متأخّراً لعقود أقرّ مجلس النواب إقتراح قانون تنظيم زراعة القنّب للإستخدام الطبي، وسط معارضة “مُدوزنة”، ترأّسها نواب حزب الله بحجّة “غياب الجدوى الاقتصادية”. في حين تصدّر نواب حركة “أمل” الدفاع عن القانون. نواب “المستقبل” سجّلوا أكثر من ملاحظة. أكثر ما يقلقهم آلية طلب ترخيص الزراعة، وربما الخوف من ولادة “ريجي” جديد بإمرة برّي، فطالبوا بفرض ضوابط أكثر صرامة. وطالب آخرون، بينهم نواب “التيار الوطني الحر”، بإدخال تعديلات لمزيد من التشدّد ومنع التنفيذ الملتوي على القانون.
هذه المخاوف يردّ عليها النائب ياسين جابر، وهو أحد معدّي إقتراح القانون، بأنّه “ينصّ على إنشاء هيئة ناظمة مع مجلس إدارة”، شارحاً أنّ “القطاع سيكون مُراقباً بعكس قطاعات أخرى لا تزال تفتقر حتّى اليوم إلى مجالس إدارة وهيئة ناظمة، وشهدت هدراً بالمليارات، منها الكهرباء”.
إقرأ أيضاً: كرتونة بيض راوول نعمة بـ12 ألف ليرة!
أما موقف حزب الله فبدا خارج السياق تماماً، خصوصاً أنّ اللجان الفرعية استمعت على مدى جلسات طويلة إلى الجدوى الاقتصادية للقانون ومنافعه العامة على أهالي بعلبك – الهرمل ومستقبل لبنان ككلّ، وإلى أنّ “لبنان يملك قدرة تنافسية وتفاضلية كبيرة بالنظر إلى النوعية الجيّدة لنبتة القنّب لدينا، بحسب جابر.
هو “إنجازٌ” بالتأكيد، في زمن الانهيار المالي والاقتصادي، وفي لحظة انشغال العالم، خصوصاً الدول التي كانت معترضة، وربما لا تزال، على تشريع هذه الزراعة في لبنان.
تربط مصادر نيابية في حديث لـ”أساس” إدراج القانون على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأخيرة بمطالبات سياسية سابقة بتشريع زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي . بالمعايير الطائفية التي تحكم هذا الملفّ.
يجدر فقط التساؤل: ماذا لو تضافرت الجهود قبل عشرات السنوات؟ هل كان هذا القانون لينقذ اللبنانيين من قدرهم المشؤوم بمواجهة إحدى أخطر الأزمات في تاريخهم؟ والسؤال الآخر البديهي: هل كانت زراعة القنب الهندي المقوننة ستنضمّ إلى مزارب الهدر الهائلة التي أفرغت الخزينة العامة؟
النائب ياسين جابر، وفي حديث لـ”أساس”، يتخوّف من أن “ينضمّ القانون إلى لائحة عشرات القوانين التي لم تطبّق، فنشهد حينها نهاية مماثلة لما شهدته قوانين أخرى بقيت في الجارور”. ويعوّل جابر على “حكم رشيد وصالح وتحت سقف دولة مسؤولة، وهناك يمكن أن يسلك هذا القانون طريقه إلى التنفيذ”.
في حقبات سابقة من عمر الحكومات المتعاقبة كان الممسكون بالقرار السياسي يتغاضون عن استخدام أحد أقوى أسلحة الدولة، الظاهرة – المخفية، وإمكانية استخدام هذا السلاح في تخفيف تنامي الدين العام والحدّ من تمدّد البيئات الحاضنة للعوز والفقر والارتكابات المخالفة للقانون.
أمراء مال وسلطة ونفوذ تفرّجوا لعقود على تحوّل زراعة القنّب إلى “بينزس” خاصّ تستفيد منه منظومة متكاملة، من المزارع إلى التاجر والموزّع والمصدّر والمهرّب… وخذوا على تبييض أموال، وعلى موارد ذهبية فضّلت السلطات المتعاقبة أن تفرّط بها سابقاً لأنّ “خيراتها” كانت تدفق الخيرات على بعض كبار “مافيات” شبكات تجّار المخدرات والممنوعات.
كان على الدولة أن تنتظر دراسة ماكينزي التي كلّفت 1.3 مليون دولار لتتيقّن بأن تنظيم زراعة القنب الهندي يجب أن يتصدّر الأولويات، وبأنّها ستدخل مليار دولار سنويًا على الخزينة، في أقلّ تقدير
وأفظع ما اقترفته حكومات ما بعد الطائف، أمام الفشل الذريع في حلّ معضلة الكهرباء والاحتكارات والسرقات الموصوفة في صناديق الدولة والنهب التاريخي لأموال اللبنانيين والتفلّت الأمني، هو تكريس جهود أجهزة الدولة لإتلاف سهول الحشيشة، لمعاقبة صغار المزارعين من طالبي اللقمة، في غياب الزراعات البديلة. ما عدا خلال ولاية النائب نهاد الشنوق في وزارة الداخلية . حين منع التلف بحجج مختلفة . منها عجز القوى العسكرية عن القيام بهذا الواجب .
كان ذلك يجري في ظلّ واقع يَعرفه كثيرون. فإلى اللبنانيين من طالبي “الزَهزهة” لنسيان فاجعة وجودهم تحت سقف دولة “محشّشة”، يتهامس اللبنانيون أنّ الكثير من السياسيّين والفنانين والمشاهير كانوا، ولا يزالون على الأرجح، يدخّنون الحشيشة. فتحضر في سهراتهم الخاصّة. وتكرّ السبحة لتطال أبناء السياسيين ورجال الأعمال وعائلات النخبة والطبقات الاجتماعيّة المرفّهة وأصحاب الملايين والمليارات…
كان على الدولة أن تنتظر دراسة ماكينزي التي كلّفت 1.3 مليون دولار لتتيقّن بأن تنظيم زراعة القنب الهندي يجب أن يتصدّر الأولويات، وبأنّها ستدخل مليار دولار سنويًا على الخزينة، في أقلّ تقدير.
في شباط الماضي، وسط اعتراض من نواب “حزب الله” وانسحابهم من الجلسة، أقرّت اللجان النيابية المشتركة اقتراح القانون بعد دراسته لأشهر في اللجان الفرعية، برئاسة النائب جابر، دراسة علمية وتقنية وافية مع الاستعانة بخبراء دوليين ومحليين من أصحاب الاختصاص.
وينقل جابر عن رئيس معهد صيني أنّ “مليارات الدولارات تنتظر لبنان عند المباشرة بزراعة القنّب”. ويضيف: “نعلم أنّها ستخلق فرص عمل كثيرة وستنشّط الدورة الاقتصادية وستُنشىء معامل أدوية وشركات لاستيراد الشتول…”.
أقرّ القانون، بانتظار التطبيق، وإعادة صياغة منطقة بعلبك – الهرمل من منطقة “خارجة على القانون” إلى منطقة تمدّ خزائن الدولة المفلسة، بمليارات الدولارات، وبفرص عمل في زمن الانهيار المالي والاقتصادي.