المؤتمر الدولي لدعم لبنان… إنسانيٌ فقط؟

مدة القراءة 7 د


ما كاد الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون يغادر لبنان حتّى قال الرئيس ميشال عون إنّ “الحادثة (الانفجار في المرفأ) فكّت الحصار عن لبنان”. والجمعة قال الأمين العام لـ”حزب الله” تعليقاً على زيارة ماكرون بيروت إنّه ينظر “بإيجابية إلى كلّ مساعدة تأتي إلى لبنان، والمشهد الدولي والخارجي كان متعاطفاً وهذا يفتح فرصة للمساعدة والخروج من أزمة الحصار الحالية المفروضة على لبنان”. حتّى إنّ “حزب الله” طلب من طهران حذف تغريدة للأمين العام لمجمع تشخيص النظام انتقد فيها زيارة ماكرون إلى بيروت واعتبرها تدخلاً بالشؤون اللبنانية، بحسب ما نقلت “الجريدة” الكويتية.

إقرأ أيضاً: ماكرون “بي الكل”: الحياد… والمثالثة!

هذا قبل أن يتلقّى عون اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن لنظيره اللبناني أنه سيشارك “في مؤتمر عبر الهاتف الأحد (المفوضية الأوروبية لم  تحسم عقده يوم الأحد) مع رئيسي فرنسا ولبنان ودول أخرى لبحث تداعيات الانفجار الهائل الذي شهدته بيروت”. في إشارة إلى “المؤتمر الدولي لدعم بيروت والشعب اللبناني” الذي كان ماكرون قد أعلن عن سعي باريس إلى تنظيمه خلال وجوده في بيروت، مشيراً إلى “أننا سنؤسس حوكمة شفافة وواضحة لتكون المساعدات موجّهة للمجتمعات المتضرّرة بشكل مباشر”. وهو ما يعكس موقفاً سياسياً من العهد والحكومة لجهة التشكيك في أهليتهما تسلّم المساعدات. واللافت أنّ بيان “وكالة الصحافة الفرنسية” عن اتصال ترامب بعون يشير إلى أنّ الرئيس الأميركي تحدّث عن “دعم مستمر للشعب اللبناني”، وهي جملة لم ترد في الخبر عن الاتصال الموزّع من قبل دوائر القصر الجمهوري. مع العلم أنّ عبارة “الشعب اللبناني” باتت تحمل معنى سياسياً في أدبيات المواقف الغربية إزاء لبنان، وهو ما قد يفسّر تجاوزها من جانب الدوائر المذكورة.

أيّا يكن من أمر، فإنّ  الإئتلاف الحاكم، يحاول استغلال زيارة ماكرون، ثمّ اتصال ترامب برئيس الجمهورية وإعلانه المشاركة في مؤتمر دعم “الشعب اللبناني”، للقول إنّ الحصار السياسي الدولي والعربي قد رفع عن لبنان. وذلك في محاولة من قبله لتعويم نفسه سياسياً وشعبياً بعد السخط والغضب اللذين لقيهما من الناس في الشوارع وفي وسائل الإعلام والتواصل، بحيث لم يجرؤ أيّ من المسؤولين على النزول إلى أماكن الانفجار وسط الناس لتفقدّهم وتفقّد الأضرار، بينما لعلع الرصاص في سماء بيروت احتفاء بكلمة نصرالله في وقت كان أهالي الضحايا يبكون أحبتّهم ويبحثون عن المفقودين تحت الأنقاض.

كلّ ما يريده الائتلاف الحاكم إذاً، هو التعويض عن فقدانه الشرعية الشعبية الداخلية بالاستحصال على شرعية دولية بغطّي بها عجزه ويواجه بها السخط الشعبي ضدّه

وفي السياق، لا يرى النائب المستقيل مروان حمادة في كلام رئيس الجمهورية ميشال عون والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، عن “رفع الحصار السياسي عن لبنان”، سوى تعبير عن استراتيجية الإنكار التي يتبعها ويعيشها عون ونصرالله في تعاملهما مع الوقائع.

ويعتبر حمادة في حديث لـ”أساس” أنّ مسارعة الائتلاف الحاكم للحديث عن رفع الحصار الآن تحمل رسالة إلى الشعب اللبناني تحاول إقناعه بالقول له: “أنتم تكرهوننا لأننا تسبّبنا بعزل لبنان. وها هي العزلة قد انفكت، وإنّ حجّتكم ضدّنا قد سقطت”. 

كلّ ما يريده الائتلاف الحاكم إذاً، هو التعويض عن فقدانه الشرعية الشعبية الداخلية بالاستحصال على شرعية دولية بغطّي بها عجزه ويواجه بها السخط الشعبي ضدّه. ولذلك، فإنّه يعوّل على “المؤتمر الدولي لدعم بيروت والشعب اللبناني” لعلّه يكون مدخلاً لسياسة دولية جديدة تجاه لبنان. وهو الأمر الذي تركت زيارة الرئيس الفرنسي إلى بيروت، بجدول أعمالها وتصريحاتها، الكثير من الأسئلة حوله، خصوصاً لجهة الحديث عن “ميثاق سياسي جديد” فسّر تفسيرات عديدة.

ويرى رئيس لقاء “سيدة الجبل” النائب السابق فارس سعيد في اتصال مع “أساس” أنّ “الرئيس ماكرون أرسل إشارتين سياسيتين في بيروت، الأولى كلامه عن ميثاق سياسي جديد، وهو ما فتح الباب أمام عودة الحديث عن ضرورة وضع نظام سياسي جديد للبنان، وقد سارع الرئيس عون إلى تلقّف هذه الفرصة الجديدة للتشكيك بالدستور الحالي”.

ويذكّر بأنّ “المثالثة كانت قد طرحت في العام 2007 في مؤتمر سان كلو وقوامها دستور جديد يقوم على المثالثة عوض المناصفة مقابل تسليم حزب الله سلاحه. وهي معادلة مرفوضة، لأنّه لا بديل عن اتفاق الطائف كصيغة ضامنة للعيش المشترك في لبنان”.

أمّا الإشارة السياسية الثانية في زيارة ماكرون بالنسبة إلى سعيد، هي استقبال النائب محمد رعد على أرض فرنسية في مقرّ السفارة الفرنسية، وهو ما يعكس تمايزاً فرنسياً ضمن المجموعة الأوروبية، إذ إنّ بريطانيا والنمسا ولمانيا قد صنّفت حزب الله بجناحيه إرهابياً، بينما لم تفعل فرنسا.

من جهته ينفي حمادة أن يكون ماكرون قد تحدّث عن حكومة وحدة وطنية في لبنان، مشيراً إلى أنّ “الكلام الصادر بهذا الصدد مختلق”.

الجدير ذكره أنّ البيت الأبيض كان أشار الجمعة إلى أنّ الرئيسين الأميركي والفرنسي كانا ناقشا خلال مكالمة هاتفية “العمل سوياً مع دول أخرى من أجل إرسال مساعدة فورية إلى لبنان، وكذلك تمديد حظر الأمم المتحدة لتوريد الأسلحة إلى إيران”. وليس قليل الدلالة جمع المكالمة هذه بين الملفين اللبناني والإيراني، لاسيّما أنّ واشنطن تواصل التحشيد الدولي لتمديد الحظر المذكور، وهي ستقدّم الأسبوع المقبل مشروعها في هذا الصدد إلى مجلس الأمن الدولي. مع العلم أنّ هناك تبايناً اميركياً فرنسياً حول هذا الملف، وهو ما يطرح أسئلة عن إمكانية حصول توافقات أميركية فرنسية جديدة حول ملفات المنطقة ومنها الملف اللبناني، لكنّها اسئلة لا يزال من الصعب إيجاد أجوبة كافية عنها بالنظر للتعقيدات الكثيرة التي يحفل بها الظرف السياسي والأمني الحالي في المنطقة ولبنان. فهل سيقدّم مؤتمر دعم لبنان أولى هذه الإجابات بالنظر إلى الإشارات السياسية التي يمكن أن تصدر عنه في ما يخصّ مسارات التعامل الدولي مع لبنان في المرحلة المقبلة؟

يرى الأمين العام السابق لقوى “14 آذار” أنّ فرنسا تحاول الآن أن تبلور مشرّوع حلّ ما للبنان، لكن تفاصيله وآفاقه لم تتضح بعد

يرى سعيد أنّ مؤتمر دعم لبنان طابعه إنسانيّ، لكنّه لا يقلّل من شأن ما يمكن أن يحمله من دلالات سياسية، مع تشديده على أنّ أمر فكّ الحصار السياسي عن لبنان هو بيد الأميركيين وحدهم ولا أحد سواهم.

ويقول إنّ محاولة الفرنسيين انتزاع فسحة دولية للبنان ليست بجديدة، فهم منذ استقالة الرئيس سعد الحريري من الرياض في العام 2017، يحاولون ذلك، لكنهم ما نجحوا بسبب الموقف الأميركي المتشدّد تجاه حزب الله، كواحد من ارتدادات سياسة الضغوط القصوى الأميركية ضدّ إيران.

ويرى الأمين العام السابق لقوى “14 آذار” أنّ فرنسا تحاول الآن أن تبلور مشرّوع حلّ ما للبنان، لكن تفاصيله وآفاقه لم تتضح بعد.

من جهته يؤكّد حمادة أنّ مؤتمر دعم لبنان الذي سيعقد اليوم محصور بالمساعدات الانسانية. أمّا المساعدات المالية والاقتصادية وإعادة الإعمار، فهذه كلّها أمور تنتظر الإصلاحات الهيكلية المطلوبة من المجتمع الدولي، و”سيكون علينا انتظار زيارة الرئيس ماكرون الثانية في الأول من أيلول للاطلاع على موقفه من الائتلاف الحاكم بعد أن بهدله خلال زيارته الأولى”.

ويدعو حمادة إلى “انتظار صدور حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في 18 الجاري، وهو حكم سيدّل على القتلة بوصفهم مجموعة أشرار ينتمون لحزب سياسي معيّن، وهو ما لا يمكن أن يكون بلا تبعات سياسية محلية وخارجية”.

 

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…