لم يتمكن حزب الله يوماً من خلع ثيابه العسكرية، فالبدايات ومنذ ما سمّي بفرقة “الخبيطة” وقبل إعلان الحزب رسمياً، فإن الحزب تكوّن وكُوّن كي يكون ميليشيا مسلحة تقوم كلّ أدبيات التفكير عندها على المفردات والمناهج العسكرية.
في السياسة الداخلية كما الخارجية ما تعاطى الحزب يوماً بأيّ ملف داخلي إلاّ من الزاوية العسكرية البحتة، فإن تحالف مع طرف فتحالفه يقوم على عدم القدرة على المواجهة مع الطرف المذكور، وإن رفع سيف العداء بوجه طرف آخر، فإن العداء يبدأ بالتهديد وينتهي بالاقتحام، والشواهد على ذلك كثيرة.
إقرأ أيضاً: مثلّث المكابرة الذي خرّب البلد
مقاربات الحزب للملفات الداخلية انحصرت عبر مفردتين الأولى التعطيل، كتعطيله وسط بيروت التجاري عام 2006 عبر الاعتصام المفتوح لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ومن ثَمّ تعطيل الانتخابات الرئاسية من أيار 2014 إلى تشرين الأول 2016 لفرض العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. فيما المفردة الثانية هي الهجوم، كما حصل في غزوتي بيروت والجبل في 7 و 11 أيار 2008 أو لاحقاً عبر غزوة “القمصان السود” في شوارع بيروت عام 2011. أو في الذهاب إلى الحرب مع إسرائيل كما حصل في تموز 2006، لتحقيق الغلبة المعنوية في الداخل، في إطار الصراع المحتدم بين معسكري 8 و14 آذار.
ينظر حزب الله إلى كامل التطورات منذ ما قبل ثورة 17 تشرين وما سبقها من أحداث، على أنها مؤامرة تستهدفه، وتشارك بها كلّ الأطراف التي تحالفت معه قسراً أو التي رفضت مقاربة التحالف معه، أضاف إليها المصارف ومعها مصرف لبنان وحاكمه. على هذه الخلفية، تعاطى حزب الله مع الثورة أو الحراك كما يحب البعض تسميته، فخوّن المشاركين بالاعتصامات، وأطلق سراياه لتأديبهم في بعلبك وصور والنبطية وبيروت وصيدا، وسبق الثورة تهديد المصارف وحاكم مصرف في لبنان عبر اتهامها بالتواطؤ مع الإدارة الاميركية في العقوبات التي فرضتها على الحزب.
على كلّ هذا، ليس مستغرباً العودة للتلويح بـ7 أيار جديد إن عبر أنصار الحزب والجيوش الإلكترونية التابعة له على وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر نوابه وكلام أحدهم عن الطوفان الذي سوف يجرف المعارضين.
أزمة الحزب في هذه المرحلة أن مصطلحات مقاربته للملفات فقدت فعاليتها لا بل انتهت صلاحيتها، فلا هو بقادر على الذهاب إلى حرب مع العدو الإسرائيلي، وهو ونحن نعلم ذلك بكلّ دقة، ولا هو قادر على افتعال 7 أيار جديد، فالأيام المجيدة انتهت إلى غير رجعة.
هناك سيناريوهات متعدّدة التسويات يجري العمل على إرسائها بين اللاعبين الكبار وكلها لا تلحظ انتصاراً للحزب
حزب الله يهيمن على لبنان بكلّ مفاصله، أمر لا جدال فيه، وبالتالي فإن افتعال 7 أيار جديد هو سعي للسيطرة على المسيطَر عليه. وفي ذلك فعل هباء منثور، وضرب من ضروب العبثية الفارغة التي إن ألحقت الأذى بأحد، فإنّها تُلحق بفاعل فعل الأذى مع غياب المفعول به.
حقيقة على حزب الله أن يدركها جيداً أنّ كافة الأفرقاء والطوائف أدت عقوبتها ومحكوميتها مع العذر من قساوة العبارة، وكلّ الأثمان التي ستدفع مع الأيام المقبلة، وحده هو الذي سيدفعها أي حزب الله. هناك هزيمة معنوية ألحقت بحزب الله من جراء توّرطه بحروب عبثية في الخارج من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن، وإن كانت انتصارات بالمعنى العسكري، لأنها أطفأت زخمه في الداخل، وهو يعجز عن ترجمتها سياسياً. هناك سيناريوهات متعدّدة التسويات يجري العمل على إرسائها بين اللاعبين الكبار، وكلها لا تلحظ انتصاراً للحزب.
في أواخر عدوان تموز 2006 وقبل نهايته بأيام خرج وليد جنبلاط موجّهاً كلامه لأمين عام حزب الله حسن نصر الله قائلاً: “حزب الله انتصر بالحرب فليُهدِ انتصاره للبنانيين”. واليوم حزب الله يشعر بالمأزق السياسي، فليجنّب اللبنانيين عواقبه.