هدوء أميركي يسبق عاصفة “قانون قيصر”

مدة القراءة 6 د


لا أحد من الأفرقاء السياسيين موالين أو معارضين يستطيع الجزم بطول عمر حكومة حسان دياب، لكنهم جميعاً يلتقون على التأكيد أنّ المحاولات الأخيرة التي جرت لإسقاطها أو دفعها إلى الاستقالة عبر الضغط على رئيسها لكي يستقيل أو عبر دفع ثلث وزرائها زائداً واحداً إلى الاستقالة لتصبح مستقيلة دستورياً، اصطدمت بحقيقة دامغة هي أنّ البديل غير متوافر. وإن توافر فهو غير متوافقٍ عليه، ما يجعل استقالة الحكومة الحالية مشكلة بدلاً من أن تكون الحلّ المرتجى..

إقرأ أيضاُ: هذا ما سيفعله “قيصر” بلبنان واللبنانيين

انعدام التوافق على الحكومة البديلة رئيساً وتشكيلة وزارية، يقول معنيون، هو ما جعل الأميركيين وحلفاءهم الراغبين بشدة تطيير “الحكومة الديابية”، يسبغون المرونة على مواقفهم في الآونة الاخيرة، ويشترطون لدعم هذه الحكومة والإفراج عن وسائل تفريج الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان، أن تنفّذ الإصلاحات التي يفرضها واقع الأزمة ويطالب بها المجتمع الدولي منذ زمن طويل، وتحديداً منذ ما تقرّر في مؤتمر “سيدر” قبل أكثر من سنتين.

وطالما أنّ الاتفاق على البديل الحكومي ما يزال متعذّراً أو مفقوداً، فإن حكومة دياب ستستمر بحكم الأمر الواقع وإلى أجل غير معلوم. وعلى الأرجح، فإنّ مصيرها بات مربوطاً بما سيؤول إليه النزاع الإيراني ـ الأميركي الدائر على ساحات المنطقة وما يحصل حوله من محاولات ديبلوماسية للتوصل إلى تسويات ترغب إدارة الرئيس دونالد ترامب في الوصول إليها لتوظيفها في حملاتها الانتخابية الهادفة إلى تمكين ترامب من الفوز بولاية جديدة في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في تشرين الثاني المقبل.

هذا الواقع لن يمكّن حكومة دياب من تحقيق أيّ إنجاز ملموس، وستظلّ الشكوى من التعطيل سيرتها وسيرة رئيسها

المتفائلون، حسب المعنيين، يتوقّعون رحيل حكومة دياب عشية الانتخابات الأميركية أو غداتها. ويبنون توقّعهم هذا على اقتناع لديهم بأنّ هذه الفترة الفاصلة عن موعد تلك الانتخابات ستكون حاسمة على مستوى التوصل إلى تسوية أميركية ـ إيرانية من عدمه. بحيث إنّها ستشهد سباقاً بين الخيارات الديبلوماسية والخيارات العقابية، وربما العسكرية. وسيكون لبنان ساحة هذا السباق، أو حقل الاختبارات والضغوط المتبادلة التي سيحرص أصحابها على ألا تتسبّب بانهيار لبنان كلياً لأن لا مصلحة لهم جميعاً، على تناقض مشاريعهم السياسية، في حصول مثل هذا الانهيار. على الرغم مما سيصيب اللبنانيين نتيجة هذا الواقع من ضيق سياسي ومالي واقتصادي ومعيشي سيدفع بكلّ فريق من الأفرقاء السياسيين إلى التخفيف عن كاهل بيئته بما يتيسّر له من إمكانات متاحة أو سيحاول امتلاكها.

غير أنّ هذا الواقع لن يمكّن حكومة دياب من تحقيق أيّ إنجاز ملموس، وستظلّ الشكوى من التعطيل سيرتها وسيرة رئيسها الذي لا تمرّ جلسة لمجلس الوزراء إلاّ ويوجّه خلالها الاتهام إلى هذا الفريق أو ذاك بوضع العصي في دواليب العجلة الحكومية، ومنع الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع الدولي من تقديم أيّ دعم مادي أو معنوي للحكومة في سعيها إلى تفريج الأزمة.

وتفيد المعلومات بأنّ السفيرة الاميركية دوروثي شيا أبلغت دياب “تأكيدات جازمة” بأنّ واشنطن ستدعم حكومته بشرط أن تنفّذ الإصلاحات البنيوية المطلوبة. لكن ما إن خرجت السفيرة من السراي الحكومي حتّى عدّ دياب ومعاونوه وداعموه كلامها له “كلام مجاملة” وإبداء حسن نية غير مبني على أي خطوات عملية. واعتبروا أنّه يندرج في إطار توجّه الأميركيين المرحلي إلى خفض حدّة التصعيد في لبنان نتيجة تعذّر تغيير الحكومة وإرساء فترة من الهدوء تسبق هبوب عاصفة “قانون قيصر” وتنفيذ التهديد الأميركي بفرض عقوبات جديدة على حزب الله وعلى القوى والمرجعيات والقيادات السياسية الحليفة له وللنظام السوري المستهدف أساساً ومباشرة بـ”قيصر”…

على أنّ حزب الله الذي وطّن نفسه على مواجهة الحملات والضغوط الأميركية والخارجية والداخلية عليه، يعتبر أنّ موضوع طرح الحياد هو أحد الوسائل التي ابتكرها الأميركيون لممارسة مزيد من هذه الضغوط عليه، ليس فقط لإخراجه من السلطة وإظهاره أمام اللبنانيين بأنّه المسبّب لكلّ “البلاوي” التي حلّت بهم، وليس لأنّ حكومة دياب هي “حكومته” كما يصفونها وحلفاؤهم العرب والغربيون، وإنما أيضاً لأجل تقويض نفوذه ونفود حليفته إيران الداعمة الاساسية له، وبالتالي إفقاده عنصر المقاومة في مواجهة إسرائيل التي تؤرّقها قوته العسكرية عموماً والصاروخية منها، خصوصاً التي تقع على مرمى حجر منها.

حزب الله، حسب ما يرشح من أوساطه القيادية، ليس في وارد تقديم  أيّ تنازلات للأميركيين أو لغيرهم

ويؤكد “الحزب”، بحسب قريبين منه وعارفين بموقفه وواقعه الراهن، أنّ الولايات المتحدة الأميركية تدرك جيداً أن حكومة دياب ليست “حكومة حزب الله” بالتوصيف الدقيق للكلمة، وأنّ الحزب ليس حرّ التصرّف بلبنان، بل إنّه لا يمكنه التصرّف بلبنان حسبما يريد، وذلك تبعاَ لكثير من الاعتبارات والخصوصيات الحسّاسة التي يتميّز بها لبنان عن محيطه والعالم. ولكنها تريد مما تفعله ضده تحقيق مجموعة أهداف دفعة واحدة، ومنها إجبار طهران على تقديم تنازلات على مستوى الملف النووي، وعلى مستوى تسوية أزمات اليمن والعراق وسوريا، وإجبار النظام السوري على تقديم تنازلات على مستوى الحلّ السياسي للأزمة السورية حيث لم يحقّق الأميركيون حتى الآن أيّ موطىء قدم في اللجنة الدستورية أو غيرها من التشكيلات التي تعمل على صوغ الحلّ السوري.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ حزب الله، حسب ما يرشح من أوساطه القيادية، ليس في وارد تقديم  أيّ تنازلات للأميركيين أو لغيرهم. بل هو يتعاطى مع موضوع الاستقرار العام في البلاد على أنه “خط أحمر” غير مسموح له ولا لغيره من القوى السياسية التلاعب فيه. وهو، أي الحزب،  جزء من النسيج السياسي والاجتماعي، ولن يتصرّف بما يشاغب على هذا النسيج. لكنّه في الوقت نفسه لن يقدّم أيّ تنازل على مستوى “التوازن الردعي” الذي حقّقته المقاومة في مواجهة إسرائيل واعتداءاتها على لبنان، في وقت يرى أنّ الولايات المتحدة وأيّ دولة في العالم تحول دون امتلاك القوات المسلحة اللبنانية أيّ سلاح ردعي في مواجهة إسرائيل. كما أنّه يتصرّف بثقة على أساس أنّ البلاد “لن تجوع، وأنّ المجاعة التي يهوّل بها البعض لن تحصل”. وهو يعرف حدود الضغوط التي تمارس عليه. ولذلك، فقد وطّن نفسه على مواجهتها إلى حين بلوغها تلك الحدود..

مواضيع ذات صلة

رفيق الحريري: هل تتحقّق العدالة بتصفية الأداة؟

“المخيف في الأعمال الشرّيرة هو أنّها تُرتكب على أيدي بشر عاديّين” حنة أرندت   ليس المقصود بتفاهة الشرّ بأنّ فعل الشرّ بحدّ ذاته مسألة تافهة….

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…