أمام أبواب المستشفيات ومرعوبة أمام الصيدليات، وترفرف مذبوحة أمام رفوف السوبر ماركت.

أعرف أيديكم، وهي تدفع عرق جبينها، وتقبض على اللاشيء…

يد على ربطة خبز، ويد على قلب على مشارف سكتة قلبية…

إسمعوني

أعطوني آذانكم. (تصفيق)·

إسمعوني جيداً. لا صوت يعلو فوق صوتي. (تصفيق).

صفّقوا لي (تصفيق).

أنا صوتكم الأعلى والأوطى رغماً عن أنفكم. أنا حنجرتكم، أنا الرئة التي تتنفسون منها.

سأقطع أنفاسكم، أعطوني أعينكم. (تصفيق). هل تبصرونني؟ أنا العين التي تعلو على الحاجب. أنا بؤبؤكم. أنا القرنية والقزحية والشبكة العنكبوتية، لأراكم في لقطة واحدة. أعطوني أعينكم لأنوّمكم مغناطيسياً… ناموا، ناموا، ناموا، عودوا إلى الكهف.

أيها المصفّقات والمصفّقون.

صفّقوا لي. أنا الصفقة الكبرى والصغرى. يا بني صفقة يا أولاد الصفقة. أعطوني أفواهكم (تصفيق). افتحوا شفاهكم المزرقّة من العطش والجوع ومدّوا ألسنتكم. سأعلّمكم النطق بالخرس، تكمّموا بالصمت… صفّقوا فقط لا غير.

أعطوني رؤوسكم (تصفيق تصفيق).

أعطوني أرواحكم. (تصفيق تصفيق).

لن يبقى حجر على حجر. (تصفيق).

لن يبقى بشر على بشر. (تصفيق).

لن يبقى ثمر على ثمر. (تصفيق).

لن يبقى شجر على شجر (تصفيق)… أنا الأرزة، والصنوبرة، والزيتونة، والعريشة التي ستعربش عليكم، وتلفّكم ورق عريش إلى أفران الحرب (تصفيق).

سأذبحكم بالسكين، بالشفرة، بظفري، (تصفيق). سأقتلكم (تصفيق). سأنفيكم (تصفيق). الموت لكم. مارأيكم؟ (تصفيق).

لا ماء لكم (تصفيق). ولا ماء في أنهاركم بلا ينابيعي (تصفيق). لا هواء لكم إلا من نفخة صوتي.. انفخوا، انتفخوا، (تصفيق).

ولا هواء في الهواء إلا من أوكسجيني ونياتروجيني أنا الجيني والجينيات. (تصفيق).

لا تراب لكم (تصفيق)… ولا تراب في التراب إلا من صلصالي… سأصلصلكم وأصولكم بغربالي كحبات العدس.

سأجوّعكم· ستحلمون بالخبز (تصفيق)… سأعطّشكم، وبعد أن تيبس حلوقكم سأحرقها (تصفيق).
أنتم نكرة (تصفيق). أنتم غبار حذائي (تصفيق). أنتم حذائي أيضاً (تصفيق)… أنتم نِعَال (تصفيق).

أنا زعيمكم وخطيبكم إلى أبد الأبد… لا نجم سواي، لا مطرب، ولا مغنّي، ولا عازف سواي. أنا الكلمة، واللحن، والحنجرة، والعود، والكمنجة، والتخت الشرقي، والربع صوت. وأنتم ماذا؟ أنتم فقط مُصفِّقون لعلعوا لي (تصفيق). أسمعوني أكثر! أطربوني أكثر! أكثر!

أين أيديكم أين كفوفكم أين أنتم؟ أين أطرافكم ؟ شعب بلا أطراف!

وهذا ما جرى لتلك البلاد، حيث أهلها أصبحوا بلا أكف ولا أذرع ولا أصابع وصاروا يصفقون بألسنتهم الخرساء، بعد أن فقدوا أيديهم من كثرة التصفيق. ويقال إنهم بحاجة إلى كف ليستيقظوا من مهنتهم كمصفّقين. وينتظرون أجنحة لتصفق بهم بعيداً.

إقرأ أيضاً: عن شاعر ديكتاتور، طاغية، سفّاح، جزّار

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…