مأساة الشابة العشرينية “ورود”، المغدورة برصاص عصابة مخدّرات في مخيم شاتيلا، تستعيد حكاية البؤس والفقر من جهة، والفلتان الأمني والاجتماعي في بؤر جغرافية من جهة أخرى. فعائلة ورود تتألف من 7 أشقاء وشقيقة، وكلّهم في حال من الصدمة، فاقمها إصابة والدتها المفجوعة بجلطة. أما والدها محمد كنجو، وخلال حديثه لـ”أساس”، وبعدما يطمئننا عن “استقرار” وضع زوجته الصحيّ، يرثي حالة الأطفال الثلاثة وجيه: ومحمد، وجابر، وقد باتوا أيتام الأمّ. والدهم، وهو ابن عمّة ورود، يصارع الفقر، كما صارعت هي الموت، وليس له من معين. أما الأطفال فهم حالياً في رعاية جدّهم ووالدهم، بعدما قرّر توفيق أن يترك بيروت ويعود إلى عاصمة الشمال.
رحلة ورود إلى مخيم شاتيلا بدأت منذ 5 أشهر، يروي والدها. فمنزل الزوجية كان في العيرونية، وهي منطقة فقيرة جداً تابعة لوادي نحلة. لكنّ أزمة كورونا والظروف المعيشية الصعبة دفعت زوجها “العامل اليومي” إلى البحث عن لقمة عيشه في بيروت، لعلّه يحسّن من وضعه الاقتصادي، فوجد عملاً في العاصمة، واستأجر منزلاً صغيراً جدّا في المخيم، الذي سرق منه زوجته.
إقرأ أيضاً: ورود “المقطوفة” ونداء المعترضة: المايوه والحجاب وقسوة السلاح
يروي الوالد أنّ طفله الرضيع يمتنع عن تناول الحليب بعد مقتل والدته، هو المعتاد على “حليب أمه”. العائلة تحاول تغذيته بالبطاطا المهروسة، فهو “يرفض أخذ القنينة”. الجدّ المُتعب، يتحدّث بصوت متهدّج، كما لو أنّه منهك بالكامل، ويطلب من أصحاب الأيادي البيضاء أن يساهموا في “تأمين حياة كريمة لأولاد ورود”، ويدعو السلطات الأمنية والقضائية إلى “أخذ حقّ ورود، بتوقيف القاتلين وتقديمهم إلى العدالة”. وكما والد ورود، يطالب زوجها محمد بـ”العدالة”، وبالاقتصاص من القتلة.
العائلة المتعبة لا تقوى على متابعة الحديث. سؤال أخير: هل تواصل أحد معكم من الجهات المعنية؟ يجيب والد ورود بالنفي، وكذلك زوجها، لكنّهما يشكران وسائل الإعلام التي تابعت القضية.
تاجر المخدّرات الذّي أودى بحياة ورود، فرّ خارج المخيم، فيما ألقت القوى الفلسطينية القبض على التاجر الثاني، وسلّمته إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، مع العلم أنّ قضية المخدّرات في المخيمات الفلسطينية ليست جديدة. فهو ملف لطالما كان مطروحاً على الطاولة.
في 26 أيلول 2019 اقتحم أهالي مخيم شاتيلا أوكار المخدّرات في شارع أريحا بالمخيم وأحرقوها، هاتفين: “لا للمخدّرات”. وفي مطلع شهر شباط من العام الحالي وجد ح.ب. مقتولاً في دوحة الحص، وهو من كبار تجّار المخدّرات في مخيم شاتيلا.
“ليست المرة الأولى التي يشتبك تاجرا مخدّرات”، يقول مسؤول الإعلام في حركة “فتح” في بيروت حسن بكير لـ”أساس”، مضيفاً: “للأسف، في كل مرّة يسقط ضحايا من الأبرياء. وفي الحادثة الأخرى، كان هناك اشتباك بين تاجرين اختلفا إما على البضاعة أو على تقسيم الأرباح. وذهبت ضحيته المرأة التي كانت تعيش في حيّ فرحات الواقع عند الطرف الشرقي للمخيم، فأصيبت بطلقتين في الرأس”.
وفق بكير، يضمّ هذا الحيّ الصغير العديد من أوكار المخدّرات، وهذا ما دفع الأهالي إلى إحراقها مؤخراً. وعند سؤاله عن هوية التاجرين، يوضح بكير: “الذي أطلق النار وأصاب ورود فرّ، وقد يكون مختبئاً في داخل المخيم أو خارجه، مع العلم أنّه ليس معروفاً في المخيم. لكنّ التاجر الثاني سيدلّ عليه في التحقيقات، وكان والده قد سلّمه إلى قوى الأمن الفلسطيني في المخيم التي سلّمته بدورها إلى مخابرات الجيش، وذلك بعد الضجّة والتظاهرات التي عمّت المخيم والتي طالب خلالها الأهالي الفصائل بمكافحة آفة المخدّرات”.
حلّ إلاّ بتشكيل قوة فلسطينية أمنية مشتركة ورفع الغطاء عن الجميع من قبل جميع التنظيمات
بحسب بكير، فإنّ آفة المخدّرات تزايدت داخل المخيمات مؤخراً، قبل أزمة كورونا بشهور عدّة، لافتاً إلى أنّ التوريد يتمّ من خارج المخيم: “في المخيم لا مزرعة حشيش ولا موارد. المورّدون هم التجار الكبار خارج المخيم. أما في المخيم فهم تجّار صغار ازدادت قوتهم في المرحلة الأخيرة”، مُرجعاً تفاقم الأزمة في المرحلة الأخيرة إلى حالة الفقر في المخيم: “الفلسطيني غير مسموح له بالعمل. ونسبة البطالة فيه تخطّت الـ 72%. وهذا ما شجّع على الترويج”.
أين دور الفصائل ودور الدولة اللبنانية في مواجهة هذه الآفة؟
“المشكلة الأساسية هو تعدّد القوى الفلسطينية داخل المخيمات. هناك 17 فصيلاً فلسطينياً، وهؤلاء منقسمون لفريقين أو ثلاثة”، يجيب بكير، مضيفاً: “ما نعانيه داخل المخيم هو تعدّد المرجعيات، ووجود حماية لبعض تجار المخدّرات من قبل بعض الفصائل”.
أما فيما يتعلّق بدور الدولة اللبنانية، فلا ينكر بكير أنّ الجهة اللبنانية كانت مقصّرة في السنوات السابقة، إلا أنّ هذا الوضع تبدّل مؤخراً: “الدولة اللبنانية لم تكن تتعاطى بإيجابية مع هذا الملف، وكانت ترفض تسلّم أيّ تاجر مخدّرات. وأحياناً كان يتمّ حرق البضاعة في المخيم وإخلاء سبيل التجار بعد توقيفهم. ولكن بعد الاتصالات الجدّية التي جرت بين السفارة الفلسطينية والدولة اللبنانية، وبعد تفاقم هذه الآفة، تبدّل منحى التعامل مع هذا الملف. فأصبح الجانب اللبناني أكثر جدّية في محاربة هذه المشكلة. وثمة تنسيق دائم بين القوى الأمنية والسفارة والفصائل. وأيّ شخص يُعتقل، يتمّ التواصل مع مخابرات الجيش وتسليمه مع المضبوطات لمحاكمته”.
وفيما يتعلّق بالحلّ المطلوب لمكافحة جذرية لهذه الآفة، يشدّد بكير، أنّ لا حلّ إلاّ بـ”تشكيل قوة فلسطينية أمنية مشتركة ورفع الغطاء عن الجميع من قبل جميع التنظيمات”.
ومع أنّ ذلك لن يعيد ورود، ولا من سبقوها إلى الموت المجّاني، إلا أنّه بالتأكيد يمكن أن ينقذ الكثير من الورود الأخرى.