فيما يشتّد التفلّت في طرابلس، تتجّه الأنظار إلى “باب التبانة”، وتُطرح أسئلة عن هوية المستثمرين في هذه الساحة وغاياتهم.
خلال الحديث عن الجهات التي تستثمر في “باب التبانة”، يفصل أهالي المنطقة بين الجولات الحربية التي شهدتها المدينة قبل العام 2014، وبين ما يحصل مؤخراً. مع الإشارة الدائمة إلى اتهامات يوجّهونها إلى بعض الأجهزة الأمنية بأنّها ضالعة في سيناريوهات التخريب.
إقرأ أيضاً: الخطر آتٍ من باب التبانة (1/2): باب الذهب والأمان الذي احتلّه الفقر
لا يتردّد أبناء المنطقة عند سؤالهم عن 22 جولة قتال، في الإشارة إلى تيار المستقبل أولاً، وإلى الرئيس نجيب ميقاتي ثانياً، وإلى اتهام الطرفين بالاستثمار في هذه المعارك التي سقط ضحيتها 220 قتيلاً وأكثر من 1500 جريح، ناهيك عن مئات الموقوفين الذي لا يزال جزء منهم في السجون اللبنانية حتّى اليوم. يقال هذا الكلام دون دليل حسيّ على الاتهام.
يعرف القاصي والداني هنا أنّ أطرافاً كثيرة كانت تدفع الأموال للمتقاتلين. يقول المختار محمود المعراوي لـ”أساس”، وهو الذي استشهدت زوجته في إحدى الجولات، رافضاً “مذهبة” هذه الحرب: “بين باب التبانة وجبل محسن لا يوجد طائفية، جميعها جولات مصاري”.
لا يخفي المختار خوفه من المرحلة الآتية ومن محاولة تفجير الوضع في “باب التبانة: “بأي وقت فيهم يشعّلوها، والله يستر”، يكتفي بهذه الكلمات، مضيفاً: “كل مرّة منقول لازم نفهم، بس بترجع حليمة لعادتها القديمة”.
تتوجّه أصابع الاتهام في المنطقة إلى “المنتديات”، أو “جماعة بهاء الحريري”، بحسب التسمية الرائجة”
لكن من يريد تفجير الوضع في “باب التبانة”؟
تتوجّه أصابع الاتهام في المنطقة إلى “المنتديات”، أو “جماعة بهاء الحريري”، بحسب التسمية الرائجة”. فتيار المستقبل لا مصلحة له بتفجير الأوضاع، وهذا ما أكّدته مواقف الحريري عقب إشكال الـ13 من حزيران حين تمّ منع شاحنات سورية من المرور في طرابلس وحصلت مناوشات بين الجيش والأهالي.
اتّهامات ينفيها المختار محمود الزعبي: “لا أدوات تحرّك الجوع”، على حدّ قوله، مضيفاً في حديث لـ”أساس”: “لن تكون جولات جديدة، وإنّما سيكون هناك ثورة. نحن ليس لدينا سفارات ولا نستفيد من سفارات”.
ولا يتردّد المختار بالاستشهاد بقول الإمام علي بن أبي طالب: “عجبتُ لمن لايجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه”.
هاجس المخاتير، لا يختلف عن هاجس الحاج مصطفى المعرباني فـ”كلّ شيء متوقّع”.
الباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية الدكتور أيمن عمر، عند سؤاله عن هذه الهواجس، يعيدنا إلى “السبت الأسود”: “في ذلك اليوم كان يجري تحضير عمل ما. والهدف منه كان توريط باب التبانة كي تكون صندوق موت”، مضيفاً: “باب التبانة وكلّ طرابلس قد تكون في المرحلة المقبلة صندوق بريد لا سيما وأنّ الساحة رخوة”.
النائب السابق مصطفى علوش يوضح لـ”أساس” أنّ الخوف ليس فقط على باب التبانة، وإنّما على طرابلس بأكملها: “50 % من سكان هذه المدينة هم بحالة عوز شديد”. ولا يستبعد علوش أن يسمح الفقر لبعض الجهات باستغلال طرابلس: “من يستطيع تأمين حاجيات الناس، سيكون قادراً على الاستغلال”.
لكن هل من حلّ؟
بحسب علوش هناك حل واحد وهو “نهاية حزب الله”.
استخدام باب التبانة محطة للرئاسل المتبادلة ليس جديداً. يقول أيمن عمر، موضحاً: “القوى السياسية الحاكمة لم تكن تقدّم مشاريع لهذه المنطقة، كانت تقدّم كرتونة إعاشة، وتوزّع بطاقات أمنية. فأصبح لدينا قادة محاور. وبعضهم كانوا أدوات للقوى السياسية المتصارعة على مستوى طرابلس وعلى مستوى لبنان”.
بحسب عمر، فإنّ باب التبانة دفعت ثمن السلم والحرب، ففي زمن السلم “ركّزت سياسات الحكومات الاقتصادية على العاصمة، وأهملت الأطراف. وكان الإهمال المقصود أو غير المقصود لطرابلس، وخاصة للمناطق الفقيرة مثل باب التبانة، رحم ولادة المزيد من الفقراء والمزيد من الحرمان. فلم تستطع باب التبانة الخارجة من الحرب أن تدفع أولادها للتعليم وإلى المهن التي تكفيهم. لذلك تكوّنت بعد الحرب هذه الطبقة التائهة، التي لم تستطع الاستفادة من الحرب ولم تستطع إلا أن تكون الضحية.. فانتشرت الأمية مع الفقر”.
استخدام باب التبانة محطة للرئاسل المتبادلة ليس جديداً. يقول أيمن عمر، موضحاً: “القوى السياسية الحاكمة لم تكن تقدّم مشاريع لهذه المنطقة، كانت تقدّم كرتونة إعاشة
الدكتور أيمن عمر يرى أنّ طرابلس حالياً مقسومة أفقياً من الناحية الاجتماعية: “من إشارة المئتين إلى نيو طرابلس تجد الطبقة الوسطى والمرتاحة نوعاً ما. وقبل المئتين هناك طرابلس الفقر والحرمان التي تحيا داخل غيتوات، وباب التبانة هي نموذج فاضح عن غيتوات الفقر”.
نموذج “باب التبانة”، هو اليوم نموذج أكثر المناطق الطرابلسية التي استوطن فيها الفقر. فطرابلس التي دفعت أثماناً كثيرة، بما فيها “التبانة”، هي اليوم تحت خطر الاستغلال السياسي.
هل يجهض أبناء “باب الذهب” أيّ محاولة لاستغلال ثورتهم التي هي ثورة حقّ؟
الجوع كافر…