العدالة للبنان (7): لا وطن ولا دولة بدون الحرية والعدالة

مدة القراءة 15 د


تعلن المحكمة الدولية الخاصة التي أنشأها مجلس الأمن الدولي عام 2007 للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، عن حكمها في القضية يوم 7/8/2020. وقد صارت حيثيات الحكم على وجه الإجمال واضحة. وذلك لأنّ القرار الظني الصادر عام 2014 كان قد اتهم أربعةً من حزب الله بالاسم بتنفيذ الاغتيال. وحسب كلّ المعلومات، وبعد تحقيقاتٍ استمرّت حوالى الأربعة عشر عاماً، ولأنّ التحقّق بلغ درجة اليقين، فإنّ المحكمة ستُدين في حكمها النهائي هؤلاء الأربعة، مع تفصيلاتٍ كثيرةٍ عن دور كلٍّ منهم في هذه الجريمة السياسية الكبرى. وبالطبع، فإنّ زعيم الحزب أنكر عند صدور القرار الظني أن يكون هؤلاء مرتكبين، واعتبرهم قدّيسين ومجاهدين ومن أولياء الله الصالحين.

بالطبع سعى الرئيس السنيورة للاتفاق مع الدوليين على إنشاء المحكمة، وكان عليه الحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء للشراكة مع الدوليين

ولذلك لا يستطيع الآن أن يُنكر فعلتهم باعتبارهم مجرمين متفلّتين، فهم كبار في الحزب العظيم المتمرّس بالقتل في لبنان وسورية والعراق واليمن وبلغاريا والأرجنتين..إلخ. ولذلك، سيظلّ على اتهامه للمحكمة الدولية بأنها عصابةٌ أميركيةٌ – إسرائيلية، لا عمل لها سوى تشويه سمعة الحزب الإلهي وقدّيسيه!

إقرأ أيضاً: قراءة تاريخية لـ”14 آذار”: الحشد لقرار المحكمة الدولية وإسقاط العهد القوي (2/2)

عشية مقتل الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) 2005، اجتمع في داره عشراتٌ من السياسيين المعارضين للوجود السوري في لبنان، والذين روّعتهم الجريمة الفظيعة، وطالبوا الأمم المتحدة بالتحقيق في الاعتداء الإجرامي، باعتبار أنّ القضاء اللبناني عاجزٌ عن ذلك. وبعد ثلاثة أيام، أعلن كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة وقتها إرسال بعثة أممية لتقصّي الحقائق. وجاءت البعثة ومكثت شهراً، ثم أوصت الأمين العام بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الاغتيال. وأمضت اللجنة شهوراً طويلة ً قبل أن تكتب تقريراً تنصحُ فيه بإنشاء محكمةٍ دوليةٍ خاصة بالاتفاق مع الحكومة اللبنانية للتحقيق واكتشاف القَتَلة ومحاكمتهم. وهنا كانت الفرصة، وكان العذاب في الوقت نفسِه. تمثّلت الفرصة في أنّ مقتل الرئيس الحريري أثار ثورة 14 آذار (أو ثورة الأرز) التي أخرجت الجيش السوري من لبنان، وفازت قوى 14 آذار على أثر الخروج السوري في الانتخابات، وتشكّلت حكومة في خريف العام 2005 برئاسة فؤاد السنيورة الذي كان وزيراً للمالية في حكومات الرئيس رفيق الحريري المتعاقبة. وبالطبع سعى الرئيس السنيورة للاتفاق مع الدوليين على إنشاء المحكمة، وكان عليه الحصول على موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء للشراكة مع الدوليين. وهنا بدأ العذاب، فقد أضرب أعضاء الثنائي الشيعي في الحكومة عن الحضور، ثم استقالوا واعتبروا الحكومة “غير ميثاقية”!

منذ العام 2010، تغيّرت خطة الزعيم وحلفائه في لبنان وسورية: لا بدّ من الاستيلاء على السلطة كلها في لبنان

لكنْ لأنّ الرئيس السنيورة كان ما يزال معه ثلثا الأعضاء، فقد تابع العمل. ويمكن القول إنّ كلّ ما جرى منذ ذلك الحين (2005-2006) على لبنان وحتى العام 2016 (تاريخ انتخاب الجنرال عون لرئاسة الجمهورية) من جانب الزعيم وحزبه وأشياعه بالداخل اللبناني، كان لغرضين اثنين: الحيلولة دون إنشاء المحكمة من طريق إسقاط حكومة “الاستقلال الثاني” كما سُمّيت، ثم تطوّر الأمر بعد العجز عن وقف إقامة المحكمة، إلى العمل على تحقيق الغرض أو الهدف الثاني وهو الاستيلاء على السلطة، كلّ السلطة في لبنان: حصل إقفال المجلس النيابي لأنّ قوى 14 آذار كانت تملك الأكثرية فيه. ثم بدأت الاغتيالات بين النواب والسياسيين والمثقفين المعارضين، ثم إثارة حرب تموز 2006 مع إسرائيل، ثم حرب مخيم نهر البارد بشمال لبنان حيث سيطرت على المخيم الفلسطيني مجموعات قدمت من سورية بحجة إنشاء إمارةٍ إسلامية في الشمال (تصوّروا: علويو سورية ينشئون إمارة إسلامية في مناطق سنة لبنان!). وعندما لم ينفع ذلك كله، كما لم ينفع حصار رئاسة الحكومة بآلاف المتظاهرين، من المحازبين الشيعة والمحازبين العونيين بعد أن كان الزعيم قد تحالف مع الجنرال عون عام 2006، عمد الحزب وأنصاره إلى احتلال بيروت في 7 أيار 2008. لكنّ مجلس الأمن كان قد أنشأ المحكمة في العام 2007، وبوساطةٍ من الجامعة العربية بعد احتلال بيروت، مضى الفرقاء السياسيون إلى الدوحة بقطر، حيث جرى الاتفاق التنازلي الأول: إقرار وجود ثلث معطِّل في الحكومة، بحيث يمكن إسقاطها ساعة يشاءون. وجرت انتخابات فاز فيها الآذاريون مرةً ثانية، وشكّل سعد الحريري حكومته الأُولى (2009-2011)، التي أسقطها تحالف قوى 8 آذار (الثنائي الشيعي وعون وأطراف صغيرة أخرى) عندما كان سعد الحريري يزور البيت الأبيض!

منذ العام 2010، تغيّرت خطة الزعيم وحلفائه في لبنان وسورية: لا بدّ من الاستيلاء على السلطة كلها في لبنان. أوباما كانت أولويته في المنطقة الانسحاب من العراق، وإجراء اتفاق على النووي مع إيران، ولذلك تخلّى للإيرانيين عن العراق، وعن لبنان. وعاد إلى إرسال السفير الأميركي إلى سورية. ولذلك استطاع حزب الزعيم وللمرة الأولى تشكيل حكومة “ذات لونٍ واحد” في لبنان خرجت منها كلّ القوى الفائزة في انتخابات العام 2009 ما عدا وليد جنبلاط وحزبه. 

صار يمكن التأكد أنّ التنازل أيّ تنازل سيكون من طرفٍ واحدٍ، وأنه سيُعتبر استضعافاً، ويزيد من الأطماع والمآسي وتعريض أمن البلاد والمواطنين للخطر

ومن جهةٍ ثانية، بدأت جبهة 14 آذار تتفكّك: غادرها وليد جنبلاط لاضطراره لمهادنة الحزب كما قال. وكثرت التباينات بين الحريري والقوى المسيحية الآذارية الذين ازداد بحثهم عن “خصوصية”، واستنزفت اهتمامهم وتنافسيتهم الشعبية الصاعدة لعون الذي دخل في “تحالف الأقليات”، باعتبار أنّ حزب الزعيم، والنظام السوري هم حُماة المسيحيين في الشرق!

وبسبب هذه التصدّعات الكبيرة في لبنان ومن حوله، حدثت الكبوة الثانية بعد كبوة الدوحة: صدر القرار الظني أو الاتهامي من المحكمة الدولية عام 2014 والذي ظهرت فيه أسماء القَتَلة الأربعة وجميعهم من حزب الله.  أما الزعيم فقد اشتدّ هياجه، والذي كان قد بدأ حقاً عام 2009 بعد نشر المقال  المشهور في مجلة درشبيغل الألمانية بشأن ملفات التحقيقات الداخلية بالمحكمة. وأما الرئيس سعد الحريري، فقد قال من أمام المحكمة الدولية في لاهاي إنه يسعى للعدالة وليس للثأر، ولا يريد فتنة سنية – شيعية، وهناك ربط نزاع، واستعداد للتعاون من أجل الاستقرار لأنّ الأمر كما قال الرئيس الشهيد رفيق الحريري: ما في حدا أكبر من بلده! وقبل عام ونيف على إعلان الاعتدال والانفتاح هذا، اغتيل على التوالي كلٌّ من اللواء وسام الحسن رئيس جهاز المعلومات في قوى الأمن الداخلي، والوزير السابق للمالية الدكتور محمد شطح. وقبل ذلك، كان قد جرى اغتيال ضابط بارز اسمه وسام عيد في جهاز معلومات قوى الأمن الداخلي، لإسهامه المشهود في مساعدة محقّقي المحكمة في تتبّع الاتصالات البينية بين مجموعة القتلة!

أَوَليس من الإرهاب قتل عشرات الألوف من السوريين وتهجير الملايين من جانب ميليشيا تغدو وتروح بسلاحها من لبنان العظيم الذي تحمون دواخله وحدوده؟!

قد تبرّر ظروف التصدّع بين 2010 و2014 لبنانياً وعربياً ودولياً تلك الكبوة. إنما بالنظر لما حدث بين عامي 2005 و2013 من اغتيالاتٍ واحتلالاتٍ ومقاتل واستخفاف بالعقود والعهود، وخطابات عنترية واستفزازات، صار يمكن التأكد أنّ التنازل أيّ تنازل سيكون من طرفٍ واحدٍ، وأنه سيُعتبر استضعافاً، ويزيد من الأطماع والمآسي وتعريض أمن البلاد والمواطنين للخطر. وبخاصةٍ أنه حدث قبل القرار الظني أمر، وحدث بموازاته أمرٌ آخر. تعهّد الحزب في الدوحة (2008) بعدم استخدام السلاح في سياسات الداخل، لكنه في العام 2011 للإرغام على تشكيل حكومة على ذوقه أنزل “القمصان السود” إلى الشارع. أما على مشارف القرار الظني، فإنّ الحزب سارع إلى إرسال مقاتليه لمساعدة بشار الأسد في سورية ضد ثورة الشعب السوري، مع أنه تعهّد قبلها بأسابيع بالنأي بالنفس في النزاع السوري بالذات. ولا يظنّنّ أحدٌ أن النأي بالنفس لم ينفّذ، بل نُفِّذ إنما على مدن السنة وبلداتهم فقط: فتنة مستعرة في طرابلس بين باب  التبانة (السني) وجبل مُحسن ( العلوي)، وهما حيان بالمدينة، استمرت سنوات وقُتل فيها المئات، وتخربت عمائر ونفوس. وفي الوقت نفسه: منع وملاحقة أيّ شاب يدخل أو يحاول إلى سورية، حيث قُتل مئاتٌ معظمهم ليس بالداخل السوري، وخُلِّدت آلافٌ أُخرى بالمعتقلات اللبنانية. وفي يوم الجيش في 1 آب عام 2020، أي قبل أيام، قال قائد الجيش إنّ لدى العسكر اللبناني هدفين: الحفاظ على أمن لبنان على الحدود وبالداخل، ومكافحة الإرهاب. أَوَليس من الإرهاب قتل عشرات الألوف من السوريين وتهجير الملايين من جانب ميليشيا تغدو وتروح بسلاحها من لبنان العظيم الذي تحمون دواخله وحدوده؟! ثم يسأل بعض اللبنانيين وغير اللبنانيين: لماذا هذا الحصار على الحزب الذي صار حصاراً على لبنان؟ هو حصارٌ على ميليشيا اجتاحت وقتلت وهجّرت وما تزال في لبنان وسورية والعراق، وقد ضاق بها ذرعاً اللبنانيون والعرب الآخرون والعالم. ويضاف لذلك أنها عاثت هي وحلفاؤها وسماسرتها فساداً هائلاً في سائر موارد ومؤسسات البلاد، بحيث انهار كلّ شيء قبل أن يخطر ببال الرئيس ترامب شنّ الحرب عليهم بدولار جورج واشنطن! 

أُصيب لبنان في صراعات السنوات الخمس عشرة بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري إصابات تكاد تكون قاتلة

لا أُريدُ العودة إلى القصة المأساوية للسنوات التسع الأخيرة في حياة لبنان واللبنانيين. وكنتُ قد كتبتُ عن ذلك مقالةً في أساس عنوانها: “خروج أهل السنة من المعادلة الوطنية”. وبالطبع فقد كان بين أسوأ محطاتها أو كبواتها الموافقة على انتخاب مرشح الزعيم الجنرال عون عام 2016 رئيساً للجمهورية، والذي أذاب كلّ الفواصل بين الدولة والدويلة، وأعطى الحزب والزعيمَ وظيفتين أبديتين: ردع إسرائيل لأنّ الجيش ضعيف، ومكافحة الإرهاب! والحزب يسيطر من سنوات على المرفأ والمطار والمعابر مع سورية. وفي الأسبوع الماضي كاد يثير حرباً مع إسرائيل من جديد. وبالطبع، فقد أراد من وراء ذلك إرسال رسالة إيرانية إلى المجتمع الدولي أنّ قرار الحرب والسلم في لبنان هو بيد إيران، ويكون عليهم التفاوض معها أو تبقى الأمور في المنطقة مستعصية!

استحقاق المحكمة الدولية: أُصيب لبنان في صراعات السنوات الخمس عشرة بعد مقتل الرئيس رفيق الحريري إصابات تكاد تكون قاتلة. وأفظع الإصابات الأخيرة وأقبحها وأفدحها حصلت بعد العام 2016، وذلك لخمسة أسباب: القتل والقتال والاحتلال والتهجير والتشييع والإرعاب، ثم الفساد الهائل والشامل، وبعدها استيلاء الزعيم والرئيس الثاني على مقاليد الأمور، والسبب الرابع: الانهيار الاقتصادي والمالي، والسبب الخامس: العزلة الفظيعة للبلاد عن العرب والعالم لاستيلاء السلاح الميليشياوي والمافيا السياسية عليها.

بالطبع، فإنّ الزعيم بصواريخه الدقيقة وغير الدقيقة يتحمّل المسؤولية الأعظم. وتأتي بعده في المسؤولية المافيا السياسية. إنما الوقت الآن ما عاد يتحمّل الاقتصار على تحميل المسؤولية، بل يقتضي الأمر إنقاذاً للبلاد والعباد، جلْب هذه الأطراف إلى المحاسبة، والعمل على التغيير الجذري واجتراح البدائل. وهو الأمر الذي حاوله ثوار تشرين ولم ينجحوا فيه حتى الآن. وقد قدّم البطريرك الراعي إسهاماً وطنياً بارزاً بالدعوة إلى تحييد لبنان عن سياسات المحاور والنزاعات. كما أنّ آخرين أفراداً وجماعات قدّموا أفكاراً ومبادرات في الاقتصاد والمال والسياسات الداخلية والخارجية.

الفتنة التي تنازلْنا لتجنّبها نشرها التنظيم الإيراني المسلَّح في لبنان وسورية والعراق واليمن، وإلى كلّ صقعٍ فيه شيعي وسني

لقد جاء الدور علينا نحن أهل السنة، باعتبارنا جمهوراً وباعتبارنا جماعة سياسية. وقد فوّتْنا الفرصة عام 2014 عند صدور القرار الاتهامي، ولا نستطيع تفويتها مرةً أُخرى عند صدور الحكم على القَتَلة، أو يصبح الأمر هلاكاً واستهلاكاً للوطن والدولة والإنسان. فمن بين جميع اللبنانيين الكرام والأحرار، نحن الأكثر إيماناً واقتناعاً بثوابت وثيقة الوفاق الوطني والدستور والعيش المشترك.  نحن محتاجون وحسْب إلى قيادةٍ وإجماعٍ وعزيمة. ودوافعُنا لذلك بالسلب والإيجاب: بالسلب لأننا الأكثر تهميشاً والأكثر تذمّراً والأكثر إحساساً بالقهر. بل  ونحن الأكثر اختراقاً واحتياجاً إلى استعادة المناعة والكرامة. وبالإيجاب، لأنه فضلاً عن إيماننا الإجماعي بالثوابت الوطنية، كنا دائماً الأكثر سيراً في سياساتها الوطنية والقومية. لقد استُشهد منا لأسبابٍ وطنيةٍ ثلاثة رؤساء للحكومة ومفتٍ كبير، وغيرهم من الكبار علماً أو سياسةً. وفي حملة الشهادة الوطنية التي قام بها وطنيو الرابع عشر من آذار سقط عشراتٌ منا بالروحية ذاتها، وبالشجاعة ذاتها.

إقرأ أيضاً: هكذا نعيد أهل السُنّة إلى المعادلة الوطنية

بمناسبة صدور الحكم على قَتَلة الرئيس، ينبغي الانطلاق باتجاة أربعة أهداف وطنية، كلها من أجل إنقاذ لبنان واللبنانيين:

الأول: الإعلان والعمل السياسي والجماهيري عن عدم صلاحية الميليشيا المسلحة للشراكة: في الحكومات، وفي الحياة السياسية. فلا الحوار ممكن، ولا التفاوض ممكن، ولا التعايُش ممكن، ولا الحريات ممكنة، ولا العدالة ممكنة، ولا السيادة الوطنية ممكنة، ما لم يتخلَّ هذا التنظيم المسلَّح عن سلاحه بتاتاً. فكلّ الأمور التي ذكرتُها جرّبناها خلال خمسة عشر عاماً، وما نفع شيءٌ منها، لا لنا، ولا لوطننا ودولتنا. الفتنة التي تنازلْنا لتجنّبها نشرها التنظيم الإيراني المسلَّح في لبنان وسورية والعراق واليمن، وإلى كلّ صقعٍ فيه شيعي وسني. والمؤسسات الدستورية التي تنازلنا لكي لا يحدث فراغٌ فيها أو يستمرّ، نصّب الحزب فيها أُناساً، الفراغُ خيرٌ منهم وأجدى. والاستقرار الذي أردْنا أن يتحقّق، حلَّ محلَّه الاضطراب والإذلال والإخضاع والقتل. والحوار الذي مارسناه عشرات المرات، كان حواراً من جانبٍ واحدٍ، لأنّ الطرف الآخر يعتبر السلاح عقيدة، كما قال الزعيم، ومع عقيدة السلاح، كيف يستقيم حوارٌ أو كلامٌ أو حياةٌ سياسيةٌ حرّة. وهكذا، فكما تريد المحكمة الدولية أن تكون مجالاً لإحقاق العدالة، وحفظ الأنفس والكرامات، والحياة السياسية التداولية والسلمية، فإنها تستحق أن تكون فرصةً لإحقاق حرية الوطن والمواطنين من السلاح الميليشياوي.

لا شراكة سياسية مع تنظيمٍ مسلَّحٍ، اعتبرته معظم دول العالم تنظيماً إرهابياً. والآن أيَّد هذا الانطباع حكم المحكمة الدولية التي أنشأها مجلس الأمن باعتبار انّ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري هي من طبيعة إرهابية ولذلك فهي تهدّد الأمن والسلم الدوليين.

الثاني: الذهاب إلى مقاطعة هذا العهد وهذا الرئيس: لاختراق الدستور، ولتسليم الدولة للدويلة، ولإفساد إدارة الدولة وتصديعها، وللإغراق في الفساد والمحاصصات، وللإساءة البالغة إلى علاقات لبنان بالعرب والعالم.

إنّ هذه المقاطعة التي على السنة أن يقوموا بها أولاً من خلال قياداتهم السياسية، ينبغي أن تمتدَّ بالعمل والنضال السياسي لتكون وطنيةً شاملة.  

حسان دياب لا يتمتع بالكفاءة، ولا بالأمانة، ولا بالنزاهة، ولا بالقدرة على اتخاذ القرار. وينبغي أن لا يبقى في رئاسة الحكومة يوماً واحداً

إنّ الاستمرار في انتظار الانتخابات الرئاسية بعد سنتين، يعني اختناقاً للبنان. لقد دعا البطريرك إلى تحرير الشرعية من خلال الرئيس الذي يستأسِرُها، ولا يمكن اللجوء للسجّان من أجل تحرير السجين. نعم ينبغي تحرير الشرعية من الرئيس بإعلان عدم شرعيته وإسقاطه.

الثالث: السعي الحثيث وبشتى الوسائل للخلاص من حسّان دياب وحكومته. فرئاسة الحكومة هي واسطة العقد ورأس السلطة التنفيذية. وقد جرَّدها بالحمق وبالتبعية وبتجاهل واجبات منصبه من كلّ الصلاحيات والهيبة والعمل المثمر من أجل الإنقاذ. ولذلك، فإنّ على قيادات السنة وجمهورهم إعلان عدم تمثيله لأيّ شيء ولأي أحد، وعدم صلاحيته للمنصب، كما عدم صلاحية الوزراء المجاهيل الذين أتى بهم الآخرون.

ينبغي أن يُحدث الحكم على القتلة من جانب محكمةٍ دولية نهوضاً سنياً ووطنياً تغييرياً وإصلاحياً من أجل الحاضر والمستقبل. فحيَّ على الفلاح

حسان دياب لا يتمتع بالكفاءة، ولا بالأمانة، ولا بالنزاهة، ولا بالقدرة على اتخاذ القرار. وينبغي أن لا يبقى في رئاسة الحكومة يوماً واحداً.

الرابع: الدعوة إلى إقامة جبهةٍ وطنيةٍ للعدالة والحرية، تضم السياسيين المعارضين، والجهات المدنية الجادّة، من أجل الوصول سريعاً إلى برنامج وطني للإنقاذ من جهة. وقصْد الجهات العربية والدولية للتشاور بشأن حالة اللاشرعية التي صارت تلفُّ كلَّ جوانب الحياة السياسية في البلاد.

إنّ اغتيال الرئيس رفيق الحريري كانت له تداعياتٌ كبيرة. وبسبب شخصيته ذات الأبعاد الوطنية والعربية والعالمية، أقام المجتمع الدولي محكمةً لجلب القتلة إلى العدالة، ووقاية لبنان من التصدّع. لقد كان رفيق الحريري أملاً للبنان في عمله السياسي، وفي علاقاته العربية والدولية. وينبغي أن يُحدث الحكم على القتلة من جانب محكمةٍ دولية نهوضاً سنياً ووطنياً تغييرياً وإصلاحياً من أجل الحاضر والمستقبل. فحيَّ على الفلاح.

       

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…