“أين الخطأ؟”، سؤال يتردّد في لبنان بعد ارتداد فيروس الكورونا بقوة أشدّ، وتصاعد أعداد الإصابات والوفيات، مع مخاوف من استنزاف الجهوزية الاستشفائية، كما حدث في بلدان كثيرة.
فهل أخطأ المواطنون العائدون عبر المطار، والمقيمون، بأن تجاهلوا خطر الوباء ولم يتقيّدوا بقيود التباعد الاجتماعي وارتداء الكمّامات؟ أم أنّ فحوص الـ PCR نفسها نشرت الوباء. إذ إنّ هامش الخطأ فيها يقارب 30%، ما يعني أنّ 30% من المصابين، تقول النتائج إنّهم أصحّاء، فيعودون إلى الاختلاط بالآخرين ونشر الوباء، و30% ممن تقول النتائج إنّهم مصابون، يعيشون في الحجر، وهم أصحّاء.
إقرأ أيضاً: كورونا: سيناريو إيطاليا يقترب.. والإغلاق الجزئي حتمي
والمثال الساطع كان أمس في حالة النائب جورج عقيص، الذي تبيّن أنّه غير مصاب في الفحص الثاني، بعدما “كركب” مجلس النواب ورئيسه وسمير جعجع وغيرهم، حين أعلن أنّ نتيجة فحص PCR جاءت إيجابية.
سؤال آخر يراود المسؤولين والمواطنين: “ما العمل؟”. هل نعود إلى الإغلاق الشامل، ونقفل المطار، أم نراعي متطلّبات الأزمة المعيشية ومقتضياتها، فنكتفي بإغلاق جزئي ونترك المطار، على ما ذهب وزير الصحّة أمس؟
هذه التساؤلات يطرحها طبيب الصحّة العامة الدكتور جمال مِحفارة في حديث لـ”أساس”، معتبراً أنّ “وجود وكيل واحد فقط في كلّ لبنان لفحوصات الـPCR، يمنح هذه الفحوصات صفة تجارية”. ويشكّك محفارة في مصداقية الفحوصات التي يتمّ القيام بها في مطار رفيق الحريري الدولي، ويقول: “هناك شروط لإجراء الفحص ولنقل العيّنة، إذ يجب وضعها في درجة حرارة موازية لدرجة حرارة جسم الإنسان، وإلا يموت الفيروس وتخطىء النتيجة”، موضحاً: “في لبنان لا يتمّ نقل العيّنات بشروط صحية، ولا نعرف حتى إن كانت تُفحص بشروط صحيحة في المستشفيات. يضاف إلى ذلك، هامش خطأ دائم بنسبة 30%، قبل هذه الظروف غير المناسبة”.
يدعو الدكتور مٍحفارة إلى التعايش مع فيروس كورونا، مع اتخاذ الإجراءات الوقائية، من تباعد إلى ارتداء الكمّامة وتجنب الازدحام
أما فيما يتعلّق بتوصية وزارة الصحة لإغلاق البلد واستثناء المطار، فيسخر الدكتور مِحفارة منها، واصفاً الأمر بـ”الفولكلور”، مشدّداً على أنّ “الهلع لم يعطِ نتيجة وأثبت عدم جدواه”.
يتوقف الدكتور مِحفارة عند نواحٍ عدّة يقع التقصير فيها من قبل الدولة: “ففي المطار يطبّقون الإجراءات. وعندما يأتي المسافرون لاستلام حقائبهم، يحدث ازدحام، وتنتهي فعالية هذه الإجراءات. أما في الأسواق وفي بعض الشوارع، فهناك ازدحام خانق وغياب للرقابة”، متابعاً: “الدولة أغلقت الحسينيات، وسمحت في المقابل لمئات الأشخاص بالتجمهر عند الدفن دون أيّ تباعد أو وقاية. حتّى الضابط الذي يطبّق القانون، أحياناً لا يضع الكمّامة. وإن وضعها، فهو يضع كمّامة من قماش، وهي لا تقي من الفيروس، ولا تحمي الضابط ولا المواطن”.
وفق الدكتور مِحفارة، وهو متخصّص في طبّ الأطفال والولادة كذلك، فإنّه يتمّ في بعض النواحي استغلال كورونا تجارياً في لبنان: “فيروس كورونا الذي أتى إلى لبنان وإلى دول عدّة في الشرق الأوسط، هو من سلالة غير عنيفة. ونشهد الكثير من المبالغات”، مضيفاً أنّ “نسبة الوفيات في لبنان لم ترتفع”، ويكشف أنّ “هذا العام سجّل أقل نسبة في وفيات الأطفال، وأقلّ نسبة في الوفيات داخل مخيمات النازحين”. ويسأل: “لماذا لم ينتشر الفيروس في مخيمات النازحين؟ على الرغم من عدم وجود وقاية. الجواب سهل: لأنّه لا يمكن استغلال المخيمات تجارياً في فحوصات الـPCR”، كون النازحين لا يملكون المال اللازم لاستغلالهم.
وفيما يدعو الدكتور مٍحفارة إلى التعايش مع فيروس كورونا، مع اتخاذ الإجراءات الوقائية، من تباعد إلى ارتداء الكمّامة وتجنب الازدحام، يطالب الدولة في المقابل بضبط المطار قبل كلّ شيء، فـ “الإصابة صفر أتت من المطار. والموجة الثانية عادت من المطار”. وهو الذي أعلن وزير الصحّة أنّه سيتركه مفتوحاً مع إغلاق البلاد.
الدولة أغلقت الحسينيات، وسمحت في المقابل لمئات الأشخاص بالتجمهر عند الدفن دون أيّ تباعد أو وقاية
في السياق نفسه، يتوقّف الدكتور مِحفارة عند تصريحات مدير مركز أبحاث الأمراض الجرثوّمية في الجامعة الأميركيّة في بيروت، البروفيسور غسان دبيبو، معتبراً إيّاه “أهم مرجع في البلد في موضوع كورونا”.
وكان البروفيسور غسان دبيبو قد أعلن في فيديو نشره أمس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ “فيروس الكورونا لا يشبه الفيروسات التي لا نعرفها سابقاً، وأنّنا “كنا محظوظين قبل فتح المطار”. ودعا البروفيسور دبيبو إلى ضرورة الالتزام بالكمامة لحماية أنفسنا وحماية الآخرين. وطالب بالحدّ من الحفلات والنوادي والأعراس والمآتم، والمناسبات الدينية، لافتاً إلى أنّ في هذه الحالات “قد يُعدي شخص واحد 100 شخص”. وشدّد البروفيسور على “ضرورة الإغلاق مؤقتاً للحدّ من تزايد أعداد الإصابات، وكي لا نصل إلى مرحلة نضطر فيها إلى الاختيار بين مريض ومريض”.
إذاً، الكورونا في لبنان واقع. والحلّ في إغلاق المطار أولاً ولو لمدّة محدّدة بعد إبلاغ المسافرين المحتملين.. ثم التشدّد بتطبيق الإجراءات في الداخل، بدلاً من إغلاق البلاد وترك المطار، والتفكير جديّاً في أمانة فحوص الـPCR وفعاليتها ودقّتها وأهميتها.