لقاء القصر بين الظهر والعصر: أين “السلاح” في بيان “الرباعي”؟

مدة القراءة 8 د


لا شكّ أنّ رؤساء الحكومة السابقين الأربعة يقعون بين الغائبين البارزين عن لقاء بعبدا الخميس في 25/6. بيد أنّ غياب الفرقاء المسيحيين، وبينهم سليمان فرنجية وآل الجميِّل وسمير جعجع رئيس حزب القوات، شديد الأهمية أيضاً. وسأركّزُ في هذه العجالة على خطابات الفرقاء الثلاثة (الرؤساء الأربعة وسامي الجميل وجعجع)، ثم أصير إلى إبداء الرأي في سياسات العهد وحكومته أو حكوماته، وقيمة دعوته للحوار حول “السلم الأهلي”.

النقص الفادح أو الفاضح في بيان الرؤساء الأربعة، هو غياب ذكر السلاح غير الشرعي

أما الجوامع بين الخطابات الثلاثة، فهناك تركيز على سوء الإدارة والفساد، والعجز عن تطوير برنامج للإنقاذ من جانب العهد وحكومته، وعزل لبنان عن محيطه العربي وعن العالم، والدعوة إلى الاقتصاد المشرقي الوهمي، والإصرار على فلتان المعابر والتهريب بحجة إنقاذ النظام السوري الممانع من قانون قيصر وتداعياته. وقبل ذلك وبعده، التنكّر للإصلاحات الضرورية، والإصرار على متابعة الفساد والإفساد، في الكهرباء وملفات أُخرى كثيرة، كما الإصرارعلى إفساد القضاء واستعباده! وإلى ذلك، يضيف بيان الرؤساء الأربعة اختراقات العهد للدستور.

إقرأ أيضاً: الزعيم يشن الحرب على المواطنين والسلم الأهلي!

بيد أنّ النقص الفادح أو الفاضح في بيان الرؤساء الأربعة، هو غياب ذكر السلاح غير الشرعي، والذي عاد لتهديد مُدُنهم وأمنهم وعمرانهم في بيروت وطرابلس يوم 6/6 ويومي 11 و12/6. والذي يثير الإعجاب والإحساس بالمسؤولية العالية بالفعل في خطاب أو مؤتمر سامي الجميّل وفي كلام الدكتور جعجع هو التعرّض للسلاح غير الشرعي والذي هدَّد أمن المواطنين والسلم الأهلي. وقد أضاف الدكتور جعجع لذلك أمرين: أنّ الذين عرّضوا السلم الأهلي للخطر، هم حلفاء العهد، وأنّ صهر العهد ووزير دفاعه السابق ذهبا إلى طرابلس قبل عام؛ فذكّر الداماد – لقب صهر السلطان العثماني – بفتَن 1860 ضد المسيحيين في لبنان وسورية، كما أنّ وزير الدفاع السابق “اقتحم” المدينة غازياً مشبِّهاً لها بقندهار الأفغانية! وهذا يعني أنّ العهد (الحريص على السلم الأهلي بحسب ما جاء في الدعوة) ما اكتفى بتجاهل اعتداءات حلفائه على السلم الأهلي، بل شارك من زمان عبر مُحازبيه في إثارة النعرات الطائفية ضد فئةٍ معيّنةٍ من المواطنين! وهذا حتّى لا نذكر شيطنته للسُنّة على مدى سنوات قبل وصوله للسلطة.

وهكذا، فإنّ بيان الرؤساء الأربعة يشكو (عمداً فيما أظنّ) من السقف المنخفض، ومن التخلّي عن ذكر العلّة الرئيسية في الخراب الماثل، وفي التخلّي عن الموقف الوطني الذي صار شاملاً تجاه السلاح غير الشرعي، وتجاه أمن المواطنين والوطن.

نحن مسلمين ووطنيين لا نحتاج منكم أيها السادة إلاّ لموقفٍ واضحٍ ما اتخذتموه، واتخذه النائب سامي الجميل والدكتور  جعجع، وقبلهما الدكتور فارس سعيد والنائب نهاد المشنوق ووطنيون آخرون، صاروا بحمد الله كثيرين بعد سقوط الصمت، وسقوط الحيرة! 

لماذا استدعى فخامة الرئيس قيادة القوات الدولية؟ لأنّ المواطنين الأبرار والمرفَّهين في المنطقة شكوا أنّ أصوات “موتورات” تلك القوات تزعجهم

ولنعُدْ إلى العهد وحرصه على السلم الأهلي والوطني. منذ بداية العهد، يصرُّ فخامة الرئيس على ثلاثة أمور: أنّ الحزب لا يستخدم سلاحه بالداخل، وأنّ لبنان محتاجٌ لسلاح الحزب لردع إسرائيل لأنّ الجيش ضعيف، كما أنه محتاجٌ لسلاحه لمكافحة الإرهاب. وما وافقه كثيرون على هذه الاستنباطات والتبريرات؛ لكنّ كثيرين وافقوه على أنّ سلاح الحزب سيبقى “لحين نهاية أزمة الشرق الأوسط”! وهكذا شاعت مقولة زعيم الحزب وكرّرها سياسيون ومثقفون ومحلّلون ومفادها أنّ سلاحه خطير الأهمية، وإقليمي بل ودولي وكوني! والدليل على ذلك أنّه قاتل في سورية والعراق واليمن، ونشر شبكات في الخليج، ووصل نفوذه إلى أوروبا والأمريكتين، وما وراء البحار والمحيطات!

نحن اللبنانيين المساكين والمحليين لدينا منذ العام 2004 قرار دولي رقمه 1559 يطالب بنزع السلاح من كلّ الداخل اللبناني، بحيث لا يبقى سلاح إلاّ بأيدي الجيش والقوى الأمنية. وفي العام 2006، وفي أواخر الحرب بين الحزب وإسرائيل صدر قرارٌ دوليٌّ آخَر رقمه 1701 دخل بمقتضاه الجيش اللبناني إلى الجنوب حتّى الحدود مع العدو، تُعاونه ألوفٌ من القوات الدولية، ولا ينبغي أن يكون مع غير هؤلاء سلاح ما بين نهر الليطاني والحدود أو الخطّ الأزرق مع العدو. وتفيد تقارير القوات الدولية أنّ سلاح الحزب ومدفعيته وصواريخه وأنفاقه تكاثرت في تلك المنطقة المحرَّمة عليه. ولذلك، ومنذ بداية عهد الرئيس ترامب، في كلّ عام، في شهر آب، عندما يطلب لبنان التجديد للقوات الدولية، يعترض الأميركيون (الذين يدفعون 33% من نفقات القوات الدولية في الجنوب). وفي العام الماضي خفّفوا اللوجستيات والأعداد لتخفيض النفقات، وللتذمّر والاحتجاج على عدم حرص لبنان على أمنه. والله ينجينا هذا العام من أهوال الموقف المحرِج والمشؤوم!

قبل شهر انزعج دوليو الجنوب لمنعهم من تفتيش بعض المواقع، فاستدعاهم فخامة الرئيس، وقال إنّه يريد التجديد للقوات الدولية، مع عدم التعديل في مهماتها، بمعنى أنّ الدوليين لا يستطيعون التفتيش بل يخبرون الجيش، باعتبار أنّ المواقع المشتبه بها هي بيوتٌ خاصةٌ للمواطنين(!). وبالطبع، فإنّ الجيش لا يفتّش، ولا يستطيع التفتيش لو أراد!

هل تعرفون أيها القرّاء، لماذا استدعى فخامة الرئيس قيادة القوات الدولية؟ لأنّ المواطنين الأبرار والمرفَّهين في المنطقة شكوا أنّ أصوات “موتورات” تلك القوات تزعجهم وتقلق راحتهم وتحرمهم من النوم! ولا أدري لماذا ما قال قائد القوات الدولية بالجنوب لرئيس الجمهورية: ما حاجتكم أيها القائد السابق للجيش، والأعلم بقدراته، إلى القرار 1701 والقوات الدولية، ما دام سلاح الحزب كافياً وباقياً إلى نهاية أزمة الشرق الأوسط العظيم؟!  

لقد سبق لي أن قلتُ في إحدى مقالاتي في “أساس” مازحاً: إنّ ثقة فخامة الرئيس بسلاح الحزب طمأنتني، لأنّه لا يحتاج للجيش في الجنوب، وبذلك يتفرّغ الجيش والقوى الأمنية (عددها جميعاً حوالى المائة ألف) لأمن الداخل. وفي 6/6 و11-12 /6، كانت أعداد الجيش والقوات الأمنية في بيروت وطرابلس أكثر من أعداد المتظاهرين بكثير، ومع ذلك ما تدخل الجيش ولا القوات الأمنية، لا لمنع التخريب في ساحة رياض الصلح ببيروت وساحات طرابلس، ولا لمنع الصارخين شيعة شيعة، والمتبخترين بموتورسيكلاتهم وسلاحهم في شوارع بيروت كلّ الليل! وبعد يومين أو ثلاثة، صدر بيانٌ عن فرع المعلومات بقوى الأمن الداخلي أنّهم أوقفوا أحد عشر شاباً من مخرِّبي رياض الصلح، وأعداداً أكبر من مخرِّبي طرابلس. ثم علمتُ من الصحف والتلفزيونات أنّ مخابرات الجيش أطلقت أربعين من المتبخترين لأنه ليست عندها أماكن لتوقيفهم بانتظار التحقيق معهم، ثم إنّهم لا “يستحقون” التحقيق! وهكذا فإنّ صارخي “الشيعة – الشيعة ” الذين أُوقفوا أُطلق سراحهم. أما المخرِّبون “السنة” الذين أحضرهم المتبخترون للحرق والتكسير فما يزال التحقيق جارياً معهم، ولا شكّ أنّ سراحهم سيُطلق قريباً، وإلاّ فكيف تجرّأوا على التكسير والإحراق بدون توجيهٍ وحماية؟!

كان رئيس الجمهورية يريد من وراء الدعوة الصورةَ وليس غير. وقد حصل على صورته مع حلفائه، وبينهم رئيس الحكومة، وممثّلو ثلاث أو أربع نواب من السُنّة

لا أعرف إذا كان فخامة الرئيس ما يزال مصرّاً على أنّ الحزب لا يستعمل سلاحه بالداخل(!) أما الذي أعرفه يقيناً أنّ الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى ومنذ احتلال بيروت عام 2008 وإلى اليوم، ما كانوا مستعدّين لمنع الاجتياحات المسلّحة لمدننا وبلداتنا! وقد قال الدكتور جعجع لفخامة الرئيس: ما حاجتك لدعوتنا جميعاً لحماية السلم الأهلي، ما دام حلفاؤك هم الذين يحملون السلاح، ويهدّدون السلم؟ ما حاجتك إلينا ونحن لا نحمل السلاح ولا نهدِّد أحداً؟ تحدثْ يا فخامة الرئيس إلى حلفائك، وامنعهم من ذلك إذا استطعت أو أردت!

كان رئيس الجمهورية يريد من وراء الدعوة الصورةَ وليس غير. وقد حصل على صورته مع حلفائه، وبينهم رئيس الحكومة، وممثّلو ثلاث أو أربع نواب من السُنّة. وغاب المسيحيون الأقوياء. وللتذكير بموقف رئيس الحكومة الماجد والشجاع، والذي زعمتُ مراراً أنّه لا وجه له ولا ظلّ. بعد يومٍ واحدٍ على الإغارات في بيروت وطرابلس، خرج علينا بخطبةٍ عصماء قال فيها كلاماً غريباً، قال إنّه أحبط انقلاباً على العهد وعلى حكومته الميمونة(!). لكن من الذي ارتكب تلك المحاولة الفظيعة ما دام الذين اجتاحوا الشوارع وخرّبوا هم الذين جاءوا بك وبالحكومة العظيمة؟!

رئاسة الحكومة في حالة شغور، ورئاسة الجمهورية في حالة ضمور! ومع ذلك هناك مجال يستطيع فيه رئيس الجمهورية الإسهام في السلم الأهلي وفي تحسين علاقتنا بالعرب والعالم، وهو حدّ أدنى عنوانه “الاستراتيجية الدفاعية”. بالاستراتيجية الدفاعية لا يعود المواطنون معرّضين للسلاح غير الشرعي ولا تعود القرارات الدولية مهدّدة وتنفتح علاقاتنا بالعرب وبالعالم. لكنّها أمنيات خابت من زمان!

لقد صار العهد عارياً حتّى في الصورة. هو انتهى مع حكومته، وصار اللبنانيون جميعاً في مواجهة الحزب والزعيم. لا السلاح ينفع، ولا نظام الأسد، ولا الاقتصاد المشرقي، ولا شخصية جبران باسيل الفاتنة، ولا حشود الرايات الصفراء.

لقد بدأت أيها الشيخ الرئيس بهم ومعهم، وانتهيت عند بني قومك قبل الآخرين. لقد انتهى المسيحي القوي عند المسيحيين. وبقينا نحن المواطنين اللبنانيين جميعاً صامدين عند ركام الوطن المتصدع تحت وطأة سلاح الزعيم. ولنا الله.

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…