هناك من حاول ردم حفرة المرفأ كما حاول غيره ردم حفرة تفجير اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما جرى يشبه إلى حدّ بعيد يوم 14 شباط 2005. إذ تتعاطى السلطة الحالية وفق الذهنية نفسها التي تعاطت بها السلطة اللحودية يومها، بإعلان الحداد ومحاولة تقطيع ما جرى باعتباره “رذالة”، قبالة زيادة منسوب الحقد أكثر بين اللبنانيين.
إقرأ أيضاً: هل هو عمل تخريبي؟ … عسكريون يجيبون: كل شيء وارد
أيضاً يذكّرنا ما جرى، إلى حدّ بعيد، بما تشهده إيران منذ أسابيع من تفجيرات مجهولة – معلومة. لكن لا أحد يريد أن يتحمّل مسؤولية ما جرى. ربما نكون قد شهدنا بروفا تحذيرية من أيّ حرب قد تقبل علينا أو نقدم عليها؟
فلو سلّمنا بفرضية أنّ ما حصل هو حريق، لا يمكن لهذه المواد أن تشتعل بدون صاعق. وهذا معروف لدى الأمنيين والخبراء العسكريين وخبراء المتفجرات. وعلى الصاعق أن يتمتع بقوة شحن حرارية عالية جداً. اولت السلطة في البداية أن تروّج حكاية “المفرقعات”. لكن لم يصدّقها أحد. إذ كيف توضع 2750 طن أمونيوم إلى جانب مفرقعات؟
الروايات كثيرة، يعتريها التضارب والتناقض. الأكيد أنّ ما حصل سيغيّر وجه لبنان
الأخطر أنّ الدولة اللبنانية التي تعرف أنّ الانفجار هو أكبر انفجار غير نووي في العالم، لم تتقدّم بطلب مساعدة وإن تقنية، على صعيد التحقيق، من جهات دولية، للمساعدة في كشف حقيقة ما جرى.
الروايات كثيرة، يعتريها التضارب والتناقض. الأكيد أنّ ما حصل سيغيّر وجه لبنان، وتداعياته ستكون بحصول تغيير استراتيجي كبير وجوهري في الواقع اللبناني. بيروت منكوبة. ولا أحد سيكون قادراً على الحلول مكانها، مهما نمت على حوافّها وضفافها أرياف طامحة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب خرج قارئاً عن ورقة مكتوبة أنّ تقارير وصلته من الإستخبارات الأميركية وضباط أميركيين بأنّ ما جرى ناجم عن قنبلة. وصف الانفجار بأنّه عمل إرهابي. هل يمكن أن يكون هذا الكلام بسيطاً أو تفصيلياً؟
التداعيات الجيواستراتيجية، بأبعادها السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، ستكون ذات فعالية أكبر من الحدث أو الجريمة او الهجوم أو الحادث
على الرغم من النفي الأميركي للتغريدة لاحقاً فإنّ خبايا كثيرة ستظلّ مجهولة، ولن تتكشّف سريعاً ولا قريباً. بعض المراقبين يعتبرون أنّ الحروب الأمنية والإستخبارية قائمة، ووحدهم المتقاتلون يعرفون حقيقة ما حصل. مثل ما جرى في حادثة مزارع شبعا قبل حوالى الأسبوعين. الأكيد أنّ هناك معلومات ومعطيات محجوبة عن الناس. لا بدّ من معرفة الحقيقة. هل هو استهداف بعبوة أو بصاروخ؟ أم بحريق مفتعل؟ أم أنّ أحد الأجهزة التي تُستخدم في مثل هذه الحالات، تسبّبت بالحريق الأول الذي أدّى إلى الانفجار الثاني؟ وهل إنّ إحدى التقنيات المستخدمة في هذا الانفجار، تشبه بعض التقنيات التي استخدمت في تفجيرات إيران؟
التداعيات الجيواستراتيجية، بأبعادها السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، ستكون ذات فعالية أكبر من الحدث أو الجريمة او الهجوم أو الحادث. والسؤال يبقى حول الأيام المقبلة، ومن سيكون قادراً على الصمود، والاستمرار.
في حال كانت العملية منظّمة ومفتعلة، ولها أهداف، أم كانت حادثاً عرضياً، فإنّ أهداف الأشرار تحقّقت. لبنان يسير على خطى سوريا، العراق، وإيران. ومثل هذه النماذج هي التي تحيا وتستمر في حالات اللاإستقرار وانعدام الأمن وانهيار المؤسسات ودمار المدن وحواضرها.