يصل إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، متأخّراً أسبوعاً عن موعده الأصلي، وبتفويض أميركي للتواصل مع قوى لبنانية مختلفة حول ضرورة إجراء تغييرات سياسية جدّية، قد تكون بهيكلية السلطة، أي تغيير الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة تكون مخرجاً أوّلياً للازمة، وبعدها يبدأ البحث الجدّي في كيفية إدارة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي. وسيبحث لودريان هذا الاقتراح مع حزب الله، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. لكنّ الجواب في بيروت واضح وحاسم أيضاً: حزب الله يتمسّك بالحكومة ولا يريد التخلّي عنها في هذه المرحلة.
إقرأ أيضاً: شينكر – ماكينزي للحزب: ترسيم الحدود أو “اليونيفيل” شرقاً
في جعبة الضيف الفرنسي، حامل التفويض والرسائل الأميركية، “خطّة ب”، تكمن في “تغيير سلوك الحكومة” بشكل جذري. فواشنطن لا يهمّها مع من تتعاطى بقدر ما تهتمّ بما يمكن تحقيقه بمعزل عن الجهة الموجودة في السلطة.
وإلى جانب البحث في مصير الحكومة، يحمل لودريان دعماً مطلقاً لمواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، برفض انحياز لبنان لأيّ محور على حساب الآخر، وتعزيز منطق الحياد والنأي بالنفس، والتوجّه إلى المسؤولين اللبنانيين بأنّ هذه الفرصة الأخيرة أمامهم لاتخاذ إجراءات إصلاحية جذرية يمكنها أن تسهم في ضخّ بعض الأوكسيجين منعاً للانهيار الشامل والسريع.
يستمرّ التمايز الأميركي الفرنسي. فباريس لا تريد للبنان أن ينهار، وهي التي تحتفظ بعلاقة جيدة مع إيران ومع حزب الله على الرغم من كلّ الضغوط الأميركية
كان يفترض أن يصل لودريان إلى لبنان يوم الجمعة في 17 تموز للقاء مسؤولين لبنانيين. لكن الزيارة تأجّلت بضعة أيام. ولم تتبلّغ دوائر وزارة الخارجية بالموعد المحدّد بعد، لكن التقديرات تشير إلى أنّ الزيارة ستحصل الأسبوع المقبل.
يأتي لودريان إلى لبنان بعد سلسلة اجتماعات متوالية لمسؤولين دوليين ناقشوا الملف اللبناني. توالت الاجتماعات بين باريس والفاتيكان، وحضره ممثّلون عن فرنسا، والولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا. وفي أحد الاجتماعات، شارك ممثّل عن المملكة العربية السعودية، وآخر عن الفاتيكان.
تستجمع الولايات المتحدة الأميركية كلّ الخيوط المتعلّقة بالملف اللبناني. فقد أبلغت مواقف حاسمة لكلّ القوى بأن مدخل الحلّ أو تقديم أيّ مساعدات للبنان يجب أن يكون من بوابة الإصلاح الحقيقي سياسياً قبل الإصلاح الإداري والاقتصادي والمالي. ويستمرّ التمايز الأميركي الفرنسي. فباريس لا تريد للبنان أن ينهار، وهي التي تحتفظ بعلاقة جيدة مع إيران ومع حزب الله على الرغم من كلّ الضغوط الأميركية. وتشير المعطيات إلى أنّ الحكومة الفرنسية الجديدة ستولي لبنان اهتماماً مضاعفاً. وهذا يُترجم من خلال زيارة لودريان إلى بيروت على مسافة أيام من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة وبقائه في منصبه على رأس الديبلوماسية الفرنسية.
أيضاً تأتي زيارة الوزير الفرنسي بعد تكثيف الضغوط الأميركية عبر التلويح بملفّ قوات الطوارئ الدولية اليونفيل العاملة في جنوب لبنان، بحيث تريد واشنطن توسيع صلاحياتها وصولاً إلى الحدود الشرقية، أو تزويدها بمعدّات وتقنيات متطوّرة قادرة على كشف حركة الأسلحة أو أماكن تخزينها، والدخول إلى أماكن محظورة عليها في جنوب لبنان. فيما الموقف الفرنسي يعارض التوجّهات الأميركية. إذ تريد باريس للقوات الدولية أن تبقى في نطاق عملها نفسه ومع صلاحياتها الثابتة، وهي تعلم أنّ أيّ طرح بتغيير هذه الوجهة، سيؤدّي إلى إشكالات ولن يكون من السهل إقراره.
عدم تحقيق أيّ خرق في جدار الأزمة، وإصرار حزب الله على موقفه، سيضّيق الخناق أكثر على لبنان، فلا مساعدات ستأتي من الخارج، والضغوط ستستمر
لذلك، فإنّ الضغط الأميركي سيتركّز على دول أخرى مساهمة في تمويل قوات اليونيفيل لوقف تسديد مساهمتها المالية، كما ستفعل واشنطن التي تمثّل أكبر الدول المساهمة في ميزانيتها. وإذا نجحت واشنطن بذلك، فإنّ مشكلة التمويل ستنفجر بوجه الفرنسيين.
زيارة لودريان ستثبّت الحضور الفرنسي في لبنان، واستمرار اهتمام باريس بالملف اللبناني. لكنها قد لا تؤدّي إلى أيّ نتائج جدّية وعملية في هذه المرحلة التي يتصاعد خلالها منسوب الاستقطاب الأميركي الإيراني. خصوصاً أنّ النقاط التي يتمسّك الأميركيون بها كمدخل لأيّ تسهيل في لبنان، تتعلّق بضبط الحدود والمعابر غير الشرعية وعمليات التهريب. وهذه لن يتنازل فيها حزب الله، بالإضافة إلى مسألة تفكيك الصواريخ الدقيقة وترسيم الحدود. وهذه كلّها قبل التفاصيل التقنية في المفاوضات مع صندوق النقد.
عدم تحقيق أيّ خرق في جدار الأزمة، وإصرار حزب الله على موقفه، سيضّيق الخناق أكثر على لبنان، فلا مساعدات ستأتي من الخارج، والضغوط ستستمر، لتطال نواحٍ أساسية تُحاسَب الحكومة بموجبها بمفعول رجعي، كدفع فاتورة التوقف عن سندات اليوروبوند، فتُمنع من استيراد النفط والفيول، مع إمكانية مصادرة الأموال المُرسلة إلى الجهات الدائنة، بالإضافة إلى إجراءات تشدّدية تتخذها البنوك المراسلة. هذا بعدما خفّضت كثيراً نسبة فتح اعتمادات للمصارف اللبنانية.
هذا الواقع السيء يعلمه من هم في السلطة، والذين سارعوا إلى طلب مساعدات من بعض الدول العربية كالعراق، الكويت، وقطر. لكن، بحسب المعلومات، لا مساعدات ستأتي، باستثناء تلك العينية والغذائية. ولا بدّ من استشراف المرحلة السيئة على صعيد المازوت، والكهرباء والوضع المعيشي، ما لم تحقّق واشنطن ما تريده، وما جدّد تأكيده وزير خارجيتها مايك بومبيو بأنه لا بدّ من تشكيل حكومة لا يسيطر عليها حزب الله.