بيروت التي كانت فارغة من أهلها وسكّانها طوال يوم الأحد، في مشهد غير مسبوق في تاريخها، لم تكن هادئة كما توقّع المقيمون فيها، بعد حظر تجوّل كامل نهار الأحد، بمنع استعمال السيارات بمختلف لوحاتها، أضيف إلى التعبئة العامة التي فرضت حظر تجوّل ليلي لكل اللبنانيين. فقد سمع سكّان العاصمة وضواحيها صوت “إم كامل” طوال النهار والليل، وبعضهم منعته من النوم. وظلّت الطائرات المعادية تحلّق لساعات طويلة وعلى علوّ منخفض ما حجب النوم عن عيون العديد من المواطنين.
و”أم كامل”، لمن لا يعرف، هو لقب طائرة الاستطلاع الاسرائيلية MK التي تخرق الأجواء اللبنانية، فوق كلّ لبنان، منتهكةً السيادة اللبنانية وقرار مجلس الأمن 1701.
وكانت MK قد غابت عن سماء بيروت لشهور عدّة، وذلك بعدما أسقط حزب الله طائرتي استطلاع إسرائيليتين في آب 2019، وما تلاه من تهديد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ببدء استهداف الطائرات المسيّرة الاسرائيلية.
عودة “أم كامل” ارتبط بسخرية الناشطين، فسأل البعض عن “ربيع”، وهو الشاب الذي قال في آب الماضي إنّه أسقط بضربة حجر إحدى الطائرتين الإسرائيليتين المسيّرتين في منطقة معوّض بضاحية بيروت الجنوبية.
إلى ذلك، طرح تحليق “أم كامل”، في سماء بيروت وضواحيها، سؤالاً عن استغلال العدو الإسرائيلي للحظر وخلوّ الطرق، بهدف رصد المواقع والنقاط بشكل أوضح. وهذا ما أكّده الخبير العسكري العميد الركن نزار عبد القادر، الذي أوضح لـ “أساس”، أنّ الهدف من الاستطلاع هو “رؤية الوضع العام في ظلّ الكورونا والتعثّر السياسي، وتجميع المعلومات عن الوضعين الاجتماعي والاقتصادي، وأخذ صورة عامة عن الوضع السائد في البلد”، وتابع: “لا أعتقد أنّهم يرصدون أهدافاً معيّنة أو يحاولون التقصّي عن أشخاص وقيادات، بل هو استطلاع عام في ظلّ الوضع السياسي المتأزّم والإجراءات المستجدّة”.
ولفت عبد القادر إلى أنّ “العدوّ الإسرائيلي لم ينفّذ عملية استطلاع من هذا النوع فوق العاصمة منذ مدّة، لذلك وجد الناس في هذا الأمر سواء في الإعلام أو مواقع التواصل، مادة جديدة للخروج عن رتابة الحياة اليومية في ظلّ الحجر”.
إسرائيل ليست عدوة حزب الله فقط وإنّما عدوة كلّ لبنان، وهي تراقب كلّ ما يجري لتكوين داتا مقبلة حول أماكن تحرّكات الجيش والقوى الأمنية
بدوره الخبير العسكري والاستراتيجي ورئيس تحرير مجلة “الأمن والدفاع العربي”، العميد المتقاعد ناجي ملاعب، لا يستبعد أنّ يكون العدو الاسرائيلي قد استغلّ الحظر للتقصّي والرصد: “بالطبع، فالشوارع خالية، وهناك مسافات بين الأبنية، ولم يكن هناك سيارات. وهذا يمنح الطائرة الاستطلاعية فرصة لا مثيل لها لتكوين داتا من الصور”.
ويوضح العميد المتقاعد أنّ العدو الإسرائيلي لم يترك سماء لبنان في زمن الحرب ولا في زمن السلم، لافتاً إلى أنّ لدى هذه الطائرات مهمّات عدّة منها “الاستطلاع والاستخبار والتصوير ومراقبة التحرّكات، وتكوين داتا حول تحرّكات قادة وأسلحة، ورصد ما يحصل في سوريا (فإسرائيل عندما تقوم بالاعتداء على مخازن حزب الله في سوريا تراقب أيضاً الطريق التي تسلكها هذه الصواريخ إلى الداخل سواء إلى البقاع والجنوب أو إلى الضاحية)”، مضيفاً “هي أيضاً تصوّب من سماء لبنان الصواريخ الإسرائيلية التي تطلق إلى الداخل السوري سواء بالمدفعية من الجولان المحتل أو من الطائرات، وتصوّر النتائج”.
أما على صعيد لبنان، فيؤكد العميد المتقاعد ناجي ملاعب أنّ “إسرائيل ليست عدوة حزب الله فقط وإنّما عدوة كلّ لبنان، وهي تراقب كلّ ما يجري لتكوين داتا مقبلة حول أماكن تحرّكات الجيش والقوى الأمنية، وتقوم أيضاً بمراقبة أعمال التنقيب عن النفط على الساحل اللبناني”.