السلطة “تلعب” على المسارح.. وتقفلها أمام المسرحيين

مدة القراءة 5 د


يكتب احدهم تعليقاً على فايسبوك ساخراً من الحكومة التي، بحسب قراراتها المتعلّقة بكورونا، يمكن للمواطن أن يذهب إلى مسبح خاص ويستخدم بركة السباحة مع آخرين وأن يتبادل السوائل من لعاب وعرق وبول الأطفال وسواها في بركة واحدة، أو يشارك مع المئات في تكريم وزير الصحة حمد حسن على نجاحه في الإنتصار على كورونا (الصورة)، ويحمل الوزير على الأكتاف في الإكتظاظ، من دون أي احترام لمعايير التباعد الإجتماعي التي ينادي بها الوزير، ولا يستطيع أن يشاهد مسرحية في قاعة مسرح، أو متابعة فيلم في صالة سينما. فالحكومة لم تسمح بعد للمسارح ودور السينما بفتح أبوابها على الرغم من إعادة افتتاح المقاهي والمطاعم والمولات والأسواق التجارية، وعودة الحياة شبه الطبيعية في كلّ مفاصلها اليومية. 

وزير الصحة حمد حسن

محمد بزّي شريك في تأسيس، ومدير، “تياترو فردان”، المكان الذي يقدّم عروضاً مسرحية وحفلات في بيروت. وبسبب أنّ رخصة المكان هي لمسرح وليست لمطعم، لا يستطيع أن يعاود العمل في مصدر رزقه مع شركائه. ولو أن رخصته كانت لمطعم، لكان بإمكانه في المكان نفسه أن يفتح ويباشر العمل من دون أيّ مانع قانوني، فيما الجميع يستطيع أن يلاحظ أن التباعد الاجتماعي لم يلتزم به أحد في القطاعات التي جرى افتتاحها، خصوصاً مطاعم الوجبات السريعة التي تشهد زحمة وطوابير لشراء منقوشة أو ساندويش شاورما. هذا إذا أغفلنا الزحمة أمام أبواب الصرّافين.

إقرأ أيضاً: هل يملك الخرخار تغييراً لمجراه؟

في المسارح، بحسب بزي، يمكن اعتماد معايير لا مجال إلا لتطبيقها بأمان عبر ترك مقاعد فارغة في القاعات، أو تطبيق التباعد الاجتماعي “الكوميدي” كما هو الحال في المطاعم، أي أن لا يطبّق التباعد الاجتماعي إلا بين الطاولات فيما المتحلّقون حول طاولة واحدة حتى لو كانوا عشرين شخصاً، يمكنهم الجلوس من دون أيّ نوع من التباعد الاجتماعي على أساس أنهم مجموعة واحدة. وهذا تدبير، بحسب بزّي، لا يمكن وصفه إلا بـ”الغباء”، لأنّ الامتناع عن فتح المسارح والسينما “يرتّب على كثيرين يعتاشون من هذا القطاع، من ممثّلين وموسيقيين وكتّاب سيناريو ومخرجين ومنتجين أن يبقوا بلا عمل في أسوأ أوضاع اقتصادية تمرّ بها البلاد، فيما المطلوب من وزارة الثقافة أن تهتمّ بهذا القطاع الحيوي والذي يشغّل آلاف العمال في قطاعات مختلفة”.  

“أساس” حاول التواصل مع وزير الثقافة والزراعة عباس مرتضى، إلا أنّه لم يجب على هاتفه الخلوي، وتركنا له رسالة مكتوبة، ومع ذلك بقينا من دون جواب

الممثّلة عايدة صبرا قطعت الأمل من هذا البلد وستهاجر هذه المرة لوقت طويل إلى كندا، حيث يعيش أبناؤها. بالنسبة إلى عايدة، الدولة لا تولي اهتماماً لهذا القطاع، و”ما عاملتله اعتبار”. ولو أن هذا القطاع يهمّ الدولة ووزارة الثقافة، لكانت عملت على افتتاح المسارح. لكن صبرا تتحدّث بشيء من الواقعية: “يجب ألا نغفل الحالة الاقتصادية التي تؤثر بشكل كبير في هذا القطاع وفي غيره من القطاعات طبعاً، مع تغيّر أسعار الدولار”. فبرأيها هناك مشكلة “في مدى قدرة المسارح على الاستمرار مع أسعار بطاقات منخفضة على سعر الصرف القديم، فيما ينفّر رفع الأسعار كثيرين من مرتادي المسرح الذين يعتمدون على العروض المسرحية للتنفيس عن أزماتهم”.

بالنسبة إلى عايدة صبرا، المسرح والفنّ هما الوسيلة الوحيدة لتحمّل تبعات الأزمات التي نعيشها و”لو أنّ الدولة يهمّها صحة المواطن النفسية”. برأيها “كان من الممكن تقديم عروض مسرحية في الشارع. وهذا أمر شائع وناشط في أوروبا حيث تقام مهرجانات في القرى والساحات”. وتضيف صبرا: “معايير السلامة العامة والتباعد الاجتماعي، يمكن تطبيقها بسهولة كبيرة في العروض المسرحية. وهي أكثر أماناً من غيرها من القطاعات التي جرى افتتاحها من دون أيّ اعتبار ومن دون أيّة معايير.. بس بدك مين يهتم”.

“أساس” حاول التواصل مع وزير الثقافة والزراعة عباس مرتضى، إلا أنّه لم يجب على هاتفه الخلوي، وتركنا له رسالة مكتوبة، ومع ذلك بقينا من دون جواب. ربما كان الوزير مهتماً بالقسم الآخر من وزارته، أي الزراعة، خصوصاً أنّ المواسم الزراعية مزدهرة هذه الأيام، وعلى ما يقول عادل إمام في “مدرسة المشاغبين”: “القرع لما استوى قال للخيار يا لوبيا!”.

المفارقة أنّ وزارة الصحّة العامة حينما أرادت تكريم مدير عام الوزارة بعد إحالته إلى التقاعد، أقامت احتفالاً كبيراً في قاعة أحد المسارح، ولم يكن هناك من تباعد اجتماعي بين المقاعد، كما تظهر الصور التي نشرتها الوزارة في صفحتها على فيسبوك. فيما التزم معظم الحاضرين بلبس الكمّامات. والمفارقة الأكبر أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري حينما قرّر عقد جلسة نيابية في ظلّ كورونا، نقل مكان انعقادها إلى قاعة مسرح الأونيسكو لأنها أكثر أماناً على مستوى كورونا من مجلس النواب نفسه. مع أنّ العرض المسرحي في الحالتين سيكون ممتعاً ومضحكاً، وعلى ما يقول الشاعر الإنجليزي بيرسي بيش شيلي: “الجلوس في المسرح لمشاهدة مسرحية يبعث فيك البهجة والسرور كما لو كنت في قاعة البرلمان”!.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…