أمي ماكسمان Amy Maxmen مجلة “Nature” نشرت في 21 نيسان
بدأت مختبرات في أرجاء الولايات المتحدة الأميركية بتنظيم حملات واسعة لفحص مناعة مئات الآلاف، بهدف الاكتشاف المبكر لمن أُصيبوا بفيروس كورونا المستجدّ، ولم تظهر الأعراض عليهم، أو الذين لم يتمكّن فحص الـPCR، من اكتشاف إصاباتهم. والهدف هو معرفة مدى الانتشار الحقيقي للفيروس في المجتمعات وفي المدن، قبيل البدء بالتخفيف من إجراءات العزل والحجر، واستئناف العمل تدريجياً في البلاد. لكنّ هذا الفحص ليس دقيقاً في نتائجه، والعلماء يغامرون باستخدامه لأنه لا يمنح المفحوص سوى نتائج ظنّية، قد تكون خاطئة.
بحسب مقال صادر في مجلة نايتشر “Nature” الأميركية، فإن نوعاً من الأجسام المضادة للفيروسات التي يفرزها الجسم البشري، قد تكون أداة في سبيل تحديد إصابة المرء بالكورونا أو عدم الإصابة. ويدافع بعض العلماء عن أهمية فحص المناعة على الرغم من النواقص التي قد تعتريه، بأنه يقدّم معلومات مفيدة عندما تكون فحوص PCR، غير متاحة أو متأخرة. وثمّة اهتمام أكبر بتحديد نوع معيّن من الأجسام المضادة التي يمكن أن تكشف إن كان المفحوص يتمتع بالمناعة تجاه الكورونا بعد تعافيه، فلا يُصاب به مرّة أخرى. واستثمرت العيادات والمختبرات المرتبطة مع شبكة المستشفيات في فيرجينيا وواشنطن وكنتاكي وميتشيغن وأوهايو، مئات الآلاف من الدولارات في التجهيز والبنية التحتية من أجل تنظيم “فحص المناعة”.
إقرأ أيضاً: جائحة كورونا: مخيّمات اللاجئين نقطة ضعف
يُبسّط العلماء نتائج الفحص المناعي بمصطلحات دقيقة، ويتوقّعون أن تُتبنّى إجراءاتهم مع ظهور المعلومات الجديدة. لكن بالنظر إلى الحاجة العاجلة لاستباق الوباء، وتجنّب وفاة مزيد من الناس، واستئناف الأعمال، فمن المهمّ المضيّ بهذا النوع من الفحص. فالولايات المتحدة حالياً هي مركز وباء كوفيد19 في العالم، وتوفي أكثر من 42 ألف مصاب فيها خلال سبعة أسابيع فقط (تجاوز الآن 60 ألفاً). وإذا ما مضى فحص المناعة قُدُماً بحسب الرهانات المعقودة عليه، فالمبادرات الأولى في الولايات المذكورة ستصبح نموذجاً للولايات الأخرى. ويقول كيث جيروم (Keith Jerome) مدير قسم دراسة الأوبئة في “جامعة واشنطن – معهد الطب في سياتيل”، والذي أقام مركزاً للفحص المناعي بسعة 15 ألف فحص يومياً: “ثمة شيء تعلمناه، وهو أن السعي للكمال قد يحرمك من أن تقوم بمجرّد عمل جيد، وإن كنا سننتظر جواباً لكلّ سؤال، فلن نكون جاهزين لفعل أيّ شيء قبل أشهر من الآن”.
الفحص السريع
في منتصف آذار الماضي، استأجر العالم المتخصّص بالأوبئة رشيد شوتاني، العامل في المركز الطبي كير لايف ميديكال (CareLife Medical) شقة في ميريفيليد، فيرجينيا، للبدء بفحوص سريعة للأجسام المضادة. ولا يستغرق الفحص سوى عشر دقائق، ومعظم الذين يخضعون له لا يمكنهم نيل فحص الـ PCR بسبب اشتراط المستشفيات أن تظهر أعراض المرض على المفحوص.
فحص الأجسام المضادّة لا يلتقط الإصابات المبكرة بالمرض، لكن بحسب شوتاني يفيد الحاملين للفيروس دون أن تظهر عليهم أعراضه، لئلا ينقلوا العدوى إلى الآخرين في العمل أو في المنزل. وعموماً، فالجسم المناعي في الجسم ينتج موجات مختلفة من الأجسام المضادة لمحاربة الغزاة من الكائنات الدخيلة. وإحدى أولى تلك الموجات تسمى (إميونوغلوبولين أم) (IgM).
هذه الأجسام المضادة ينتجها الجسم خلال فترة 4 إلى 10 أيام بعد الإصابة بالكورونا. ويضرب شوتاني مثلاً بواقعة تؤشر على دور الفحص المناعي في الوقاية. فقد جاء طبيب إلى عيادته قبل ثلاثة أسابيع، وظهرت نتيجة الفحص المناعي إيجابية عنده. ودعم شوتاني هذه النتيجة الأولى، بفحص آخر من الأنف، وأرسله إلى مختبر خاص لتأكيد النتيجة عبر PCR. وبما أنّ نتيجة الفحص الرسمي تتأخر ليومين، فقد نصحه بالتوقف عن معالجة المرضى حتّى ظهورها. بخلاف القواعد المعتمدة في كثير من المستشفيات الأميركية، التي تسمح للأطباء والممرّضين الاستمرار في العمل ما لم تظهر عليهم أعراض أو تثبت فحوص إصابتهم. لكن كثيراً من العاملين في القطاع الصحي يقلقون من هذه القاعدة المعتمدة لأن نسبة حاملي فيروس دون أعراض، قد تصل إلى 40 %. “هذه هي المعضلة التي نواجهها” بحسب شوتاني.
وفي رسالة إلى صنّاع السياسة في ست ولايات، اقترح شوتاني وزملاؤه عليهم دعم الفحص السريع للمناعة لأنه قد يساعد في كبح انتشار الفيروس في أماكن العمل، التي لا تفحص العاملين بـPCR.
بالمقابل ظهرت معضلة أخرى، تتعلّق بالنتائج الصادرة عن هذا الفحص، إذ تكون خاطئة بعض الأحيان. فالفحص الذي يستعمله شوتاني يحتمل 2% من الخطأ عندما يكون إيجابياً، كما يحتمل 15% من الخطأ إن أعطى نتيجة سلبية، وذلك وفق المصنّع لأداة الفحص، أي بيوفارما بوسطن (Boston Biopharma).
وقد طُوّر 70 فحصاً الشهر الماضي، وطُلب التدقيق فيها من إدارة الأطعمة والأدوية الأميركية (FDA). هذه الإدارة فضلاً عن “منظمة الصحة العالمية” أكدتا أن فحص الـPCR هو المخوّل وحده بتأكيد الإصابة بالفيروس.
هذه النقطة قابلة للنقاش. فالصين قد حدّثت إرشاداتها العيادية كي تضمّ إليها فحص الأجسام المضادة (IgM)، فإن كانت النتيجة إيجابية، فإنها مؤشر على إصابة حادة بالفيروس. وكثير من المختصّين بالأوبئة يتسامحون مع قصور هذا الفحص بسبب الحالة الطارئة، كما بسبب النقص في فحوص البي سي آر، وللأخطاء المحتملة حتى في الفحص السلالي للفيروس.
أما رانو دييون (Ranu Dhillon) الاختصاصي في الاستجابة للأوبئة في “المعهد الطبي” بجامعة هارفرد في بوسطن – ماساتشوتس، فقال إنّه أيضاً سيمكث في المنزل، إن حصل على نتيجة إيجابية من فحص الأجسام المضادّة، حتّى لو كانت النتيجة موثوقة نسبياً وحسب: “فما دمنا في حالة تشبه الحرب، فسأفترض أنّي مصاب إلى أن يثبت العكس”.
التقصّي من أجل الحماية
إلى ذلك، فإنّ البحث جارٍ عن اكتساب المرضى السابقين بكوفيد19 لمناعة تحميهم من الإصابة مرّة أخرى. فقد بدأ السياسيون في أنحاء العالم التركيز على موجة أخرى من الأجسام المضادة تدعى إيميونوغلوبولين جي (IgG)، نظراً للأمل المعقود بأنّ هذه الأجسام المضادة قد تحمي المرء من الإصابة مرة أخرى.
إن الجهاز المناعي ينتج هذا الصنف من الأجسام المضادة على مهل، وهو “يتذكّر” فيروساً معيّناً بعد إصابته المريض. وبالنسبة لبعض الأوبئة، فإن الأجسام المضادة من نوع (IgG) تقوم بتحييد هذا الفيروس عندما تلتقي به مرة أخرى، فتحمي الخلايا من الأذى.
في كل هذه المدن، يُخبر الباحثون المفحوصين عن وضعهم بالنسبة للأجسام المضادة لديهم، لكنهم يفعلون ذلك بحذر. وهم يقولون إنّ الناس ترتاح أكثر لدى الحصول على معلومات إضافية في هذا الوقت الحرج، حتى لو كانوا يُدرجون غير اليقين في المسار العلمي
في كنتاكي، قام المختصّ بالصحة البيئية في جامعة لويزفيل، أروني باتناغار (Aruni Bhatnagar) بإقناع المسؤولين بفحص 6 آلاف من العاملين في القطاع الصحي في المدينة، فحصاً سريعاً للأجسام المضادة، بأدوات مصنوعة من سيليكس وبيكتون ديكينسون (Cellex and Becton Dickinson). فريق العمل في المستشفى كان معرّضاً لخطر كبير، وصار بإمكان الفحص المذكور أن يكشف عمن يحمل نتائج إيجابية للأجسام المضادة لديه، ما يؤدي إلى التقليل من خطر الإصابة بكوفيد19.
وأجرى فريق باتناغار تجارب إضافية على عيّنات دم تحمل الجسم المضاد (IgG). وقاس مستويات الأجسام المضادة في تحليل أكثر تطوّراً يدعى إليسا (ELISA). وقام الفريق ذاته بدرس ما إذا كانت الأجسام المضادة من نوع (IgG) قادرة على كبح الكورونا من إصابة الخلايا. فإذا صحّ اعتقادهم هذا، فسيطلب الباحثون من الأفراد الذين منحوا عيّنات من دمهم أن يقدموا كمّيات من الدم إلى بنك البلازما، حيث يأملون بعلاج المرضى بكوفيد19 بهذا البلازما: “لم نُصب بالوباء بقوة الآن” كما يشرح باتناغار، “لذلك يمكن أن نُجري هذا البحث في كنتاكي الذي سيساعد الولايات المتحدة”.
في الوقت نفسه، يقوم باحثون في المركز الصحي ببيومون (Beaumont Health) بديترويت، ميتشيغن، بفحص 38 ألف طبيب وتقني، وآخرين من العاملين في المستشفيات، بحثاً عن الأجسام المضادة من نوع (IgG) بواسطة تقنية التشخيص (إليسا) من شركة يوروإيمون (EuroImmun). وسيسمح هذا الفحص لهم بمعرفة ما إذا كان مستوى معيّن من الأجسام المضادة مطلوباً من أجل اكتساب المناعة.
في كل هذه المدن، يُخبر الباحثون المفحوصين عن وضعهم بالنسبة للأجسام المضادة لديهم، لكنهم يفعلون ذلك بحذر. وهم يقولون إنّ الناس ترتاح أكثر لدى الحصول على معلومات إضافية في هذا الوقت الحرج، حتى لو كانوا يُدرجون غير اليقين في المسار العلمي. لكنّ كثيراً من العلماء يؤكدون أنه من المبكر استعمال هذا الفحص وكشف نتائجه. آمي لوكوود (Amy Lockwood) المختصة في الصحة العامة في قسم الصحة بسان فرانسيسكو، كاليفورنيا، تعتبر أنّ PCR وحده يكشف وجود الفيروس حالياً، وهي تبدي قلقها من أخطاء وارتباكات الفحص المناعي: “فكل شيء آخر هو من قبيل التفكير السحري”.
يبقى أنّ اختبارات الأجسام المضادة تضع على المحكّ العلماء أنفسهم، كما يلحظ سكوت بويد (Scott Boyd) وهو متخصّص بالمناعة في جامعة ستانفورد بكاليفورنيا: “بعض الأشخاص يشعرون بعدم الراحة إلى درجة غير معقولة بسبب نقص المعلومات. وبعضهم الآخر يقول: “هذا أفضل ما يمكننا فعله الآن، فلنفعل شيئاً ما”.
لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا