دعكم من التفاصيل التقنية. من أطنان الوثائق والأوراق المكدّسة. من شبكات الهواتف بمختلف ألوانها. دعكم من الصورة الشاحبة التي تمنح انطباعًا ناجزًا بالرعب أو بالخشوع. دعكم من كلّ شيء. فكّروا فقط بشخص واحد: حسن نصر الله.
هو ذاك الشخص نفسه الذي دخل قصر قريطم بعد ساعات من حرق رفيق الحريري ليقطع وعدًا على مسامع زوجته وأولاده أنه سيسعى بكلّ جهده لملاحقة القتلة وتسليمهم. وقد ظنّت عائلته يومذاك أنّ في كلامه من الصداقة والنبل ما يفوق كلّ يقين، وكلّ وفاء، وكلّ إخلاص.
إقرأ أيضاً: عن الحزب وآل كابون.. وعيد الحب!
فكّروا بهذا الرجل الذي يخلد إلى شتاء عمره، وقد قُدّر له في ربيعه أن يُداعب المجد بكلّ أصابعه. فكّروا بهذا الرجل الآثم*، وما هو الإثم إن لم يكن ما حاك في صدره، وكره أن يطلّع عليه الناس. فكّروا فيه جيدًا. وهو يتذكّر مع إشراقة كلّ صباح بأنه أردى رجلاً مظلومًاً بعد أن جمعتهما صداقة وخبز وملحّ. فكّروا فيه وهو يتأكّد في عميق ذاته أنه لا يؤتمن له جانب.
لسنا معنيين لا بسليم عياش ولا برفاقه القتلة. نريد فقط أن نحدّق الآن في عيون ذلك الرجل الذي خدعنا
دعكم من المطوّلات المملّة. دعكم من العدالة المتأخّرة. دعكم من تسليم القتلة ومن وظائفهم ومواقعهم. فكّروا فقط بهذا الرجل الذي جلس أمام شاشة تلفازه، وهو يمسح دم رفيق الحريري عن ناصيته بعد خمسة عشر عامًا على نزيف لا ينضب.
لا نريد كبش فداء. ولا نبحث عن أدلة دامغة لا ترقى إليها الشكوك. ولسنا معنيين لا بسليم عياش ولا برفاقه القتلة. نريد فقط أن نحدّق الآن في عيون ذلك الرجل الذي خدعنا، لنخبره بهدوء أننا نعرف، وأنّ معرفتنا باتت تتجاوز كلّ قدراته على الطمس وعلى التمييع، بل وتخطّت أيضًا تجاسره المستدام على كيّ وعينا، وإهانة عقلنا، وتحويلنا جميعًا إلى فئران تجارب في معاركه المقدّسة.
أمس مضى رفيق الحريري مرتاحًا في عليائه. لا نبحث له عن ثأر يروي الدم بالدم. ولا عن عاصفة تُعمّق الهوّة وتعزّز الضغائن
في مثل هذه الأيام، يجلس القاتل حيث العتمة الخانقة. هو يخاف النور، ويخاف النوم، ويخاف ما اقترفته يداه. ليس يبحث إلا عن سكينة يفتقدها. وعن حلول مفقودة لميت لا يموت. يريد فقط أن يُنسى رفيق الحريري. أن يُشطب اسمه المستفزّ من يوميات البلد، وأن يصير ماضيًا مضى، فإذ به يتصدّر عناوين الصحف، ونشرات الأخبار، وأحاديث الصالونات بعد عقود على لعنة اغتياله، وهي اللعنة التي ستلاحق قاتله حتى آخر قبر، وآخر نفق، وآخر سرداب.
أمس مضى رفيق الحريري مرتاحًا في عليائه. لا نبحث له عن ثأر يروي الدم بالدم. ولا عن عاصفة تُعمّق الهوّة وتعزّز الضغائن. نريد فقط أن ننظر في الوجوه الخدّاعة، وأن نردّد على مسامع أصحابها بصوت يخنقه الوجع: انتظرناك 5664 يومًا عند عتبة قصر قريطم لتأتي لنا بالقتلة كما وعدتنا، وإذ بالمحكمة تسبقك إليك، وكم كنا نودّ أن لا نُصدّق.
لا هالة لقاتل بعد اليوم. لن نصمت ولن نخاف، وهذا بعضٌ من كثير.
الإثم: عمل سيء يفعله الشخص الآثم بغض النظر عن كونه طيب أم شرير.
من مرادفات الإثم: الخطأ (الخطيئة) والذنب والمعصية والسيئة.
أما أضداد الإثم: فهي البرّ والحسنة (حسنات) والإحسان والعمل الصالح.
(من “معجم المعاني الجامع”).