ماذا بعد استقالة الحكومة؟ هل نحن أمام مرحلة تصريف أعمال طويلة الأمد؟ أم أنّ الجهود التي تبذل خلف الكواليس ستسرّع إجراءات التكليف والتأليف؟ ماذا عن مواقف الدول المعنيّة؟
عملياً، صارت حكومة حسان دياب خلفنا والبديل ليس جاهزاً. طُويت صفحة دياب بشكل نهائي. قضى على حكومته زلزال الرابع من آب. حتّى “حزب الله” وجد نفسه غير معنيّ بحمايتها بوجه حلفائه من جهة، ومكوّناتها من جهة أخرى التي سارعت إلى الهروب من المركب الآخذ في الغرق. فتُرك رئيس الحكومة لمصيره ولرمال وزرائه المتحرّكة.
إقرأ أيضاً: الحكومة ماتت… ولا بديل قبل أشهر
كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن حكومة وحدة وطنية كان إشارة واضحة المعالم لا تحتاج إلى متخصّص في اللهجات اللبنانية لفكّ أحجيتها، بأنّ الإصلاحات البنيوية يفترض أن تمرّ في حكومة تُحظى بغطاء لبناني كامل لا يستثني أياً من المكوّنات، من دون أن يعني ذلك أنّ شكل الحكومة معقود للنماذج التقليدية السابقة من حكومات الوحدة الوطنية التي تولّت لسنوات السلطة التنفيذية.
ماكرون استخدم عبارة “حكومة وحدة وطنية”، لكنّه لم يقصدها. كان المقصود “تغطية” عمل الحكومة الجديدة، وعدم تركها في مهبّ الخلافات الداخلية
حتى الآن، لم يفهم إذا كانت استقالة دياب أتت بضربة عفوية بعدما سقط باطون حكومته المسلّح أم أنّ هناك من ضغط على بعض الوزراء لدفعهم إلى تفريغ الحكومة تمهيداً لقيام البديل؟ لكنّ المؤكّد أن لا بديل. لا الحركة في بيت الوسط تشي بأنّ سعد الحريري على وشك العودة إلى نادي رؤساء الحكومات، ولا المشاورات الحاصلة خلف الأضواء تميل إلى إيجابية الإفراج عن خلف لدياب.
يقول أحد المتابعين لحركة المشاورات، إنّ الخضة التي أنتجتها زيارة الرئيس الفرنسي، أفضت إلى تدويل موضعي للأزمة اللبنانية لمعالجة جوانبها المالية والسياسية. لكنّ توقيت نضوج الطبخة لا يزال في علم الغيب.
يشيرون إلى أنّ ماكرون استخدم عبارة “حكومة وحدة وطنية”، لكنّه لم يقصدها. كان المقصود “تغطية” عمل الحكومة الجديدة، وعدم تركها في مهبّ الخلافات الداخلية، بمعزل عن طبيعتها. أما باقي التفاصيل، فتُركت للمشاورات اللاحقة.
يذهب بعض المتفائلين ممن يتابعون الاتصالات الحكومية إلى حدّ القول إنّ تدهور الوضع الداخلي أفقد القوى السياسية ترف الوقت، ما يجعل إمكانية قيام حكومة جديدة على نحوٍ سريع، ضرورة قصوى في ضوء الثغرة التي نجحت فرنسا في إحداثها ضمن جدار الحصار الدولي. ويضيفون أنّ العصا التي قرّر ماكرون حملها والمتمثّلة بالعقوبات بحقّ بعض الشخصيات اللبنانية، من شأنها أنّ تسرّع المسار وتدفع الجميع إلى تقديم تنازلات كبيرة تمهيداً لقيام حكومة مرضيّ عنها، وتحمل جدول أعمال واحداً، وهو تنفيذ الإصلاحات. ولهذا، يؤكّد هؤلاء أنّ الفرصة جدّية أمام ولادة الجمهورية الرابعة!
التطورات فرضت البند السياسي على جدول الأعمال، وهو تشكيل حكومة جديدة. زيارة هيل استكشافية ولا نتيجة نهائية ننتظرها
لكنّ بعض المتشائمين يطرحون سيناريواً من نوع آخر. يقولون إنّ المشهد الحكومي يستعيد الإحداثيات ذاتها، والعراقيل ذاتها التي كانت قائمة عشية تسمية حسان دياب رئيساً للحكومة:
– الحريري متمسّك بشروطه لجهة ترؤس حكومة من المستقلين لا تضمّ بشكل أساسي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ولا ممثّلين عن حزب الله.
– بعض الدول الخليجية لا تزال ممانعة لأيّ حلّ للأزمة اللبنانية لا يأخذ بالاعتبار مسألة سلاح الحزب.
– الشارع المعترض لن يهضم بسهولة حكومة سياسيين، يُشعره أنّ شيئاً لم يتغيّرمنذ 17 تشرين الأول حتّى الآن.
– “حزب الله” يطمح إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري، ويرفض بالمقابل تسمية نواف سلام على سبيل المثال.
ضمن هذه التناقضات، وصل مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل بيروت، حيث كان يفترض أن تكون الحدود البحرية الطبق الرئيسي لمحادثاته مع المسؤولين اللبنانيين خصوصاً بعد تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ الاتفاق اقترب من خواتيمه، إلا أنّ التطورات فرضت البند السياسي على جدول الأعمال، وهو تشكيل حكومة جديدة. زيارة هيل استكشافية ولا نتيجة نهائية ننتظرها.