عبد الهادي محفوظ: اسمي سلطة!

مدة القراءة 4 د


في أثناء التحضير لإحدى حلقات برنامج “شي أن أن” الساخر الذي كانت تعرضه قناة “الجديد”، وخلال الإعداد لأحد التقاريرعن المجلس الوطني للإعلام، وضعتُ رهاناً مع فريق الإعداد بأن الرئيس عبد الهادي محفوظ لن يستطيع تسمية الأعضاء العشرة الذين يتكوّن منهم المجلس. وكان رهاني في مكانه، فحينما ذهب الزميل عبد الرحيم العوجي إلى المجلس مع فريق التصوير ودخل إلى مكتب محفوظ، وبعدما سأله عبد بجدّية عالية عما إذا كان التلفزيون (الآلة) الموضوع في مكتبه مرخّصاً، وسأل عن دور وصلاحيات المجلس، رمى له قنبلة تسمية الأعضاء العشرة، فارتبك محفوظ ولم يستطع تسمية سوى أربعة أسماء من عشرة، ثم فقد أعصابه وراح يصرخ طارداً زميلنا من مكتبه، ليجد نفسه في الخارج بمواجهة مكتب ابراهيم عوض عضو المجلس، فسأله بدوره عن أسماء زملائه في المجلس ولم يستطع يومها تسمية أحد، قبل أن يلحق محفوظ بفريق “شي أن أن” ويطرده خارج المبنى.

إقرأ أيضاً: بيان “المجلس الوطني للإعلام”: دفاع عن الحكومة و”العهد” بحضور الموالين فقط

تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ البيان الصادر عن المجلس، وانتقاده مواقع إلكترونية (خصّ بالذكر موقعيّ “المدن” و”جنوبية”) “تقوم بحملات ممنهجة على الحكومة”، وتسوّق أنها “مدعومة، لا بل تقاد، من بعض الأحزاب السياسية على الساحة اللبنانية وعلى رأسها حزب الله والتيار الوطني الحر”. فرئيس المجلس يتذكّر موسمياً دوره، بحسب ما تُملي عليه السلطة، وهو تحرّك مع الحكومة الماضية إلى دعوة مسؤولي المواقع الإلكترونية إلى إجتماع لبحث سبل إرساء ما يشبه الرقابة المسبقة المتخلّفة على المواقع الإلكترونية، لضمان بقائها تحت السيطرة. ورئيس المجلس هذا يتولّى المنصب منذ تأسيسه، على غرار جميع مفاصل هذه السلطة التي لا تداول حقيقياً فيها للسلطة، وهو يتخلّف عن ركب التطور والتكنولوجيا، فلا تجد له حضوراً لا عبر موقع رسمي ولا عبر أيّ حساب خاص على مواقع التواصل الاجتماعي. فعبد الهادي محفوظ لا يحبّ الفايسبوك، على ما قال لي أثناء تغطيتي للاجتماع مع مسؤولي المواقع الإلكترونية في الحكومة السابقة بحضور وزير الإعلام السابق جمال الجرّاح، وأضاف: “لا قيمة للفرد، القيمة للجماعة”. ولم يكن يتكلّم لمجرّد الكلام. هذا الرجل يعني تماماً ما يقول. وهو يرأس مجلساً وطنياً للإعلام، يتمحور دوره حول مراقبة عمل وسائل الإعلام. يقول على التلفزيون: “لا قيمة للفرد”، بلا أدنى تردّد. ومواقع التواصل الاجتماعي ومعها المواقع الإلكترونية، تعزّز قيمة الفرد، وهو لذلك يريد محاربتها. يريد قمعها، لتسير في قطيع الجماعة، بلا ايّ تمايز وبلا أيّ نقاش يخرج عن المألوف. يريدها أن تكون كلها مطيعة وملتزمة التعليمات التي تصدر عن مجلسه الرقابي الموغل في التخلّف. 

لو سأل زميلنا عبد الرحيم.. عبد الهادي محفوظ.. عن اسمه، كان سيجيبه من دون تردد ومن دون انتباه: اسمي سلطة!

عبد الهادي محفوظ أداة من أدوات هذه السلطة، وأيّ سلطة. أداة لها دور واحد، منزوعة الرأي والاستقلالية، تنفّذ ولا تعترض: القمع. هو أشبه بأدوات التعذيب التي يستخدمها المحقّقون أثناء التحقيق مع المعتقلين. عبد الهادي أشبه بصعقة كهربائية يعذّب بها النظام الجسد الإعلامي. مثله كمثل قنبلة مسيلة للدموع في تظاهرة. أو هراوة تنهال على رأس مصوّر صحافي. كمّامة تكمّ الأفواه. هو كلّ هذا وهو لا شيء. يتخيّل نفسه قادراً على فعل كلّ ذلك. ويحاول. لكنه لا شيء. لم يخطر في بال زميلنا عبد الرحيم العوجي حينما سأله عن أسماء أعضاء المجلس الوطني للإعلام، أن يسأل عبد الهادي محفوظ عن اسمه. فلا نستغرب أن يكون قد نسيه أيضاً. فاسمه ليس مهمّاً. أسماء الأدوات لا تهمّ. المهمّ هو أفعالها، وانتفاع مستخدمها بها. لو سأل زميلنا عبد الرحيم .. عبد الهادي محفوظ .. عن اسمه، كان سيجيبه من دون تردد ومن دون انتباه: اسمي سلطة!

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…