الزعيم يشن الحرب على المواطنين والسلم الأهلي!

مدة القراءة 7 د


قال لنا زعيم حزب الله في 16 حزيران الجاري، وبدون تردّد، عدة أمورٍ كان كثيرون من اللبنانيين يأبَون أن “يتعقَّلوها”، وقد أُرغموا أخيراً على ذلك لأنه جمعها معاً:

أولاً: أنّ الحزب وحركة أمل وجمهورهما ليسوا مسؤولين عن التخريب بوسط بيروت، والعراضات المسلَّحة، والشعارات الطائفية، وامتهان المقدسات الدينية، وعلى السلطات أن تبحث عن المرتكبين بعيداً عن اتهام هذين الطرفين، لأنه لا يريد الدخول في “معارك مذهبية بسبب سفيهٍ أو عميل”!

ثانياً: أنّ سلاح الحزب هو بالنسبة لبيئة المقاومة جزءٌ من ثقافة وعقيدة استراتيجية وأعمق بكثيرٍ مما يطرحه البعض.. “ومن سيضعُنا بين خيار نزع السلاح أو الجوع، فسيبقى السلاح في أيدينا ونحن سنقتله”!

إقرأ أيضاً: أهل السُنّة والجماعة.. الكتلة التاريخية للتغيير

ثالثاً: أنه لا يشارك في تهريب الدولار إلى سورية، وكذلك المازوت والموادّ الأخرى، ولا مسؤولية عليه في ذلك، بل هو يجلب الدولار إلى لبنان! وهناك بنك معين ونافذ هرَّب عشرات الملايين للخارج.. والولايات المتحدة تمنع تدفق الدولار إلى لبنان. ومع ذلك فهو يريد قتل الدولار!

رابعاً: أنه سيواجهُ قانون قيصر وآثاره في سورية ولبنان. وهناك تحالف طويل عريض مع سورية من روسيا إلى إيران إلى الصين..الخ، ولذا فالضرر الأكبر سيقع على لبنان، وهو لن يسمح بذلك. وعنده بدائل وخياراتٍ عبقرية سيكشفها في الوقت المناسب. وعاد لقصة الصين ومساعداتها، وصفقات المبادلة السلعية(!)، والصمود الفنزويلي، والتخلي عن الغرب  كله!  

الحرب التي أعلنها الزعيم هذه المرة ليست ضد الأميركان أو إسرائيل، بل ضد اللبنانيين الذين ذاقوا طعمها مراراً في شوارعهم ومصالحهم وأمن ناسهم

خامساً وأخيراً: زعيم الحزب حاقدٌ على وسائل الإعلام والتواصل لأنها ترتكب “خيانات” أخلاقية ووطنية. وذنبها في نظره أنها تنشر الشائعات المُغرضة. بينما الواقع أنها لا تفعل غير نقل الصُوَر والأخبار والأقوال، وتأتي بالمحللين السياسيين والاقتصاديين لفكّ “رموزها”. والواقع أنّ زعيم الحزب ما ترك حاجةً للتحليل والتفسير، وقال كلّ شيءٍ دفعةً واحدةً وبصلافةٍ، ودون ارتباك.

الذي قاله زعيم الحزب أنه ذاهبٌ إلى المعركة بل الحرب. وما اعتذر عما وقع في بيروت في 6/6 و11-12 / 6، واعتبر نفسه وحزبه غير مسؤولين عنه. كما أنه غير مسؤول عن استنزاف بقايا أموال المودعين والطاقة المشتراة مدعومةً والتي تذهب كلها إلى سورية. بدليل أنّ الكميات الدولارية التي أُرغم حاكم مصرف لبنان على إنزالها إلى السوق ما خفّضت من سعر الدولار بل زادتْه إلى حدود الخمسة آلاف ليرة للدولار الواحد! رغم أنهم أعطوا مدير الأمن العام صلاحيات جديدة (إضافة إلى مهامه التي لا تُعدُّ ولا تُحصى) للرقابة على “أمن الدولار”!

الحرب التي أعلنها الزعيم هذه المرة ليست ضد الأميركان أو إسرائيل، بل ضد اللبنانيين الذين ذاقوا طعمها مراراً في شوارعهم ومصالحهم وأمن ناسهم. هو يقول للبنانيين جميعاً: إمّا أن تخضعوا وتطيعوا الأوامر والتعليمات، بدون تردد، أو يكون ما يكون. أما الذين يعترضون قليلاً أو كثيراً فهم متورطون في التحريض المذهبي!

ما واجه التحدي القتالي والإنكاري لزعيم الحزب غير قلةٍ من النواب والتجمعات السيادية الذين دافعوا عن المواطنين والوطن والدولة في وجه هذا التمرد المسلَّح

قال بعض المحللين إنّ الزعيم منزعجٌ جداً من قانون قيصر، ومن اقتراب صدور حكم المحكمة الدولية في قتل الرئيس رفيق الحريري. لكنني لم أرهُ مرتبكاً ولا متوتراً. بل هو مصمِّمٌ على شنّ الحرب، وقد بدأها في الأسبوعين الماضيين. والحرب كلها هذه المرة على الشعب اللبناني، وعلى بقايا الدولة والنظام السياسي. فقد قدّم الزعيم وحزبه “تضحياتٍ” كبرى في سورية: قتل عشرات الآلاف وتهجير مئات الآلاف. وعندما حسِبَ أنّ النصر قد تحقّق، وجد نفسه في خضمّ معركةٍ جديدةٍ لا يملك فيها غير شهر السلاح على اللبنانيين، ولو على حساب أمنهم ولُقمة عيشهم، ومستقبل دولتهم ونظامهم.

حرب في لبنان على اللبنانيين، من أجل الإبقاء على النظام السوري المتأيرن!

ما واجه التحدي القتالي والإنكاري لزعيم الحزب غير قلةٍ من النواب والتجمعات السيادية الذين دافعوا عن المواطنين والوطن والدولة في وجه هذا التمرد المسلَّح. أما بيان رؤساء الحكومات السابقين فهو ضعيفٌ ومتَهافت، وهو ليس الأوّل في أوصافه، مع أنّ مدنهم هي التي واجهت وما تزال إنطلاق بدايات حرب الزعيم!

فلنوجز الاستنتاجات التي لا مهربَ منها: 

1.   أن الحزب المسلَّح المُطْبِق على الدولة والنظام السياسي، يقصم ظهر العيش المشترك، والسلم الوطني والأهلي، وهو في حالة إنكارٍ لإمكانيات الشراكة الوطنية أو الشراكة السياسية. هو ميليشيا مسلَّحة تعيث في الأرض المتصدعة فساداً، لأنّ الزعيم قرر أنّ السلاح “عقيدة”، وشكراً له أنه استدرك أنها “عقيدة استراتيجية” وإلاّ لأيقن المستمعون أنها دين من الدين، وهي كذلك عنده.

على اللبنانيين جميعاً إذا أرادوا بقاء دولتهم ونظامهم السياسي واستقلالهم وعيشهم الإنساني مواجهة هذه الميليشيا

2.   أنّ التلهّي بمهاجمة العهد وصهره وحكومته، وحتى الدخول في “حوار وطني” معه، كلُّ ذلك صار نافلةً من النوافل. فهذا العهد هو الذي قال رئيسه مراراً إنّ الجيش ضعيف وللحزب مهمتان: حماية لبنان من العدو الإسرائيلي ومكافحة الإرهاب. قلنا لا بأس، ما دمنا لا نحتاج للـ 1701 ولا للجيش على الحدود! فإذن يتفرغ الجيش والقوى الأمنية لحماية الأمن الداخلي من إرهاب التخريب مثلما حدث في 6/6 و11- 12 /6 في بيروت وطرابلس. لكنه ما قام بهذه المهمة الموكولة إليه أيضاً. لقد أعطى العهد الزعيم وحزبه كل الدولة دفعةً واحدةً، وتفرغ هو لتحصيل “حقوق المسيحيين” الذين لكثرة ما حصلوا عليه من حقوق يوشكون على الهجرة من لبنان كله!

الضرب في العهد وحكومته هو ضرب في الميت، والضرب في الميت حرام كما يقال. وعلى اللبنانيين جميعاً إذا أرادوا بقاء دولتهم ونظامهم السياسي واستقلالهم وعيشهم الإنساني مواجهة هذه الميليشيا المسلَّحة الأفعوانية التي تعتبر تصرفاتها الشائنة عقيدةً “أعمق بكثير مما يطرحه البعض”!

إن الحديث إلى العهد ورئيسه، لا فائدة منه للوطن والمواطنين. بل تستفيد منه بجرعةِ شرعيةٍ، ستكون بمثابة الخضوع لحرب الزعيم على اللبنانيين: فهل يجرؤ العهد على الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية الآن، لأنّ سلاح الحزب هو الخطر الرئيسي على لبنان ونظامه السياسي وسلامه الداخلي.

الزعيم لا يتهمنا في وطنيتنا وأخلاقنا وحسْب، بل ويكاد يتهمنا في ديننا باعتبار أنّ سلاحه هو عقيدته

3.   كنا نتعزّى ونتحجج بأنّ الفلسطينيين والسوريين الذين سيطروا على لبنان تباعاً هم غرباء، والحرب هي حرب الغرباء على أرض لبنان: فماذا نقول الآن؟ هي ميليشيا “وطنية” مسلَّحة تتحكم بكل شيءٍ، وتُعطي من تشاء وتمنع مَنْ تشاء، وفي لبنان وسورية، وحيثما تختار. ولهذه السطوة وجهٌ طائفي ومذهبي بغيض. ولا دستور ولا قانون. والزعيم لا يتهمنا في وطنيتنا وأخلاقنا وحسْب، بل ويكاد يتهمنا في ديننا باعتبار أنّ سلاحه هو عقيدته وينبغي أن يكون عقيدتنا أو يحدث ما لا تُحمدُ عُقباه. ويتمدّح قادتنا بالاعتدال، إنما كيف يستقيم الاعتدال بلا كرامة ولا مواطنة؟!

4.   علينا أن نواجه حزب السلاح بدون ترددٍ أو أوهام. وإذا كان هو يختار السلاح في مواجهتنا ومواجهة الجوع، فلا يبقى لنا خيارٌ غير مواجهة السلاح والجوع معاً. لأن السلاح الميليشياوي هو علّة الجوع وانعدام الأمن، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

–  لا عيش مشترك، ولا مواطنة، ولا سلم أهلي، ولا دولة مع السلاح الميليشياوي.

الواجب الوطني هو في المواجهة الشعبية والسياسية الوطنية الشاملة للسلاح غير الشرعي القاتل للبنان ودولته ودستوره وعيشه المشترك، ولا شيء دون ذلك. 

وكفى بالأجَلِ حارساً!    

مواضيع ذات صلة

من 8 آذار 1963… إلى 8 كانون 2024

مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو، طُويت صفحة سوداء من تاريخ سوريا، بل طُويت صفحة حزب البعث الذي حكم سوريا والعراق سنوات طويلة، واستُخدمت شعاراته…

سوريا: عمامة المفتي تُسقط المشروع الإيرانيّ

عودة منصب المفتي العام للجمهورية السوريّة توازي بأهمّيتها سقوط نظام بشار الأسد. هو القرار الأوّل الذي يكرّس هذا السقوط، ليس للنظام وحسب، بل أيضاً للمشروع…

فرنسا على خط الشام: وساطة مع الأكراد ومؤتمر دعم في باريس

أنهت فرنسا فترة القطيعة التي استمرّت اثنتي عشرة سنة، مع وصول البعثة الفرنسية إلى العاصمة السورية، دمشق. رفعت العلم الفرنسي فوق مبنى سفارتها. لم تتأخر…

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…