لنتمعّن في العبارة التي استخدمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير: “ونحن في لبنان بعد تجربة من 1948، الذي يحمي بلدنا ويحمي سيادتنا ويحمي مياهنا ونفطنا وغازنا وشعبنا وكرامتنا وأمننا وأعراضنا ونساءنا وأطفالنا هو سلاحنا. والذي يضعنا ما بين خيارين: “يا نقتلك بالسلاح يا نقتلك بالجوع، أقول له، سيبقى سلاحنا في أيدينا ولن نجوع ونحن سنقتلك، نحن سنقتلك، نحن سنقتلك”.
إقرأ أيضاً: حزب الله: بانتظار التسوية أو المواجهة
هذه العبارة هي أهم ما ورد في الخطاب من رسائل مشّفرة وغير واضحة أو محدّدة، ما أثار الكثير من الأسئلة والاستفهامات في الأوساط السياسية والإعلامية والدبلوماسية في بيروت حول أبعاد هذه التهديد ولمن هو موّجه، وهل المقصود الأميركيين أو الإسرائيليين أو بعض الجهات المتحالفة مع الأميركيين في لبنان والعالم العربي؟
التهديد بالمواجهة والقتل لمن يريد تجويع الشعب اللبناني أو الشعب السوري أو لمن يعمل لنزع السلاح، كان العبارة الأخطر في الخطاب
ورغم أنّ الخطاب تضمّن الكثير من المواقف والتصريحات والأفكار حول الأوضاع اللبنانية والتطوّرات الأخيرة، وشرح موقف الحزب منها، ورفضه الفتنة الداخلية، ودعم الحوار، وتقديم أفكار قديمة وجديدة حول مواجهة الحصار الاقتصادي وقانون قيصر الأميركي الذي بدأ الأميركيون تنفيذه لمعاقبة النظام السوري والمتعاونين معه، فإن التهديد بالمواجهة والقتل لمن يريد تجويع الشعب اللبناني أو الشعب السوري أو لمن يعمل لنزع السلاح، كان العبارة الأخطر في الخطاب، لأنّ السيد نصر الله لم يحدّد بوجه من أطلق التهديد وما هو المقصود به، وكيف ستكون آليات المواجهة المقبلة؟
تشير مصادر مطلعة على أجواء محور المقاومة الذي يضمّ سوريا وإيران وحزب الله وحلفاءهم، إلى أنّ ما طرحه السيد حسن نصر الله من أفكار واقتراحات ومواقف يمكن اعتبارها الخطة “ب” التي يمكن اللجوء اليها في المرحلة المقبلة في حال ازدادت الضغوط الأميركية على لبنان وسوريا وإيران والحزب، وأن نصر الله لم يلغِ الخيارات الأخرى، بل ترك باب التفاوض مع صندوق النقد الدولي والعمل للحصول على مساعدات ودعم من الدول الغربية والعربية قائماً، لكنّه دعا إلى البحث عن خيارات أخرى ووضعها بشكل جدّي على طاولة البحث من أجل عدم الانتظار طويلاً لما ستسفر عنه المفاوضات، ولمنع البلد من الانهيار في الأشهر المقبلة.
المصادر المطلعة تقول إنّ الحزب استكمل الجهوزية الكاملة لإمكانية حصول مواجهة شاملة مع العدو الصهيوني
توضح هذه المصادر أنّ نائب الأمين لحزب الله الشيخ نعيم قاسم حرص على توضيح هذه النقاط بعد أقلّ من 24 ساعة على خطاب السيد نصر الله من خلال مقابلة موسّعة وشاملة مع قناة “LBC”. فأكّد عدم إغلاق الباب على أيّ مساعدات أو دعم من الخارج وحتّى من الأميركيين ومن السعوديين. وأوضح مواقف الحزب الرافضة للفيدرالية وتغيير النظام والميثاق، مؤكداً الدعوة لتطبيق اتفاق الطائف.
لكن ماذا عن تهديدات نصر الله وخطة الحزب للمرحلة المقبلة؟
المصادر المطلعة تقول إنّ الحزب استكمل الجهوزية الكاملة لإمكانية حصول مواجهة شاملة مع العدو الصهيوني، لأنّ هذا الإحتمال أصبح وارداً بقوة في المرحلة المقبلة بسبب زيادة الضغوط الأميركية والإسرائيلية على الحزب وإيران وسوريا والاستعدادات لتطبيق قرار ضم الضفة الغربية وغور الأردن. هذا مع أنّ خيار الحرب لن يكون سهلاً سواء للإسرائيليين أو لحزب الله. لكن بالنسبة إلى جميع القوى المعنية في المنطقة بات المطلوب الاستعداد لكل الاحتمالات. وقد يكون ما حصل عام 2006 هو أحد السيناريوهات المتوقعة. كأن تؤدي عملية موضعية من قبل الإسرائيليين أو حزب الله إلى جرّ المنطقة لحرب شاملة.
المواجهة الشاملة ليست الخيار النهائي لمحور المقاومة، فالأبواب ستبقى مفتوحة لكلّ الاحتمالات، ومنها إمكانية حصول تسوية
أما الاحتمال الثاني، فهو العودة إلى مرحلة الثمانينات من القرن الماضي، ولا سيما بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 بدعم أميركي، الذي تزامن مع تصاعد الحرب العراقية – الإيرانية بدعم عربي وغربي، ما أدى إلى دخول لبنان والمنطقة في مواجهة شاملة استعملت فيها كلّ الأسلحة والتكتيكات في مواجهة الإسرائيليين وقوات المارينز والفرنسيين. فطالت المصالح الأميركية والغربية بشكل واسع. ما يعني دخول لبنان والمنطقة في حرب متعدّدة الأطراف تحت عنوان: “نكون لأو لا نكون”.
لكن هل هذا الخيار محسوم؟ وهل المواجهة الشاملة أصبحت خياراً نهائياً في الأشهر المقبلة؟
تجيب المصادر أنّ المواجهة الشاملة ليست الخيار النهائي لمحور المقاومة، فالأبواب ستبقى مفتوحة لكلّ الاحتمالات، ومنها إمكانية حصول تسوية روسية – أميركية حول الوضع في سوريا، أو تسوية أميركية – إيرانية حول كلّ الأوضاع في المنطقة، إضافة لعدم زيادة الضغوط الأميركية إلى الحدّ الاقصى والتوصّل إلى حلول ومعالجات للأوضاع الاقتصادية والمالية في لبنان بما يمنع الانهيار الكامل. ولكن ذلك لا يلغي الحاجة للاستعداد لخيارات أخرى، وقد يكون التهديد بالحرب هو أحد أهم الأسلحة لمنع حصول الحرب.
الحزب يتابع ترتيب العلاقات مع القوى اللبنانية وهو يشجع على كافة أشكال الحوار والتواصل لتخفيف حدة الاحتقان
تكشف المصادر أنه تزامناً مع التصعيد السياسي والإعلامي لحزب الله في مواجهة الضغوط الأميركية والخارجية، فإنّ الحزب يتابع ترتيب العلاقات مع القوى اللبنانية وهو يشجع على كافة أشكال الحوار والتواصل لتخفيف حدة الاحتقان ومنع الفتنة وإعادة ترتيب الوضع الداخلي، إضافة لفتح حوار شامل مع كلّ قوى المعارضة للحكومة وخصوصاً مجموعات الحراك المدني والقوى اليسارية والشيوعية والقومية، التي حرصت على تمييز مواقفها عن الجهات الداعية لنزع سلاح حزب الله وتطبيق القرار 1559. وهو ينظر بارتياح لدور هذه القوى والتعاون معها للعمل لإصلاح الوضع الداخلي.
وتختم المصادر بالتأكيد على أنّ “المطلوب اليوم وضع كلّ الخيارات والاحتمالات لمواجهة الضغوط الأميركية المتصاعدة. وإذا انحشر حزب الله وحلفائه في الزاوية، فلا يمكن أن تطلبوا منهم التفرّج على عملية تجويع الشعبين اللبناني والسوري والموت البطيء الحاصل اليوم”.