تبدو الحكومة كمن يدوس على حقل ألغامٍ في كلّ مرّة تُطرح التعيينات على طاولة النقاش. بالتأكيد، أرسَت حكومة حسان دياب أسلوباً غير مألوف في نمط اختيار الموظفين في الإدارات والمؤسّسات العامة مغايراً حتّى لذاك الذي طبع حكومتي العهد برئاسة الرئيس سعد الحريري.
واقعٌ كاد يطيّر الحكومة عند طرح بند التعيينات المالية في 2 نيسان الفائت الأمر الذي دفع رئيس الحكومة حسان دياب إلى سحب البند عن جدول الأعمال، مؤكّداً أن التعيينات تخالف قناعاته، ومشدّداً على ضرورة وضع آلية قانونية شفّافة.
مع ذلك، لم يسلم دياب من اتهامات صريحة بانضمامه إلى نادي المحاصصة في “اختيار الأزلام” بعيداً عن معيار الكفاءة، مع معايرته باختزال هذه التعيينات، تحديداً السنية – المسيحية، مع جبران باسيل.
إقرأ أيضاً: وزيرة الاعلام تنفضُ يدها من المجلس الوطني للإعلام: التغيير آتٍ
وفي وقت تبدو التعيينات المالية وبعض التعيينات الإدارية، منها تعيين محافظ جديد لبيروت غارقة في فنجان الخلافات السياسية، فتح أمس باب تقديم طلبات الترشّح لمنصب رئاسة مجلس إدارة “تلفزيون لبنان” الشاغر منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما قد يضيف مشروع مشكل جديد على طاولة الحكومة. يذكر أنّ الاستمارة التي أعدّتها وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية تتضمّن خانة لتحديد مذهب المرشح لمنصب مدير عام تلفزيون لبنان (موقع كاثوليكي)، وهو أمرٌ يعكس توجّه الحكومة بأن تُبقي على التوزيع الطائفي الذي يحكم الغالبية العظمى من المواقع في الإدارة.
وزارة الإعلام تؤكّد أن “التعيين سيتمّ وفق آلية شفّافة بأفضل المعايير تعتمد للمرة الأولى في تاريخ الوزارة بعيداً عن البيروقراطية المعتمدة سابقاً، حيث سيصار إلى تقديم الطلبات عبر الموقع الإلكتروني لوزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية ضمن فترة محدّدة بـ 15 يوماً قابلة للتمديد”.
آخر جولة خلافية في ملف تلفزيون لبنان شهدتها حكومة الحريري حين أدّى الخلاف السياسي إلى تأجيل طرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء، مع تمسّك الوزير باسيل بتعيين الإعلامية ومقدّمة البرامج في قناة “OTV” داليا داغر في رئاسة مجلس إدارة تلفزيون لبنان بتزكية مباشرة من رئيس الجمهورية ميشال عون.
أعقب ذلك، إصدار وزير الإعلام السابق جمال الجراح قراراً في 17 تشرين، وقبل يومين من استقالة الحريري، بتكليف زياد حرفوش، المُقرَّب من باسيل ونجلِ أحدِ الضباط المُقرَّبين من عون، بمهام مدير الوكالة الوطنية للإعلام، وذلك بعد إخفاق العهد، منذ انتخاب عون رئيساً للجمهورية، في إزاحة لور سليمان المديرة السابقة للوكالة وتعيين حرفوش مكانها. إذ وقفت “القوات اللبنانية” وبكركي ضدّ هذا التوجّه.
هكذا رحّل مشكل “التلفزيون” بتعيين رئيس مجلس الإدارة وأعضائه الستة إلى ما بعد تشكيل حكومة جديدة. ولا يعرف بعد إذا كانت الآلية المقترحة من وزارة الإعلام، بدفع مباشر من رئيس الحكومة، ستلقى المصير نفسه لنتائج الآلية التي اعتمدها وزير الإعلام السابق ملحم الرياشي عام 2017 وعلى أساسها تقدَّم 138 مرشحاً لموقع مدير عام تلفزيون لبنان. ورسا الخيار على ثلاثة مرشحين امتُحنوا، كما باقي المرشّحين، أمام اللجنة المؤلّفة من الرياشي ووزيرة شؤون التنمية الإدارية عناية عز الدين ورئيسة مجلس الخدمة المدنية فاطمة الصايغ، وذلك بعد وصول 17 مرشّحاً إلى ما قبل التصفيات النهائية، ولم تكن داليا داغر من ضمنهم. ومع ذلك، لم يطرح بند تعيينهم على مجلس الوزراء بسبب الخلاف السياسي.
وجهة نظر “التيار الوطني الحر” استندت دوماً على اعتبار أنّ هذا الموقع لا تشمله أيّ آلية وهو من ضمن كوتا رئاسية يعود لرئيس الجمهورية فقط الحسم فيها. أما عون فسبق ان أعلن أنّ “الآلية وضعت في ظرفٍ مُحدّدٍ، واذا أرادوا التزامها فلتتحوّل إلى قانونٍ، وعندها بيمشي الحال”.
لا يمكن الأخذ بأيّ آلية إذا لم يتمّ تعديل القانون وهذا الأمر يحتاج إلى نقاش ووقت طويل، وبعض الوزراء داخل الحكومة “مش خرج” يناقشوا فيها
مصادر نيابية في “التيار” تقول لـ”أساس”: “حتى الآن لا آلية مُلزِمة في القانون. هذه مؤسّسة عامة، واختراع الآليات “نتعة” سياسية مُستجدّة. بالمبدأ هو مجرّد خيار أن يكون المُرشّح صاحب اختصاص، فرئيس مجلس الإدارة ليس بالضرورة أن يحمل شهادة بالاعلام الرقمي مثلاً. ويمكن النظر إلى الحكومة نفسها، هناك وزراء نجحوا فيها وآخرون فشلوا، ولم يكن الاختصاص هو المعيار بالتأكيد”.
تضيف الأوساط أنه “في السابق، أتى “فرض الآلية” ضمن إطار حركات ما إلها طعمة ولأهداف سياسية، لأن رأس هذه المؤسّسة يختاره رئيس الجمهورية. وحتى اللحظة نحن نقول إن الكلمة الفصل والأولى في هذا الموقع هي لرئيس الجمهورية. وما ينقص تلفزيون لبنان فقط إيقاف السرقة فيه والحشو بالتوظيفات وإقفال الدكاكين داخله”، مؤكّدة أنّه “لا يمكن الأخذ بأيّ آلية إذا لم يتمّ تعديل القانون وهذا الأمر يحتاج إلى نقاش ووقت طويل، وبعض الوزراء داخل الحكومة “مش خرج” يناقشوا فيها”.
وفق المعلومات، طرحت وزيرة الإعلام في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة مسألة الآلية التي ستعتمدها الوزارة في اختيار رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان، وستُلزم نفسها باتباعها ولم يحصل معارضة للأمر، فيما كان لافتًا الإشارة من قبلها إلى أنّ هذه الآلية ستكون بعيدة عن “البيروقراطية المعتمدة سابقاً”، معدّدة المواصفات المطلوبة لشغل الموقع، فيما رئاسة الجمهورية تسلّم بكون الكلمة الأخيرة في هذا التعيين لبعبدا.
وكان اتفق داخل الحكومة على اعتبار أنّ مجالس الإدارة لا تخضع الآليات، فيما تقول مصادر مطلعة إنّ “أيّ آلية حتى اليوم، وطالما لم يتعدّل القانون، ليست ملزمة للوزير أو للقوى السياسية المعنيّة بالتعيينات”.