ما يحيّر في أزمة كورونا هو المفارقة في الإصابات والوفيات بين البلدان حتى المتجاورة، فضلاً عن الفوارق الهائلة بين بلد المنشأ في الصين وبقية العالم، بالنظر إلى العدد الإجمالي للسكان في الصين، والبلدان الموبوءة في أوروبا وأميركا شمالها وجنوبها. وتعدّدت التأويلات العلمية دون أن تكون حاسمة، فهل هي نسخ مختلفة من الفيروس، أم هي الخصائص البيئية والجينية لكلّ شعب من الشعوب، أم هي قدرة الدولة أو تلك على الاستيعاب الصحي نظراً لبنيتها التحتية الصلبة أم هي صرامة الإجراءات وإقدام زعماء الدول أو تردّدهم أو استهتارهم؟
إقرأ أيضاً: خليفة لـ”أساس”: جائحة الكورونا أهون من انقطاع الكهرباء والتسمّم الغذائي
لبنان يجاور فلسطين المحتلة، وعدد السكان متقارب (أكثر من ستة ملايين في لبنان، وأكثر من 8 ملايين في إسرائيل). ومن المؤكد أنّه لدى إسرائيل، كمجتمع استيطاني حربي، ومستنفر للقتال في أيّ لحظة، تجهيزات طبية متطوّرة، ولديها قدرات تقنية أقوى بكثير من لبنان. لكن أرقام الكورونا بين لبنان وإسرائيل مختلفة. ففي لبنان، ومع ارتفاع الإصابات بشكل متسارع منذ فتح مطار رفيق الحريري الدولي وتخفيف الإجراءات، تبقى الأرقام المسجّلة ضئيلة (حتى 16 تموز، 2599 إصابة من حيث الإجمال، منهم 1074 إصابة ناشطة، و40 وفاة، و14 حالة حرجة. فيما تعافى حتى لحظة كتابة المقال 1485 مصاباً. أما العدد التراكمي للفحوص فبلغ 194.448 حالة، ولا يتعدّى الفحص اليومي لمقيمين ووافدين حدود خمسة آلاف، وهو أقل من ذلك معظم الأحيان).
أما في إسرائيل، فبلغ العدد الإجمالي للإصابات حتى 17 تموز، 46,546 إصابة، و25.636 إصابة ناشطة، و387 وفاة، في حين تعافى من المصابين 20.523 شخصاً. وتراوح عدد الفحوص في إسرائيل ما بين 5 إلى 6 آلاف فحص يومياً منذ بداية الوباء، ومن المفترض أن يتجاوز عدد المفحوصين نصف مليون).
عندما ظهرت إصابات الكورونا في إسرائيل خلال شهر آذار الماضي، كان القرار بفرض إغلاق سريع وشديد لكلّ النشاطات
وفيما تتمسّك الحكومة اللبنانية بإجراءات موضعية مع ظهور إصابات في بعض أحياء بيروت، وبعض البلدات والقرى، وتبتعد عن خيار الإغلاق الشامل لما له من آثار سلبية في بلد منهار اقتصادياً، تحتار الحكومة الإسرائيلية بإزاء انتشار جديد لفيروس الكورونا في فلسطين المحتلة، فهل تأمر بإغلاق شامل آخر، أم تختار الإغلاق الموضعي؟
رئيس الوزراء نتنياهو صرّح عبر حسابه بتويتر أنّ حكومته ستفعل كلّ ما يمكنها فعله لتجنّب الإغلاق. وأضاف أنه سيمنح الوزراء أسبوعاً لتقديم اقتراحات من أجل فتح آمن للنشاط الاقتصادي.
عندما ظهرت إصابات الكورونا في إسرائيل خلال شهر آذار الماضي، كان القرار بفرض إغلاق سريع وشديد لكلّ النشاطات. وبعد أن تراجعت الإصابات وتجاوزت أعداد المتعافين أعداد المصابين، خفّفت الحكومة من قيودها. وكانت الذروة في إصابات الموجة الأولى في نيسان، عندما بلغت 633 إصابة في يوم واحد، ثم انخفض المعدل في بعض أيام أيّار إلى عشرات الإصابات فقط.
الإجراءات الإسرائيلية كانت شديدة في الربيع، حتّى إنّها قيّدت عدد الخارجين من بيوتهم. ومع انخفاض عدد الإصابات تراجعت القيود. وفتحت بعض الصفوف الدراسية في أيار، وتبعتها بسرعة كلّ الصفوف من مختلف الدرجات.
هذه الموجة الجديدة من كورونا في إسرائيل، بحسب المدير السابق لوزارة الصحة غابي بارباش، وهو أستاذ علم الأوبئة في “مؤسسة وايزمن”، سببها الأساسي هو قرار الحكومة بفتح المدارس، وقاعات الاحتفال، والملاهي، فانتشر الوباء بين الشباب
لكن العودة إلى الحياة الطبيعية لم تطل، ففي يوم واحد من شهر تموز، بين 6 و7 تموز، سجّل في إسرائيل 1.528 إصابة. وبلغت ذروة الإصابات بعد أسبوع، أي 1.681 مصابًا جديدًا، وهو أعلى رقم منذ انتشار الوباء فيها. وفرضت الحكومة بعض القيود، فأقفلت الحانات والنوادي والقاعات، والمسابح. وفُرض على المطاعم عدم استقبال أكثر من عشرين فرداً في وقت واحد.
هذه الموجة الجديدة من كورونا في إسرائيل، بحسب المدير السابق لوزارة الصحة غابي بارباش، وهو أستاذ علم الأوبئة في “مؤسسة وايزمن”، سببها الأساسي هو قرار الحكومة بفتح المدارس، وقاعات الاحتفال، والملاهي، فانتشر الوباء بين الشباب. ويقول بارباش إنّ “الناس بعد الموجة الأولى، كانت متحمسة للخروج، وساد اعتقاد بأنّ الكورونا قد انتهت. ضغطوا على الحكومة، ولم تكن صارمة بما فيه الكفاية، فاتخذ القرار باستئناف العملية التربوية بالحجم الكامل ودون أيّ قيود”. وتقول وزارة الصحة الإسرائيلية إنها تتوقع أن يصل عدد المرضى المحتاجين إلى تنفّس اصطناعي إلى حوالى 2000، فيما العدد حالياً هو 32 فقط.
وبالمقارنة بين كورونا في لبنان وفي إسرائيل. يمكن الإشارة إلى أن سبب الفارق في الإصابات إجمالاً يكمن في ارتفاع عدد الفحوص في إسرائيل على عدد الفحوص في لبنان، ما يجعل عدد المصابين المسجّلين في إسرائيل 16 ضعفاً من المصابين المسجّلين في لبنان، حتّى مع ملاحظة فارق السكان وهو مليونان تقريباً. وإن كانت العبرة في عدد الوفيات، فإنّ وفيات كورونا في إسرائيل هي 10 أضعاف وفيات كورونا في لبنان. فهل ثمّة من توفي في لبنان بسبب كورونا ولم يسجّل في هذه الخانة؟
هذا ممكن بالقياس إلى ما حدث في إيطاليا وفي كلّ البلدان التي أصيبت بالوباء.