تفشّي الأطباء في الأغاني العربية: “من إيه جاي يا زمان تداوينا”؟

مدة القراءة 5 د


بالتزامن مع بدايات انتشار فايروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، كان الفنان المصري عمرو دياب يطلق ألبومه الجديد، ومن ضمنه أغنيته التي تتحدّث عن لجوئه إلى الطبيب، ويقول مطلعها: “عم الطبيب، جنبي الشمال ده بتجيله شكّة، من حالي طول الليل بتشكى، عرّى وكشف شاف الهموم، بص بأسف وقالي قوم، ما ترحش يا ابني لطبيب يطبك، إنت علاجك حبيب يحبك”. “الهضبة” لم يتقصّد بالطبع إحضار الطبيب إلى الأغنية لكي تتلاءم مع المرض “المستجد”. والتزامن الذي حدث ليس سوى محض صدفة. لكن الطبيب يحضر مع المرض والعلاج  في كثير من الأغنيات العربية الشهيرة، كما لو أن الحب هو الفايروس القاتل على مدى الأزمان، والمحتاج بشكل ملحّ إلى طبيب. ولا يبدو غريباً هذا الإسقاط الطبي على الغناء العاطفي، فهو موجود وحاضر في كثير من الأغاني الأجنبية، لعلّ أبرزها أغنية داليدا (من كلمات سيرج لاما) “أنا مريضة “Je suis malade”. والتي تصوّر حالة عشق طرحت العاشق مريضاً في الفراش من أثر الهجر والبعاد. 

إقرأ أيضاً: عبد الحليم: نار يا خدام نار!

قبل الغوص في الأمثلة من أغنيات يحضر فيها الطبيب بشكل طاغٍ، لا بدّ من الإشارة إلى حضور الطبيب في أغنية شهيرة للأطفال هي أغنية محمد فوزي “ماما زمانها جاية”. وهذا الحضور لا يبدو مشجّعاً للأطفال، بل يبدو الطبيب فيه أقرب إلى فزّاعة يستخدمها الأهل (وهذه كانت ثقافة شائعة في الأجيال السابقة) لتخويف الأطفال ولجمهم: “عارف الواد اللي اسمه عادل جه الدكتور وعمله ايه؟ لقى رجليه بقوا زي الفتلة بص شوية جوا عنيه، راح مديله حقنة كبيرة، عارف ادّاله الحقنة ليه؟ ما بيشرب اللبن الصبح وكل اصحابه ضحكوا عليه”.

ربما بسبب وسواسه القهري وخوفه الشديد من المرض ومحبته لرفقة الأطباء وصداقتهم، اختار الموسيقار محمد عبد الوهاب كلمات بعض أغنياته مسكونة بأطباء، أو تتحدّث بطريقة أو بأخرى عن المرض والعلاج. فهو في فيلم “رصاصة في القلب” يدّعي أنه “حكيم عيون” بعدما ينتحل قبل ذلك صفة طبيب أسنان، وقبل أن تسند إليه راقية ابراهيم بدلعها المعهود، صفة “الطبيب الروحاني”. وفي أغنية أخرى لعبد الوهاب من كلمات أستاذه أحمد شوقي، يغنّي موسيقار الأجيال لحبيبه المريض من الحب والفراق، والذي “يستهوي الورق تأوّهه ويذيب الصخر تنهّده”، أي تصعب حالته على الصخر، ويستهوي تأوّهه الحمام، لشدّة الشبه بين صوت الحمام وصوت الحبيب.

يبقى جورج وسوف هو أكثر الفنانين العرب تخصّصاً بالطب، فلا هو طبيب صحة عامة، ولا طبيب عيون، بل طبيب جرّاح

عبد الحليم حافظ، الذي عانى في حياته من مرض البلهارسيا وتوفّي بسببه، كان الحب مرضه الثاني الذي نعثر عليه في كثير من أغنياته، فها هو يغنّي من كلمات نزار قباني “رسالة من تحت الماء”، وفيها يخاطب الحبيب بالقول: “إن كنت طبيبي ساعدني كي أشفى منك”. وفي “ظلموه” يحضر عبد الحليم “الطبيب يداوي” فيسأله “الجرح فين”، ليجيب حليم: “قلت اسأل دق قلبي اللي زايد دقتين/ سمع في القلب حاجة/ وقال ده رمش عين”. هي عملية فحص وتشخيص لمرض الحب عبر استدعاء الطبيب وإجراء تحاليل وإصدار النتائج ووصف العلاجات. وقد تحضر زيارة الطبيب كاملة في أغنية عبر حكاية ترويها المغنّية، كما هو الحال مع طروب: “قالوا أمان يا دكتور/ جسمي ثقلت حركاته/ عندك دوا يطول عمري وقلبي تقوى دقاته/ قاله بتعشق؟ قاله لا/ قاله بتسهر؟ قاله لا/ قاله اللي ما بيعشق وما بيسهر لشو بالله حياته”. فحيناً يكون الحب هو الداء وأحياناً هو الدواء. والحب المترافق مع أعراض أخرى يكون أشدّ وقعاً على “المريض”، كالحب من طرف واحد مثلاً، أو الحب المترافق مع فراق الحبيب والانفصال عنه. والعلاج غالباً يكون بالوصال مع الحبيب، حتى مع استحضار الطبيب الذي لا ينفع كما هي الحال في أغنية فولكلورية شهيرة يغنّيها صباح فخري “قلبي تلوّع يا وعدي/ بدي طبيب يداويني/ دوا الطبيب ما ينفعني/ شوفة حبيبي بتشفيني”. أو يكون الدواء والداء صنويين كما في حالة فيروز حينما تغنّي “فايق يا هوا لم كنا سوى والدمع سهرني وصفولي دوا/ تاري الدوا حبّك وفنتش عالدوا”. وقد يكون الوقت هو العلاج، الذي يأتي متأخراً كما هي الحال مع “حليم”: “قال ايه جاي الزمان يداوينا/ من ايه جاي يا زمان تداوينا؟”. وقد يقع الطبيب نفسه صريع المرض- الهوى، كما غنّى وديع الصافي من ألحان بليغ حمدي وكلمات حسين السيد “وأنا يلّي كنت طبيب الهوى/ ولاهل العشق ببيع الدوا/ من نظرة لقتني صريع الهوى!”، أو كما حدث مع نجوى كرم: “كيف بداويك وانا بدي مين يداويني/ لا الطب العربي تعلمته ولا الطب الصيني”، وكلاهما حتى الآن لا ينفع مع كورونا أيضاً!

يبقى جورج وسوف هو أكثر الفنانين العرب تخصّصاً بالطب، فلا هو طبيب صحة عامة، ولا طبيب عيون، بل طبيب جرّاح، يداوي قلوب الناس، لكنه، يا حرام، لديه جراح كثيرة و”أطبا الكون ما تشفيني”. أما عازار حبيب، فكان الأذكى، إذ عرف أن الطب من دون صيدلة لا ينفع، فغنّى “صيدلي يا صيدلي”، لتأمين الدواء، لجميع مرضى الحب، مع وصفة طبّية موحّدة!

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…