مع تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا في العالم عتبة الـ10 ملايين، وعدد وفيات كوفيد-19 نصف المليون، تشهد الولايات المتحدة ارتفاعاً قياسياً في عدد الإصابات، بلغ خلال الأيام الأخيرة أكثر من 40 ألف إصابة يومياً، وهو العدد الأكبر منذ انتشار الوباء في البلاد في شهر آذار الماضي. وتحتلّ الولايات المتحدة حالياً المرتبة الأولى عالمياً، من حيث الإصابات (أكثر من مليونين ونصف المليون) ومن حيث الوفيات (أكثر من 125 ألف ضحية) بحسب إحصاء جامعة جون هوبكينز. والسبب المباشر لهذا الارتفاع المستجدّ لحالات الإصابة، هو استعجال بعض الولايات في الجنوب والغرب في فتح دورة الحياة مبكراً وباندفاعة كبيرة طبقاً لتوجيهات إدارة الرئيس دونالد ترامب، وذلك بالضدّ من تحذيرات مسؤولي الصحة، الذين دعوا إلى التريّث ريثما تشهد البلاد انخفاضاً مستقرّاً في الإصابات.
إقرأ أيضاً: كورونا: أوّل دواء ينقذ الحالات الصعبة
في المقابل شهدت ولاية نيويورك يوم الأحد الفائت أقل عدد وفيات (5 فقط)منذ تحوّلها إلى بؤرة للوباء شهري نيسان وأيار، وكانت في ذروة الوباء خلال شهر نيسان تخسر 800 شخص يومياً. ونجاح ولاية نيويورك خاصة يعود إلى حزم حاكمها أندرو كيومو، الذي حذّر المواطنين في ولايته من التخلّي عن الإجراءات الوقائية. إذ إنّ وصول إصابات من الولايات الأخرى، التي تتفاوت في إجراءاتها، قد تتسبّب باندلاع الوباء مجدداً.
هذا الوضع المقلق، دفع وزير الصحة الأميركي أليكس عازار (وهو من أصل لبناني) إلى التحذير من فوات فرصة وقف انتشار الوباء. وقال إن معظم من هم تحت سنّ 35 سيحملون الفيروس من دون أعراض المرض، وهو ما يشكّل تحدّياً مختلفاً للسلطات الصحية.
وبقراءة الأرقام المتوافرة في الولايات المتحدة وبقية العالم، يستنتج الباحث الباكستاني عمير الحقّ، في مقاله المنشور في موقع ميديوم (medium)، من أنّ الوضع في الولايات المتحدة، بالقياس إلى حجم سكانها، هو أسوأ مما يتخيّله أحد. بل إنّه الفشل الصحي الأكبر في التاريخ الحديث. ويقول إن الولايات المتحدة، بخلاف بقية العالم، ما زالت تعيش موجتها الأولى من الوباء، وأنّ الموجة التي تعاني منها هي بمثابة “تسونامي” بالقياس مع منحنى الإصابات في مختلف البلدان. وبالمقارنة بين إصابات يوم الجمعة الماضي في الولايات المتحدة (41 ألف إصابة) مع إصابات الهند (15 ألف إصابة) وأوروبا بما فيها روسيا (16 ألف إصابة)، والصين (13 إصابة فقط)، يتبيّن أنّ الإصابات الجديدة في ذلك اليوم، يتجاوز مجموع الإصابات في أوروبا والهند والصين معاً، حتى لو شكّك المرء بأرقام الصين، إذ لو زدنا صفراً أو صفرين فلن يتغيّر شيء.
الموجة التي تعاني منها هي بمثابة “تسونامي” بالقياس مع منحنى الإصابات في مختلف البلدان
وبالنظر إلى الحجم السكاني لهذه البلدان، يبلغ عدد سكان أوروبا 740 مليوناً، وسكان الهند مليار و350 مليوناً، وسكان الصين مليار و400 مليوناً، ومجموع سكان هذه البلدان يشكّل نصف سكان كوكب الأرض. فيما يبلغ سكان الولايات المتحدة 330 مليوناً فقط، أي 4% فقط من إجمالي سكان العالم، ومع ذلك، تبلغ نسبة الإصابات في الولايات المتحدة 26% من مجمل الإصابات في العالم!
باختصار، فشلت الولايات المتحدة في تسطيح منحنى الإصابات بوباء كوفيد-19، في حين أنّ أوروبا على سبيل المثال، التي أصابها الوباء بقوّة قبل الولايات المتحدة، تمكّنت من تسطيح المنحنى. وحتّى بريطانيا التي تأخرت في إجراءاتها الوقائية، والسويد التي اعتمدت استراتيجية “مناعة القطيع” صراحة، مع بعض الإجراءات الاحترازية الانتقائية على شكل نصائح لا إلزامات، نجحتا في خفض عدد الإصابات بالوباء يومياً. وما أصاب أوروبا عموماً، كحال كلّ الأوبئة، يتصاعد عدد الإصابات ثم ينخفض، بعد اتخاذ إجراءات وقائية متشدّدة، من العزل والحجر ولبس الكمّامة والتزام التباعد الاجتماعي. ولا شيء من هذا، كان سياسة شاملة في الولايات المتحدة، بسبب غياب القيادة في واشنطن، أو استهتارها، بل تُرك حكّام الولايات أحراراً في اعتماد السياسات الملائمة.
والمشكلة بحسب الباحث عمير الحقّ، أنّ الولايات الحمراء (الموبوءة) يحكمها متجاهلون وصبيانيون، مثل ترامب. فهم لم يفرضوا إجراءات مكافحة الوباء، بل حاربوا من حارب الوباء، وحاكم ولاية تكساس على وجه الخصوص، اعتبر لبس الكّمامة عملاً مخالفاً للقانون!
لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا