يبدو أن لا حلّ لمواجهة التفشّي المجتمعي لفيروس الكورونا في لبنان إلا بالعودة إلى “إغلاق جزئي وقتًا أطول من الإغلاق الكامل لإبطاء الوباء”، على ما طالب أمس مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي الدكتور فراس أبيض في سلسلة تغريدات عبر “تويتر”. واشترط مع الإغلاق “تغييرًا كبيرًا في السلوك من قبل الجمهور، ونهجاً أكثر صرامة من السلطات في فرض التدابير الوقائية”.
إقرأ أيضاً: لقاح جائحة كورونا قبل نهاية السنة.. ولبنان “إلو الله”
ذهاب الوباء نحو منحى التفشّي، طرح سؤالاً إن كنّا أمام السيناريو الإيطالي. وهذا ما لمّح إليه ناشطون، بينهم من سكّان إيطاليا ونيويورك. رئيس قسم العناية الفائقة في مستشفى رفيق الحريري محمود حسون لا يستبعد هذا الأمر، موضحاً لـ”أساس”، أنّ “القدرة الاستيعابية لمستشفى رفيق الحريري تقلّ يوماً بعد يوم”. ويضيف: “ما يحدث لدينا في المستشفى اليوم لم نرَه منذ بداية انتشار الكورونا. ونحن نتخوّف من هذا الازدياد بالحالات الحرجة. فكلما زاد عدد المصابين ازداد عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى عناية. والمشكلة أنّ مريض العناية المشدّدة يبقى في الحدّ الأدنى 20 يوماً. بمعنى أننا نحتاج إلى 20 يوم لنستبدل مريض عناية فائقة”، لافتاً إلى أنّ استمرار عداد كورونا في وتيرة الارتفاع نفسها حتّى 30 آب “سيستنفد القدرة الاستيعابية للمستشفيات”.
الدكتور حسون يخالف الدكتور أبيض، داعياً إلى “التعايش مع الكورونا والالتزام بالإجراءات”، ومصرّاً على أنّ “إغلاق البلد ليس حلاً جذرياً. الحلّ هو تطبيق خطة متوازية في كل الأمور، خاصة فيما يتعلق بالوافدين، فجزء منهم هو الذي يساهم في تفشي الفيروس”.
هل هناك متابعة دقيقة لهذا الموضوع؟ وخاصة موضوع الوافدين؟ وهنا المسؤولية ليست فقط على وزارة الصحة، وإنّما أيضاً على كلّ الأجهزة وخاصة البلديات، فالبلدية تعلم بالأشخاص الوافدين ضمن نطاقها، وعليها متابعتهم
أما مستشار وزير الصحّة الدكتور إدمون عبود، فيؤكد من جهته لـ”أساس” أنّ “فيروس كورونا المستجدّ هو وباء عالمي ينتشر في كلّ العالم ولا إمكانية لوقف انتشاره. ومع الوقت، كلّ الكرة الأرضية ستصاب بالكورونا، إلاّ إذا اختفى الفيروس، وبات ينتقل إلى الإنسان دون أيّ عوارض”. وحول “الموجة الثانية” في فصل الشتاء يعتبر أنّ “التخوّف نظري من موجة ثانية كبيرة لاسيما وأنّ هذه الموجة تتزامن مع موسم الرشح. لكن حتى إن أتت الموجة، فالمستشفيات جاهزة كي تستقبل المرضى وهناك معدات حماية شخصية. وهناك أجهزة تنفس. فخلال إغلاق البلد، حضّرت الدولة نفسها واشترت المعدات لمواجهة الموجة الثانية. مع أملنا بأن تكون خفيفة كالتي نشهدها حالياً”.
تأتي تحذيرات أبيض بعدما وصل العدّاد إلى ما يقارب 150 إصابة جديدة يومياً، ووصل إلى مجلس النواب، بعد إصابة النائب في كتلة “الجمهورية القوية” جورج عقيص يوم أمس، وإعلانه الخبر طالباً المخالطين له بالخضوع للفحص. وكان قد اجتمع قبل بيومين بالرئيس نبيه برّي، وأعلن في حديث لـ”mtv” أنّه خالط رئيس “القوات” سمير جعجع وسياسيين آخرين. وقد أعلن برّي وجعجع أنّ نتيجة فحصيهما جاءت سلبية وأنّهما بخير، وطلب برّي من النواب والعاملين في المجلس النيابي إجراء الفحص.
إذاً، كورونا دخل في دائرة جديدة. والتفشّي المجتمعي بات أمراً واضحاً محتوماً، ما دفع فراس أبيض إلى انتقاد وزير الصحّة دون تسميته، بالقول: “دعونا نعترف بأن الأمور في الأشهر الأخيرة لم تجرِ أو تدار بحسب المطلوب. لقد ضاع النجاح الذي حقّقناه بدايةً. وإذا لم نتعلّم الدروس، فلن ننجح ولو لجأنا للإغلاق التام. لكنّه علينا أن نعرف إنّ لعبة “على من يقع اللوم” هي رفاهية لا يمكننا تحمّلها حاليًا”.
وكان أبيض واضحاً بأنّنا “على وشك فقدان السيطرة على الوباء. لذلك نحن بحاجة إلى مهلة لالتقاط الانفاس، ما سوف يسمح لنا بالعمل على تصويب المسار”، معتبراً أنّنا “ربحنا المعركة الأولى، لكنّ هذه حرب. المبادرة بيدنا ولا ينبغي أن نضيعها. في بعض الأحيان يأخذ المرء خطوة إلى الوراء للتقدم خطوتين إلى الأمام”.
وبحسب الدكتور حسون، فإنّ أيّ خطوة إجرائية تحتاج إلى أسبوعين كي نلمس نتائجها، لافتاً إلى أنّ “المشكلة الأساسية بالمواطنين وبالتدابير التي تتّخذها السلطات”، وأنّه “لا يمكن أن نتعامل وكأنّ الحياة طبيعية”، داعياً المواطنين إلى الالتزام والسلطات إلى “اتخاذ تدابير بحقّ الأشخاص الذين لا يلتزمون بالحجر”. وسأل: “هل هناك متابعة دقيقة لهذا الموضوع؟ وخاصة موضوع الوافدين؟ وهنا المسؤولية ليست فقط على وزارة الصحة، وإنّما أيضاً على كل الأجهزة وخاصة البلديات، فالبلدية تعلم بالأشخاص الوافدين ضمن نطاقها، وعليها متابعتهم”.
ويشير حسون إلى أنّ الجسم الطبي “يحاول إبطاء التفشّي كي نظلّ قادرين على الاهتمام بالمرضى الذين لديهم عناية فائقة. إذ لا يمكننا إغلاق البلد لمدّة عام”، موضحاً أنّ هناك خطوات لا بدّ من القيام بها:
1- نشر الوعي لدى المواطنين.
2- التشدّد بالتدابير واتخاذ إجراءات بحقّ الأشخاص والمؤسسات التي لا تلتزم بالتوصيات.
3- تطبيق آلية أكثر حزماً في موضوع المسافرين الوافدين، فالآلية المطبّقة ليست ناجحة لأسباب كثيرة.
4- الانتباه إلى وضع المستشفيات، فالطاقم الطبي والتمريضي في المستشفى عليه أن يكون أكثر حذراً، ولا يمكن أن يمارس حياته بشكل طبيعي.
وبحسب مستشار وزير الصحّة، فإنّ “لبنان ما زال آمناً. والزيادة في الإصابات طبيعية. فنحن كنا في حالة طوارئ صحية وإغلاق لكلّ شيء كما للحدود الأرضية والجوية. أما اليوم، فخرجنا من حالة الطوارئ وفتحنا الحدود. لذا، فإنّ تسجيل الإصابات أمر بديهي. ولكن ما يُطمئن أنّ الأغلبية القصوى من الإصابات هي دون عوارض. حتّى المستشفيات التي جهّزت للكورونا لم يدخل أحد إليها. وعدد قليل جداً من المصابين لديهم عوارض خطيرة”.
وفيما يؤكد الدكتور عبود أنّ هناك اطمئناناً من الناحية الصحية، يدعو في المقابل إلى تغيير العادات الاجتماعية: “على الشعب اللبناني أن يغيّر عاداته، وتجنّب المصافحة باليد والتقبيل، إضافة إلى الالتزام بالتباعد الجسدي، ووضع الكمامات في الأماكن العامة، وغسل اليدين. دون ذلك لا داعي للخوف”.
الدكتور أبيض يريد إغلاقاً جزئياً، والدكتور حسّون يدعو إلى التعايش، ومستشار وزير الصحّة يطمئن إلى جهوزية المستشفيات
أما فيما يتعلّق بمناعة القطيع، وما أشار إليه مدير العناية الطبية في الجامعة الأميركية، بروفيسور الأمراض الصدرية، الدكتور أحمد حصري في فيديو نشرته مستشفى الجامعة، عن أنّ هذه المناعة موسمية ومحدودة، فيعتبر الدكتور عبود أنّها “ما تزال قيد المتابعة والاكتشاف والدرس. ولم يتأكّد بعد كم تدوم هذه المناعة. قد تدوم أشهراً أو سنواتٍ، وهذا موضوع غير محسوم بعد. ونحن بانتظار اللقاح”.
إلى ذلك، لا يرى الدكتور عبود أنّ الحرارة لم تحدّ من العدوى، فالـ”الموضوع ليس محسوماً”، موضحاً أنّ “هناك أشخاصاً يصابون بالعدوى، ولكن لا حالات خطرة، فالأغلبية الساحقة من المصابين لا عوارض لديهم. وهذا يطمئن”.
أما عن ملف المدارس والجامعات، فبحسب الدكتور عبود أنّه “لا جديد حتى اللحظة”، فهي تستعدّ كي تفتح في مواعيدها. وعند سؤاله عن فتح الحدود البرية وكيفية ضبطها، يؤكد أنّ “كلّ الداخلين عبر الحدود البرية، يُفحصون بـ PCR في المستشفيات الحكومية. فالوافدون عبر معبر العبودية بالشمال مثلاً، يُفحصون في مستشفى عبدالله الراسي في حلبا، وفي مستشفى طرابلس الحكومي”.
لا جواب إذاً، الدكتور أبيض يريد إغلاقاً جزئياً، والدكتور حسّون يدعو إلى التعايش، ومستشار وزير الصحّة يطمئن إلى جهوزية المستشفيات. الأكيد أنّ التفشّي بات أمراً واقعاً، وأنّ لبنان دخل دوامة الخطر التي ظلّ طوال 7 أشهر خارجها، وأنّ الآتي سيكون صعباً علينا كلّنا إذا لم نلتزم بالإجراءات.