عملياً، أعلن قياديون معارضون في ” التيار الوطني الحر” ساعة الصفر للانطلاق نحو مرحلة جديدة. وجّهوا نداء متعدّد الجوانب والأهداف، يطال في شقّ منه “رفاقهم” في الحزب لإعادة النظر بكلّ سلوك “التيار” ومستقبله، والقيام بمراجعة نقدية “وجودية”… فيما هم يعملون مع قيادات شاركت في “الانتفاضة” من مختلف المشارب على صياغة جبهة واسعة تسعى في اللحظات الأخيرة إلى تحويل الانفجار إلى فرصة تغيير حقيقية.
يقول القيادي نعيم عون لموقع “أساس” إنّ المجموعة التي ينتمي إليها تسعى إلى “عدم تضييع فرصة التغيير التي ستنجم عن أفول الطبقة السياسية عاجلاً أم آجلاً، وانهيار كامل المنظومة، نتيجة ما اقترفته يداها، ولا نريد للبنانيين إحباطاً جديداً قد يحوّلهم إلى شعب مهجّر… عندها لن يكون الإنقاذ متاحاً”. ويشرح: “نحن في مرحلة تجميع قوى من معترضين لهم تجارب حزبية وغير حزبية، وتجمعنا قواسم مشتركة ورؤى متشابهة للمستقبل، لكننا بحاجة إلى مزيد من النقاش لتحديد المقاربات والأولويات ولتنسيق الخطوات في مشوار الألف ميل الذي سنمشيه سويّاً”، كاشفاً عن “لقاءات تشاور مكثّفة، وجهود جدّية لحلّ الأمور بطريقة منهجية وعلمية”.
إقرأ أيضاً: “فجر الجمهورية”: روكز يطلق حزباً جديداً
ويعتبر عون أنّ “الثورة هي أحد وجوه التطوّر الاجتماعي، وعملية رفض فكري يجب تأطيره في أوسع تحالف ممكن من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال”.
بتقدير هذه المجموعة أنّ “الأزمة فُرضت على اللبنانيين، وهي ليست ذات طابع تقليدي. لذلك، نحاول البحث عن حلول غير تقليدية، وهي مهمّة صعبة للغاية. إنه مصير بلد وشعب. هذه القوى تحتاج إلى مزيد من الوقت لكي تنتظم وتؤطّر حركتها، وتحدّد أولوياتها، خصوصاً أنّ واحداً من التباينات التي كانت واقعة تتصل بكيفية توصيف الأزمة: هل هي بحت اقتصادية، أم هي تراكم فساد؟ أم هي نظام منتهي الصلاحية؟ أم صراع سياسي بأبعاد اقليمية يدخل السلاح ضمنه…؟ لذا، نحاول تدرجياً البحث في كيفية الانتقال من مرحلة إلى أخرى وصولاً إلى الأهداف المرجوّة”.
الثورة هي أحد وجوه التطوّر الاجتماعي، وعملية رفض فكري يجب تأطيره
ويؤكد ابن شقيق رئيس الجمهورية، والخارج من التيار الوطني الحرّ، أنّ الوقت لا يرحم وأنّ العمل يجب أن يكون سريعاً، واضعاً “أسابيع معدودة لبلورة الصورة، وسط تطوّرات قد تأخذ منحىً دراماتيكياً وأكثر حدّة”.
هل هذا يعني قطع حبل السرّة مع “التيار الوطني الحر”؟
يجيب نعيم عون إنّ “التحدّي الوجودي الذي يواجه اللبنانيين هو أبعد من الأحزاب و”التيار”، لأنّها أزمة وطن تمسّ كلّ الناس من كلّ الأحزاب والمشارب”، رافضاً “المقاربات التقيلدية بمنطق المعارضة والموالاة، وكأننا في ظروف غير استثنائية، فيما المركب قد تغرق بمن فيها”. والمطلوب برأيه هو “التعاطي بمنطق إنقاذي وجودي”. ويسأل: “إذا انتصرت المعارضة مثلاً، هل ستكون جثة الوطن هي الجائزة؟ بلد مهجور؟ شعب مفلس معدوم؟ أم من المفترض البحث عن مقوّمات قيام دولة؟؟”.
يوجّه عون نداءً أخيراً إلى “التيار”: “نحن معنيون بالبيئة التي يمثّلها والتي آمنت به. ونقول لهذه البيئة بالفم الملآن، إنها ليست مذنبة إذا أخطأ فرد أو مجموعة. لا تشعروا بالخجل”.
وعما إذا كانت الترجمة هي دعوة للانتفاضة الداخلية، يدعو عون العونيين إلى “مراجعة الوضع وقول الأمور كما هي”، مطمئناً الحزبيين: “هم ليسوا مُدانين بالمطلق كمجموعة. ولكن عليهم في المقابل مقاربة الأمور بشجاعة. ومن بعدها، على كلّ فرد بينهم تحديد خياراته ومصيره. أزمة “التيار” واضحة للعلن. فليبدأوا بتفنيد أسبابها لتحديد الحلول والمعالجات. نحن لم ننقطع عن النقاش مع أيّ فرد، وعلى تواصل دائم مع كلّ المجموعات داخل الحزب وخارجه. ونشعر من خلال هذا التواصل سواء أكانوا حزبيين أو مناصرين، وكأنهم يخجلون من أنفسهم. ولذا، نقول لهم إنّ من عليه الشعور بالخجل، هو من شارك في عمل مُشين أو ارتكب أخطاء لا تغتفر. أما البقية، فمسؤوليتهم أقلّ. ولكن هذه المسؤولية تكبر عند التزام الصمت”.
أزمة “التيار” واضحة للعلن. فليبدأوا بتفنيد أسبابها لتحديد الحلول والمعالجات
إلى أيّ مدى يشبه “تيار” اليوم، التيار الذي ناضلتم من أجله؟
يجيب ختاماً: “ما نشهده من غباء سياسي أو تعاطٍ ما دون المستوى من جانب نواب وقياديين، هؤلاء مسؤوليتهم مضاعفة، ولا يمثّلون “التيار” الذي شاركنا في تأسيسه وعرفناه. ونقول لهم إنّ واحداً من أسباب انهيار الحزب ناجم عن كونه صار مُمُثّلاً بطبقة ذات مستوى متدّنٍ من الفكر. وإذا ما أردنا التخفيف من وطأة المشهدية، نقول: إنّ هذه الطبقة هي الظاهرة للعلن، وعلى الطبقة العميقة أن تُحاسَب!”
هل انتهى “التيار”؟
يجيب عون: الأكيد أنّ ما “يحصل سيقضي عليه”.