يعرف ريمون غجر وزارة الطاقة جيداً. أقلّه في ما خصّ قطاع الكهرباء، وهو الحائز على إجازة في هندسة الكهرباء من جامعة “أوتاوا” في كندا، وماجستير في هندسة الكهرباء من جامعة “ساسكاتشوان” في كندا كذلك، وعلى شهادة دكتوراه في مجال “التكلفة الحدّية لنظم الطاقة الكهربائية”. وهو الذي كان مستشاراً لجبران باسيل لدى تسلّمه وزارة الطاقة. لا بل يتردّد أنّه لعب دوراً اساسياً في إعداد ورقة سياسة قطاع الكهرباء عام 2010، وتحديث هذه الورقة عام 2019. وأشرف على تنفيذ المشاريع المندرجة ضمن خطة الكهرباء في كلّ مراحلها من تعيين الاستشاريين، وإعداد دفاتر الشروط، ومتابعة مجريات المناقصات من فضّ وتقييم العروض، والتفاوض وإبرام العقود ذات الصلة.
إقرأ أيضاً: في وزارة الطاقة… وزير أو “تجمع وزراء سابقين”؟
اذاً، هو “خَبَزَ” الفريق العوني المتعاقب على وزارة “التوتر العالي”، و”عَجَنَهٌ”، ولو أنّه ليس ابن هذه البيئة الحزبية، لكنه بالنتيجة اختبرها وعرفها عن كثب. ومع ذلك، تبدو العلاقة بين الوزير الحالي، وأسلافه من “اللون البرتقالي” غير سويّة. لا بل تتعرّض للنزلات أكثر من الطلعات، لدرجة أنّ الرجل هدّد أكثر من مرّة بتقديم استقالته، فيما يتردّد أنّ باسيل حاول خلال “لحظات التخلّي” عن الحكومة أو عن بعض أعضائها، ضمّ وزارة الطاقة إلى قائمة الوزارات المطروحة للتغيير!
على ضفة وزير الطاقة، فثمّة الكثير من الماء الذي لا يزال في فم الرجل، ولو أنّه يبوح بالقليل منه
كثيرة هي الأسباب التي تدفع الطرفين إلى “التأفّف” من صعوبة التعايش سوياً. بالنهاية، في السياسة، غجر يمثّل الفريق العوني وهو من تولّى تسميته، فيما الوزير الحالي يخشى الذوبان في معجن مصالح “التيار الوطني الحر” وحساباته السياسية. ولذا، تراه يسير في حقل من الألغام. يحتار بين تمسّكه باستقلاليته في قراراته وخياراته، وبين الضغط الذي يتعرّض له للتماهي مع الأجندة العونية.
على الضفة العونية، سُمع جبران باسيل أكثر من مرّة يردّد أمام قياديين في “التيار الوطني الحر” أنّه ليس لفريقه وزراء محسوبون بشكل كامل عليه، وأنّ هناك صعوبة للاستجابة لطلبات الخدمات كما كان يحصل في الحكومات السابقة.
أما على ضفة وزير الطاقة، فثمّة الكثير من الماء الذي لا يزال في فم الرجل، ولو أنّه يبوح بالقليل منه. عملياً، أن يقول باسيل إنّه لا “يمون” على أيّ وزير، لا يعني أبداً أنّ وزارة الطاقة صارت محكومة بقبضة ريمون غجر. العارفون بتركيبتها يجزمون أنّها لا تزال قلباً وقالباً كما “ركّبها” جبران باسيل حين كان على رأسها. يومها أدخل أكثر من 30 مقرّباً منه بصفة مستشارين ضمن برامج تعمل مع الوزارة، ويتمّ تسديد رواتبهم من خلال هذه البرامج المتعاقدة مع هيئات دولية.
لهؤلاء المستشارين فصل منفصل من روايات وزراة الطاقة، إن لناحية وضعيتهم وأعدادهم ومهامهم أو لناحية المواجهات التي كان الوزراء المتعاقبون يخوضونها مع بعض منهم… أما مع غجر، فبدا الرجل وكأنه في “بيئة معادية” لا يستطيع فيها أن يمون على أحد!
كلّ الطاقم الإداري لا يزال “برتقالي اللون”. مرجعيته في مكان آخر. فيما جيش المستشارين يطوّق الوزير على المستوى الفني. أكثر من ذلك، تتصرّف الوزيرة السابقة ندى البستاني وكأنها لا تزال على كرسيها. ليس في الشكل فقط من خلال تغريداتها الاستباقية واللاحقة وحضورها الدائم في الإعلام بشكل يتجاوز حضور الوزير الحالي… وإنما أيضاً في المضمون.
يعاني غجر من محاصرته بـ”جماعة” باسيل في الوزراة ومن “سطوة” البستاني
تفيد المعلومات أنّ البستاني لا تزال سفيرة جبران باسيل وممثّلته لدى القوى السياسية الأخرى في ما خصّ قطاع الكهرباء (هي كذلك منذ العام 2010). فقد عُلم أنّها تزور، على سبيل المثال، ومن وقت لآخر، رئيس مجلس النواب نبيه بري لوضعه في أجواء باسيل في ما خصّ قطاع الكهرباء، مع العلم أنّها انقطعت عن التوجّه إلى وزارة الطاقة منذ زمن… ولا تخفي انزعاجها في المقابل من انكفاء الوزير الحالي عن الدفاع عنها، وعن أدائها في الوزارة في كلّ مرّة تتعرّض للانتقادات، وهي موضع تصويب كلّ يوم تقريباً.
بالنتيجة، يعاني غجر من محاصرته بـ”جماعة” باسيل في الوزارة ومن “سطوة” البستاني. ولذا، راح يعرب عن انزعاجه من هذا “التطويق”، فضلاً عن عدم قدرته على الالتزام بالأجندة العونية في ما خصّ قطاع الكهرباء، وتحديداً ملف سلعاتا حيث يجد نفسه غير متحمّس للمعمل، لكنّه مضطر لإبداء تناغمه مع ما يريده باسيل، الذي يعتبر مسألة سلعاتا “معركة حياة أو موت” بالمعنى السياسي. حتى إنّ بعض المعلومات تشير إلى أنّ غجر قال صراحة أمام وفد صندوق النقد الدولي خلال جلسة المفاوضات حول قطاع الكهرباء إنّه “غير مقتنع بجدوى إقامة المعمل”!.
حديثاً، تمكّن غجر من إحداث كوّة صغيرة في جدار الوزارة، ولو أنّ الكثير من الملفات الخدماتية لا تزال تطبخ في المطبخ العوني. سمّى مستشارَيْن اثنين له من أصدقائه، وهما الأستاذين الجامعيين رياض شديد وخالد نخلة. وهما من تولّيا إجراء مقابلات المرشحين لعضوية مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان…
هنا تتضارب الروايات. ثمّة من يقول إنّ مجلس إدارة الكهرباء جاء نتيجة تسوية العلاقة بين باسيل وغجر لناحية التفاهم على حدود المشترك والمختلف عليه. فيما يقول البعض الآخر إنّ المجلس الجديد عمّق الهوّة بين الرجلين، إذ لم يهضم باسيل مثلاً، فكرة وصول عضوين محسوبين على الحزب التقدمي الاشتراكي، أحدهما يحمل بطاقة حزبية… ويفترض بالأيام القليلة المقبلة أن توضح مسار العلاقة الثنائية!