بولتون: أردوغان يتكلّم كموسوليني وبوتين متلاعب كذّاب!

مدة القراءة 7 د

 

لم يوفّر جون بولتون أحداً في كتابه “الغرفة التي شهدت الأحداث/The Room Where It Happened” ممن ينتقدهم من رؤساء الدول الأجنبية. حتّى وهو يحشد كلّ الشواهد على عدم كفاية رئيسه دونالد ترامب حين كان هو مستشاره للأمن القومي على مدى 17 شهراً، وهي مدّة طويلة نسبياً في ولاية أربع سنوات، نظراً لعدد الوزراء والمستشارين الذين تساقطوا على الطريق. وشهادة بولتون ليست من دون انتقادات حتّى من جهة الديموقراطيين أعدى أعداء ترامب. والسؤال الأكبر هو: لماذا لم يقدّم شهادته في قضية ابتزاز ترامب لأوكرانيا وربط الدعم الأمني المقرّر لها (391 مليون دولار) بتعاونها في التحقيقات الجارية فيها ضدّ الديموقراطيين لا سيما نائب الرئيس السابق جون بايدن؟ ولو فعل ذلك، فلربما تمكّن الكونغرس من محاكمة ترامب بتهمة تهديده الأمن القومي والإضرار بمصالح بلاده من أجل مصالح شخصية وسياسية ضيقة، وربما إزاحته عن المنصب؟ فلماذا آثر بولتون الآن كشف المستور مقابل مليوني دولار من دار النشر؟

إقرأ أيضاً: فيلتمان: باسيل مرشّح جدّي للعقوبات الأميركية وخطّة دياب… حزب الله سيحصد المكاسب

في المقابل، فإنّ الهجوم المنسّق الذي يخوضه بولتون منفرداً ضدّ حملة إعادة انتخاب ترامب، يكشف أوجه القصور في شخصيته كرئيس أقوى دولة في العالم، والخلل في بنيته النفسية النرجسية التي تجعله لقمة سائغة لمتلاعبين بارعين في فنّ التضليل مثل الضابط السابق في “كي جي بي”، رئيس روسيا القوي فلاديمير بوتين، وهو الخلل الذي يكاد يكون حالياً الخطر الأكبر على مستقبل ترامب سياسياً. ويحذّر المراقبون الأميركيون من وقوع ترامب في فخ بولتون. فبدلاً من تركيز ترامب على قضايا الساعة في الولايات المتحدة، ومراكمة رصيده الانتخابي في محاولة التعويض شعبياً أمام منافسه بايدن الذي يسبقه حالياً في استطلاعات الرأي بثماني نقاط في الأقل، ها هو يتورّط في الردّ على مستشاره السابق متهماً إياه بالكذب تارة، وبكشف أسرار الدولة تارة أخرى. وفي هذه الحالة، يدفع الجمهور إلى الاهتمام أكثر فأكثر بما كتبه بولتون وما يكشفه من أسرار، مع التدقيق بعثرات ترامب وجهالاته المثيرة للسخرية في السياسات الدولية. مع العلم أنّ الكتاب روجع مرّات عدة من الجهات الرسمية الأميركية للتأكد من عدم كشفه لأسرار الدولة وعملياتها السريّة حول العالم. وما يدلّ على الاهتمام البالغ بكتاب بولتون، هو تسريب مقتطفات منه في “نيويورك تايمز” مطلع العام الحالي، ثم الاستحواذ بالقرصنة على نسخة إلكترونية من كامل الكتاب ونشرها على أوسع نطاق قبل أيام قليلة من صدوره رسمياً.

يتناول بولتون شخصيات رئيسية على المسرح الدولي ممن كانت لترامب علاقات متناقضة معهم، ومن أبرزهم كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

بالنسبة إلى الرئيس الكوري الشمالي، يقول بولتون إن ترامب بتصرّفه غير المفهوم، كان يضفي الشرعية على النظام في كوريا الشمالية، التي هي أشبه بمعتقل كبير، بمجرّد أن قَبِل الاجتماع بكيم جونغ أون، وهو ما يذكّر بموقف ونستون تشرشل من تخاذل حكومة بريطانيا أمام التمدّد النازي عام 1935. رفض ترامب مبادرة كوريا الجنوبية من أجل ترتيب لقاء ثنائي، ولمنع كوريا الشمالية من إحداث فجوة في العلاقات التاريخية بين واشنطن وكوريا الجنوبية. الأسوأ من ذلك، أن الكوريين الشماليين نجحوا في التأثير الشخصي في ترامب، من خلال رسالة كيم جونغ أون إليه، والتي تعاملت بحذق مع الشخصية النرجسية لترامب.

وفيما يتعلّق بالرئيس التركي، يقول بولتون إن ترامب وعلى الرغم من اشتهاره إعلامياً بميوله المعادية للإسلام، لكنه ظلّ متمسكاً بعلاقته مع أردوغان. وذلك مع الجهود التي بذلها حلفاء أساسيون في أوروبا وفي الشرق الأوسط، وكذلك مستشاروه، من أجل إقناعه بأن أردوغان نفسه، هو إسلامي راديكالي، وأنّ أردوغان يعمل بجهد على تحويل الدولة العلمانية الأتاتوركية إلى دولة إسلامية. فهو يدعم الإخوان المسلمين ومتشدّدين آخرين في أرجاء الشرق الأوسط، ويموّل حماس وحزب الله، دون أن نغفل عداءه الشديد لإسرائيل. كما أنه ساعد إيران للتملّص من العقوبات الأميركية.

أردوغان يقوم أحياناً بدور الوسيط بين واشنطن وموسكو، لخدمة بوتين، وخفض التوتر بين الدولتين بسبب أحداث سوريا

ولدى تصاعد الأزمة بين أنقرة وواشنطن بسبب اعتقال الراعي الإنجيلي المسيحي أندرو برونسون الذي عاش هو وعائلته في تركيا على مدى عقدين، بتهمة دعم الانقلاب على أردوغان عام 2016، حاول أردوغان المقايضة بينه وفتح الله غولن رئيس الجماعة الإسلامية المتهمة بتدبير الانقلاب والذي يعيش في الولايات المتحدة. كان فتح الله حليفاً قوياً لأردوغان، قبل انقلاب الحال بينهما، فأصبح ألدّ الأعداء، وصنّفه إرهابياً هو وجميع أتباعه. وأضيف إلى الملف العالق بين تركيا والولايات المتحدة، القضية المرفوعة ضد المدير التنفيذي للبنك التركي الرسمي “Halkbank” محمد حقان أتيلا، بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران. وهذا الاتهام يطال أردوغان نفسه، لأنّ أسرته تستخدم البنك المذكور لأغراض خاصة، عندما أصبح صهره وزير المالية. ويتهم أردوغان جماعة غولن بالإسهام في هذه القضية ضد البنك، وأن القضية برمّتها جزء من التآمر عليه، دون ذكر الثروة المتنامية لأسرته. وطالب أردوغان بإسقاط الدعوى على البنك من ضمن الصفقة السياسية.

الفارق بين أردوغان وموسوليني، أن الأول يتكلّم بحجم الصوت نفسه والنبرة نفسها، خلال المكالمة الهاتفية، وكأنه يتلو خطاباً

وأردوغان من جهة ثانية، يقوم أحياناً بدور الوسيط بين واشنطن وموسكو، لخدمة بوتين، وخفض التوتر بين الدولتين بسبب أحداث سوريا. وعندما بدأت التحضيرات لضربة أميركية ضد مواقع النظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيميائي في دوما بالغوطة، تدخل أردوغان لتجنّب صدام روسي أميركي في سوريا، رافضاً في الوقت نفسه الإسهام في حملة دولية ضد النظام السوري. وقامت الطائرات الأميركية والبريطانية والفرنسية بتنفيذ غارات على مطارات ومستودعات أسلحة كيميائية، في 14 نيسان عام 2018. وكان السعي دؤوباً لتجنّب وقوع خسائر روسية، من دون الاهتمام بمصير الإيرانيين إن كانوا في المواقع المستهدفة. وهنا يروي بولتون انطباعاً شخصياً عن أردوغان وهو يتحدّث هاتفياً معه. إنه كموسوليني، يتحدّث من على شرفته في روما. وحتى ملاحظاته تُترجم أثناء المكالمة. والفارق بين أردوغان وموسوليني، أن الأول يتكلّم بحجم الصوت نفسه والنبرة نفسها، خلال المكالمة الهاتفية، وكأنه يتلو خطاباً!.

أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد استعمل مهاراته السابقة كضابط استخبارات سابق في الكي جي بي السوفياتية لتضليل ترامب في أكثر من مناسبة. منها أنه أقنع الرئيس الأميركي أن دعم المعارض الفنزويلي خوان غوايدو يؤدي إلى نتائج معاكسة، أي إلى تعزيز شعبية الرئيس نيقولاس مادورو. وأقنعه كذلك، أن التظاهرات التي حشدها مادورو أكبر من تظاهرات غوايدو، وأن الأخير يزعم أنه شخص مهمّ لكنه لا يحظى بالدعم الشعبي الكافي. وادّعى بوتين خلال اتصالاته مع ترامب أن روسيا باعت الأسلحة سابقاً لفنزويلا في عهد الرئيس الراحل تشافيز، وأنه ليس لروسيا أيّ دور حقيقي في الأحداث الجارية.

وبالمثل، في سوريا، ظلّ بوتين يزعم أنه يعمل في سبيل الحل السياسي. وبالمقابل، فإن المعارضة لا يوثق بها، إذ إن مواقفها تتغيّر على حدّ تعبيره بين يوم وآخر. وادّعى بوتين أمام محاوريه الأميركيين أن أهدافه مختلفة عن أهداف الإيرانيين في سوريا، لكن من يتولّى إخراجهم منها؟ وإذا خرج الإيرانيون فمن يحمي نظام الأسد من هجمات المعارضة المدعومة من الغرب؟

وكان لافتاً تحذير بوتين للأميركيين من تشغيلهم لما يقرب من 5000 مقاتل محلي في منطقة التنف في المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، من ضمن البروبوغندا التي تنشط بكثافة في هذا الاتجاه، معتبراً إياهم من داعش، أو متقلّبين ينقلون البندقية من كتف إلى كتف عندما تكون مصلحتهم بادية،. وبحسب بوتين، فإن هؤلاء مستعدون الآن لتقبيل أيّ جزء من جسم الأميركيين (…) لتحقيق مصالحهم. ويقول بولتون إن المترجم عن الروسية لم يشأ ترجمة هذه العبارة حرفياً!

للحديث صلة …

 

مواضيع ذات صلة

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…

وزير الخارجيّة المصريّ في بيروت: لا لكسر التّوازنات

كثير من الضوضاء يلفّ الزيارة غير الحتميّة للموفد الأميركي آموس هوكستين لبيروت، وسط تضارب في المواقف والتسريبات من الجانب الإسرائيلي حول الانتقال إلى المرحلة الثانية…

تعيينات ترامب: الولاء أوّلاً

يترقّب الأميركيون والعالم معرفة ماذا تعلّم الرئيس ترامب من ولايته الأولى التي كانت مليئة بالمفاجآت وحالات الطرد والانشقاقات، وكيف سيكون أسلوب إدارته للحكم في ولايته…

الميدان يَنسِف المفاوضات؟

لا شيء في الميدان على المقلبين الإسرائيلي واللبناني يوحي بأنّ اتّفاق وقف إطلاق النار يسلك طريقه إلى التنفيذ. اليوم ومن خارج “دوام عمل” العدوّ الإسرائيلي…