لودريان في بيروت: لا صوت فوق طبول الحرب الاميركية

مدة القراءة 4 د


لم يحمل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في زيارته إلى لبنان،  أي مبادرة سياسية  تتجاوز حدود المتعارف عليه خلال هذه المرحلة، وهي مرحلة تتسم بالتصعيد الدولي، وتحديداً بين الولايات المتحدة وايران، حيث يصعب على الإدارة الفرنسية التحرك خارج منظومة الخطوط الحمراء والأضواء الخضراء التي تضعها واشنطن في معركتها العابرة للمحيطات.

إقرأ أيضاً: لودريان لدياب: ترقصون وتايتانيك تغرق

بنظر المطّلعين، لا تحتمل هذه المرحلة التصعيدية أي طرح “قد يعلو صوته فوق صوت طبول الحرب”. ولذا تلتزم باريس بهذه القواعد وتتجنّب القفز فوق الاعتبارات الأميركية وشروط إدارة دونالد ترامب. أقصى ما يمكن لها أن تفعله هو “دفش” اللبنانيين إلى مزيد من الإصلاحات من خلال اعتماد سياسة العصا والجزرة لكي ينفذوا الأجندة المطلوبة منهم، علّهم “ينفدون بجلدهم”. كما يمكن لها أن تعمل على إقناع الإدارة الأميركية بتخفيف حدّة الضغط على لبنان منعاً لانزلاق الوضع أكثر ودفعه أكثر باتجاه أحضان “حزب الله”، ولكن تحت سقف محدود.

 كثير من الضوضاء رافق الزيارة. ولا شك بأنّ جولة لودريان على المسؤولين تكتسب بحدّ ذاتها أهمية قصوى كونها الأولى لمسؤول غربي رفيع المستوى إلى بيروت منذ تأليف حكومة حسان دياب، “المنقوص” من دسمها الغربي. ولا شكّ بأنّ ترداد الضيف الفرنسي طقوس الدعوات إلى تكريس الإصلاحات البنيوية والمالية والقضائية، لم يعد  إضافة من خارج السياق، على مواقف الدول الغربية المعنية بالملف اللبناني.

جولة لودريان على المسؤولين تكتسب بحدّ ذاتها أهمية قصوى كونها الأولى لمسؤول غربي رفيع المستوى إلى بيروت منذ تأليف حكومة حسان دياب

ما قاله الدبلوماسي الفرنسي الأول أمام من التقاهم من مسؤولين لبنانيين، وما تقصّد البوح به أمام عدسات الكاميرات والميكروفونات، لم يكن مفاجئاً ولا حتّى غريباً. عنوانها الإصلاحات ذاتها التي تردّدها الدول الغربية وفي مقدمتها فرنسا التي تبذل جهوداً لكي لا ينزلق الوضع اللبناني إلى  أتون الفوضى… فيما اللبنانيون يرفضون مساعدة أنفسهم، كما عبّر لودريان خلال جولته.

ولكن ماذا بين سطور تلك الزيارة؟

“لا جديد في السياسة”، يقول المطلعون على اللقاءات التي عقدها لودريان مع المسؤولين اللبنانيين، ويضيفون أنّه لم يطرح أي فكرة من خارج سياق الاصلاحات، على خلاف ما كان متوقعاً من البعض، من أنّه قد يعرض طرحاً سياسياً متكاملاً. وقد استفاض الرجل في أسئلته أمام رئيس الحكومة عن الإصلاحات فيما حرص الأخير على عرض قائمة مفصّلة من الإجابات وما حققته الحكومة منذ يوم تأليفها.

اللافت، وفق المطلعين على موقف رئيس الحكومة، أنّ الضيف الفرنسي بدا غير مطّلع على تلك التفاصيل .

ولهذا يعتقد هؤلاء أنّ الضيف الفرنسي اختار “اللهجة التهويلية” التزاماً بقواعد التصعيد الذي تضعه الإدارة الأميركية خلال هذه المرحلة من التوتر الشديد في المنطقة.

الضيف الفرنسي اختار “اللهجة التهويلية” التزاماً بقواعد التصعيد الذي تضعه الإدارة الأميركية خلال هذه المرحلة من التوتر الشديد في المنطقة

باختصار، أعاد الرجل رسم خارطة الطريق المطلوبة من لبنان: الإصلاحات، صندوق النقد الدولي ومن ثمّ الدعم. طبعاً حرص على الإشارة إلى أنّ مخصصات “سيدر” لا تزال مجمّدة ولم تحوّل إلى مشاريع أخرى. لكنّه اشترط لصرفها على اللبنانيين تأمين موافقة صندوق النقد الدولي.

هذا يعني وفق مسؤولين لبنانيين أنّ طوق النجاة سيمرّ حكماً في واشنطن. لا يمكن فصل موافقة صندوق النقد الدولي عن الشروط السياسية التي تضعها الإدارة الأميركية. لأنّ بعض ما يطلبه صندوق النقد له طابع سياسي مواكب للطابع التقني الاقتصادي – المالي. ولهذا يعتبر هؤلاء أنّ باريس تسير في الملف اللبناني تحت مظلة الخطوط العريضة التي تضعها الإدارة الأميركية.

بالنتيجة، يقول المواكبون إنّ زيارة وزير خارجية فرنسا فيها من رسائل الشكل أكثر من المضمون. كان بامكانه أن يقول ما قاله لمن التقاهم، عبر بيان مقتضب توجّهه وزارة الخارجية، لكنّه قصد لبنان نظراً لوجوده في المنطقة. والأرجح أنّ للزيارة هدفين لا ثالث لهما: تقديم المساعدات للمدارس الفرنكوفونية، واستثمار الخطوة لكي تحتفظ باريس بمكانة “فرنكوفونية” لها على الرقعة اللبنانية… بانتظار انقشاع المشهد الدولي.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…