بعد مرور أكثر من 72 ساعة على زلزال مرفأ بيروت، ابتعد حزب الله في مواقفه العلنية عن توجيه الاتهام إلى الكيان الصهيوني بالوقوف وراء هذه الكارثة الضخمة التي ألمّت ببيروت ولبنان. واكتفى الحزب بإصدار بيان رسمي للتعزية، وبالدعوة إلى “التضامن الوطني الداخلي والعمل المشترك لتجاوز آثار هذه المحنة القاسية والوقوف مجدّداً بعزم وإرادة لمواجهة الصعاب”.
إقرأ أيضاً: “ماس كهربائي” إسرائيلي في مرفأ بيروت؟
كما أصدر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بياناً دعا إلى “الترفّع عن الضغائن والأحقاد التي ينفثها الأعداء والجهلة لزرع الفتن وتحريض اللبنانيين ضدّ بعضهم البعض، وصرف الانتباه عن معالجة التحدّيات المصيريّة المتمثّلة بالاحتلال الإسرائيلي وتهديداته الدائمة، وبالفساد ومنظومته المستحكمة، وبالحفاظ على العيش المشترك والواحد الذي ترتكز إليه كلّ السياسات والمشاريع التنمويّة والتطويريّة الهادفة إلى تثبيت الاستقرار وتحقيق التقدّم على كلّ الأصعدة وفي كلّ المراحل”.
وقرّر الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله تأجيل الكلمة التي كان من المقرّر أن يلقيها مساء الأربعاء الماضي التزاماً بالحداد الوطني العام، إلى اليوم الجمعة.
ما جرى في المرفأ، وإذا ما تأكّد وجود تقصير داخلي تسبّب بما حصل، سواء من إدارة المرفأ أو من الأجهزة الأمنية والقضائية، أو من أي مسؤول لبناني مهما كان موقعه ودوره، فإنّ الحزب سيكون أمام مرحلة جديدة صعبة وقاسية
وعمدت دائرة الإعلام المقاوم التي تتابع مواقع التواصل الاجتماعي إلى إصدار تعميم داخلي لجميع أنصار الحزب وكوادره، بعدم تبنّي كلّ الروايات التي انتشرت عن مسؤولية الكيان الصهيوني عن الانفجار الهائل الذي حصل في المرفأ، وكذلك كلّ ما يشاع عن وجود صواريخ للحزب. وحذّرت الدائرة من تبنّي الروايات الإسرائيلية، ودعا إلى انتظار التحقيقات الرسمية.
وبانتظار صدور نتائج التحقيقات عن اللجنة التي شكّلها مجلس الوزراء، يرفض الحزب تبنّي أيّ رواية تشاع ويفضّل استكمال التحقيقات الداخلية، كما لم يعلّق المسؤولون في الحزب على الدعوات الداعية لتشكيل لجنة تحقيق دولية، وإن كان الاتجاه لرفض هذه الدعوات هو الغالب لأسباب عديدة.
لكن إلى أين يتجه الحزب في المرحلة المقبلة بعد هذا الزلزال الكبير والكارثة الكبرى التي اصابت بيروت ولبنان؟
ما جرى في المرفأ، وإذا ما تأكّد وجود تقصير داخلي تسبّب بما حصل، سواء من إدارة المرفأ أو من الأجهزة الأمنية والقضائية، أو من أي مسؤول لبناني مهما كان موقعه ودوره، فإنّ الحزب سيكون أمام مرحلة جديدة صعبة وقاسية في مواجهة الفساد الداخلي، وإطلاق عملية تغيير شاملة. فما حصل في الرابع من آب 2020 يوازي حرب تموز 2006، إن لم يكن أخطر منها بنتائجه الكارثية، وعدد الشهداء والجرحى، وحجم الدمار والخسائر الاقتصادية والمالية.
نحن اليوم أمام تطوّر استراتيجي في الوضع اللبناني الداخلي. وهذا التطوّر الخطير يوازي ما حصل بعد انتهاء الحرب اللبنانية واتفاق الطائف عام 1989
وبانتظار الوصول إلى تحديد الأسباب الحقيقية للانفجار الضخم ، فإنّ مسؤولية إبقاء هذه الكمّية الكبيرة من المواد المتفجّرة في مرفأ بيروت طيلة سنوات، وعدم القيام بأيّ إجراء لنقلها أو وضعها ضمن الضوابط المطلوبة لحفظها، يرّتب مسؤولية أساسية على المسؤولين اللبنانيين. وقد تكون هناك شبكة مصالح مالية وراء كلّ ما جرى،ما يجعل المعركة على الفساد والتغيير الداخلي تتقدّم على معركة مواجهة الكيان الصهيوني. وفي حال توصّل الحزب إلى هذه الخلاصة، فإنّ ذلك يعني أننا سنكون أمام تطوّر حاسم في مسيرة الحزب منذ تأسيسه الى اليوم. فخطورة الفساد وفشل النظام اللبناني القائم اليوم بات يتطلّب رؤية جديدة من قبل الحزب وحلفائه.
نحن اليوم أمام تطوّر استراتيجي في الوضع اللبناني الداخلي. وهذا التطوّر الخطير يوازي ما حصل بعد انتهاء الحرب اللبنانية واتفاق الطائف عام 1989، وكذلك بعد تحرير جنوب لبنان في العام 2000، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وبعد حرب تموز 2006. وبعد كلّ هذه التطوّرات، كان حزب الله يتخذ قرارات استراتيجية في مسيرته السياسية والجهادية.
فأيّ قرار سيتخذه الحزب اليوم؟ وهل ستكون معركة التغيير الداخلي الشامل هي الأساس في حال تأكّدت المسؤولية الداخلية عن هذه الكارثة؟ أم سنكون أمام حرب شاملة في حال تبيّن أنّ الكيان الصهيوني أو جهة خارجية وراء ما جرى؟