السؤال الأهم الذي طرح في الأسبوع الفائت: هل زار المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في الديمان بتكليف مباشر من حركة أمل وحزب الله، في سياق التمهيد لحوار مباشر مع البطريرك حول مشروعه لـ”حياد” لبنان؟ أم أنّها زيارة في إطار الجهود الحوارية التي يقوم بها ابراهيم لتخفيف من التوترات السجالية في لبنان وفتح أبواب التواصل بين مختلف الجهات؟
أوساط الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) لم تعلّق على الزيارة، واستمرّت في اعتماد سياسة الصمت وعدم التعليق على طرح مشروع “الحياد”. وأكّدت أنّ لا أحد يتحدث باسمها، سواء كانت شخصيات دينية أو إعلامية أو سياسية، وأنّها عندما تريد التعليق على أيّ موضوع سيكون التعليق واضحاً ومباشرأ. ما يعني أنّها تبرّأت رسمياً من اعتبار زيارة ابراهيم بطلب مباشر منها، كما سبق أن فعل هو على باب الديمان.
إقرأ أيضاً: بكركي: الراعي لم يوافق ابراهيم على “الإجماع” حول “الحياد”
توضح هذه الأوساط لـ”أساس” أنّ الاتصالات مع البطريركية المارونية قائمة ومستمرّة ولم تنقطع، وأنّ هناك لجاناً مشتركة تتابع الاتصالات، “ويمكن في أيّ وقت أن نشهد زيارة أو لقاء مباشر مع البطريرك في التوقيت المناسب”.
بموازاة ذلك تسعى شخصيات دّينية وسياسية وفكرية من أجل بلورة مشروع “الحياد” وعقد لقاءات حوارية حوله، من خلال جمع بعض الأطراف لإزالة الالتباسات حوله وتوضيح كافة النقاط بشأنه دون أن تتخذ هذه اللقاءات صفة رسمية. والبطريرك الراعي، وفريق عمله يتجاهلون ما سمعوه من مواقف حادة من رجال دين رسميين وشيعة، ويُبدون الاستعداد الكامل للاستماع إلى وجهات النظر كلّها وتوضيح النقاط الملتبسة.
حرص اللواء ابراهيم بعد الزيارة على تأكيد أنّه لا يمّهد للحوار المباشر بين الثنائي الشيعي والبطريرك وأنّ الراعي على تواصل مع الجميع ولا حاجة لأيّ وسيط بينه وبين الثنائي الشيعي
مصادر مقربة من بكركي أوضحت لـ”أساس” أنّ زيارة اللواء “كانت مقرّرة قبل زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، وتمّ تأخير الموعد بسبب تضارب المواعيد مع زيارة الوزير الفرنسي”. وأوضحت المصادر أنّ البطريرك ينظر “بارتياح” إلى الدّور الذي يقوم به اللواء ابراهيم للمساعدة في معالجة الأزمات وتعزيز جسور الحوار والتواصل. ورغم العلاقة العميقة بين ابراهيم والثنائي الشيعي، فإنّ ذلك لا يُغني عن الحوار المباشر بين البطريركية وقادة هذا الثنائي.
حرص اللواء ابراهيم بعد الزيارة على تأكيد أنّه لا يمّهد للحوار المباشر بين الثنائي الشيعي والبطريرك وأنّ الراعي على تواصل مع الجميع ولا حاجة لأيّ وسيط بينه وبين الثنائي الشيعي، وأنّ الراعي أكّد على أهمية الحوار الوطني للتوافق على مشروع الحياد. رغم أنّ أوساط الراعي كشفت لـ”أساس” في مقال منشور أمس بتوقيع الزميل إيلي القصيفي، أنّ الراعي لم يوافق على “شرط الإجماع” الذي تحدّث عنه اللواء ابراهيم وأنّ “هذا رأيه”.
الدّعوة لعقد مؤتمر للحوار الوطني هي من مهمة رئيس الجمهورية أو رئاسة مجلس النواب وليست مهمة البطريركية المارونية
واعتبرت المصادر المقرّبة من البطريرك أنّ الخيار الوحيد والمطلوب اليوم هو قيام حوار مباشر بين البطريرك وقيادتيّ حزب الله وحركة وأمل، وأن يكون هذا الحوار واضحاً وصريحاً وأن يتناول جميع القضايا والملفات الداخلية، لأنّ عدم حصوله سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على لبنان واللبنانيين، ولبنان لم يعد يتحمّل المزيد من الضغوط الأمنية والعسكرية والسياسية والمعيشية والاقتصادية، وهناك ضرورة للتوافق الوطني على كلّ القضايا.
توضح هذه المصادر أنّ الدّعوة لعقد مؤتمر للحوار الوطني هي من مهمة رئيس الجمهورية أو رئاسة مجلس النواب وليست مهمة البطريركية المارونية، وإن كان البطريرك مستعد للحوار المباشر مع الجميع وأنّ أبواب بكركي والديمان مفتوحة للجميع، وأنّ ما يطرحه البطريرك هو مشروع وطني وليس مشروعاً طائفياً أو سياسياً أو حزبياً، وأنّ البطريرك أصبح اليوم محور الاتصالات الداخلية والخارجية وهو يعمل من أجل لبنان.
في المحصّلة، وبغضّ النظر عما إذا كانت زيارة اللواء عباس ابراهيم تمت بالتنسيق مع الثنائي الشيعي أم لا، إلاّ أنّها تركت ارتياحاً لدى الأوساط المقربة من البطريرك. وهي تشكّل، إلى جانب العديد من المبادرات واللقاءات الحوارية، فرصة مناسبة تمهّد لعقد لقاء أو حوار وطني حول مشروع الحياد ومستقبل لبنان. وإن كان الجميع سينتظر ما سيصدر عن المحكمة الدولية بشأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري وردود الفعل الداخلية والخارجية عليه، وعلى ضوء ذلك قد نشهد المزيد من التحركات والمواقف.